Culture Magazine Monday  07/07/2008 G Issue 254
عدد خاص
الأثنين 4 ,رجب 1429   العدد  254
 

مدرسة اليقين
عبد الرحيم الأحمدي*

 

 

كثير أولئك الذين كان يبهرهم الدكتور مصطفى محمود بما يطرح من أفكار علمية من خلال برنامجه الأشهر في التوعية العلمية والإيمانية أو مؤلفاته العديدة التي كانت في فترة من الفترات أكثر رواجاً وأشد إعجاباً لما كان يتبع من أسلوب يستحوذ على قلوب المشاهدين إن كان من خلال التليفزيون أو كتبه العلمية أو الأدبية، ومع أنني ما كنت من المتابعين لمسيرة حياته بصورة دقيقة، والتطورات التي شهدتها، ولكنني كنت من المحبين للبرامج العلمية الفكرية التي يقدم، لما فيها من إيقاظ للذاكرة والخيال وتحريك للذهن أن يتدبر في ملكوت السموات والأرض، وينظر إلى عظمة الخالق جل وعلا كيف يسير هذا الكون الرحب، ويعني بمن فيه من كائنات وما يقدر لها من أرزاق وتصريف لتتفاعل عبر حياة تحقق التكامل والاستقرار لهذه الكائنات، كل ذلك كان يطرحه الدكتور مصطفى محمود في أسلوب سهل ويسير يجد العالم فيه تذكيراً وجدة، كما يتلقى فيه من هم دون ذلك تبصرة وإحاطة مما يمكن اليقين من قلوبهم، ويثير إعجابهم بتلك الحقائق التي يلمسون أكثرها في حياتهم اليومية.

كان الأسلوب الذي ينهجه الدكتور مؤثراً وبليغاً يصل إلى مراكز الوعي والتأثر لديهم، وما كان ليصل إلى الناس لو لم يكن الإيمان والحس الأدبي اللذين يتمتع بهما الدكتور ميسرين لعلمه أن يصل إلى الآخرين، وهذه هبة من الله يمنحها لمن يستحقها من عباده. وكان يعزز متابعة الناس للدكتور ما كان يشاع في تلك الفترة من عودته إلى الحق واليقين بعد رحلة في مضمار الشك والسير في ركاب العلم المؤسس على نظريات وضعية لا يرتكز أكثرها على مرجعية دينية، هذه العودة عمقت ثقة السواد الأعظم من الناس في الدكتور مصطفى وما يطرح من أفكار، والبرهان أكبر مؤثر للإقناع، مثلما تصنع التجربة من تعزيز للتصديق والتسليم بما يقال، لذا كان تأثير الدكتور على طلاب العلوم حينها ظاهراً لمواكبة ما يطرح مع ما يدرسون في كلياتهم وما يجرون من تجارب فيها كانت نتائجها معززة بآراء الدكتور والحقائق التي تؤكدها أطروحاته، وربما انعكس ذلك على حياة كثير من أبناء ذلك الجيل ومن ثم على المجتمع، وهو أمر لم يكن الدكتور يعني فيه غير العلم والتدبر في الكون للتعرف على الخالق الذي أبدع كل شيء خلقه.

والمثير للعجب أن تلك الضجة التي أثارها الإعلام ابتهاجاً بمقدم الدكتور مصطفى محمود وبعلمه اختفت فجأة، ولم يظهر من يملأ الفراغ الذي كان يشغله الدكتور، وذلك الرواج لكتبه لم يعد يذكر، وحتى الدكتور الرائد الذي كان الإعلام يخطب وده، وكبار الشخصيات يباهون بحضوره منتدياتهم ما عدنا نرى شيئاً من ذلك الاهتمام أو البرامج التي كانت تتسابق إليها محطات التلفزة مما يقدم الدكتور وتستحوذ على اهتمام كل المستويات من المثقفين والمتعلمين والأميين، كأنما العلم عاد موضة موسمية، ونحن على علم بوجود الدكتور بيننا ولم يتوان عن مواصلة جهوده العلمية والأدبية دون ضجة أو استجداء، فالعلماء يؤتى إليهم ولا يأتون إلى الناس، ومما لا شك فيه أن البحث في هذه الحقول تزيد الباحث علماً والبحث تجديداً، واليقين تأكيداً.

إن انصراف وسائل الإعلام ومراكز العلوم عن اطلاعنا على جديد الدكتور مصطفى محمود ومتابعة نشاطه أمر يثير الدهشة والاستغراب، فقد غرس الدكتور في أوساطنا حب البحث والتدبر والاستنتاج، وأثرى مدرسة اليقين بكثير من الحقائق المهمة التي كان يلاحقنا بها أينما كنا ويشدنا إليها راغبين، وتترك صداها في أسماعنا وأفكارنا، وتثري تجربة طلابنا وتغرس فيهم حب العلم والبحث في مداراته.

والفرصة لم تزل أمامنا سانحة لمراجعة الضمير تجاه المبدعين وإنصافهم بإحلالهم ما يستحقون من مكانة بيننا، ومثل الدكتور مصطفى محمود الذي خاض غمار الكتابة والإبداع والإبهار والتواضع في العلم والأدب والفكر جدير بأن يأخذ مكانه الرفيع من الاهتمام والتقدير والاحتفاء، وللقائمين على الملحق كل الشكر على هذه اللفتة المبهرة التي تذكر كثيراً منا بما لا يُنسى، وأكثر ذلك المبهر الدكتور مصطفى محمود.

* أديب وناشر سعودي - الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة