Culture Magazine Monday  10/03/2008 G Issue 238
فضاءات
الأثنين 2 ,ربيع الاول 1429   العدد  238
 

من أجمل كتب الرحلات
الرواية المثيرة... (العربية السعيدة)! «1-2»
د. أحمد عبدالملك

 

 

لا يمكن اعتبار كتاب (العربية السعيدة) لمؤلفها (ثوركيلد هانس) - ترجمة (سليم محمد غضبان والصادرة ضمن إصدارات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة عام 2006 وتقع في 461 صفحة من القطع الكبير؛ لا يمكن اعتبارها رواية بالمفهوم الميكانيزمي للرواية. إنها وصف لرحلة شاقة وطويلة ومثيرة كان أصلها 432 صفحة من قطع الربع وصدرت عام 1772 تحت عنوان (وصف العربية) للمستكشف الوحيد الذي بقي حياً من أصل خمسة مستكشفين رحلوا من الدنمارك ووصلوا الهند ثم عاد واحد منهم (كارستن نيبور) وأهدى كتابه إلى ملك الدنمارك.

بدأت الرحلة بحراً عام 1761 من ميناء (كوبنهاجن) وتكون الفريق من خمسة رجال كان كل واحد منهم متخصصاً في علم من العلوم وله مهمة محددة. ويوضح خط الرحلة - كما برز على الخريطة المرفقة بالكتاب - أنه يبدأ من الدنمارك وحى اليمن وبومباي ثم العودة عبر البر من العراق وشرق أوروبا إلى الدنمارك. وتعتمد الرواية على مخطوطات أصلية سجلها نيبور؛ وكذلك روايات مكتوبة وصور كان يرسمها أحد أعضاء الفريق بالإضافة إلى مذكرات لابن آخر من بقي على قيد الحياة من الرحالة وهو ابن (نيبور).

بعد الانطلاق من (كوبنهاجن) وسط عواصف عاتية؛ يجد الرحالة أنفسهم قرب (أيسلندا) شمال المحيط الأطلسي. ثم ينحدرون جنوباً بحيث يحاذون غرب المملكة المتحدة ثم جنوباً إلى البرتغال. أحدهم كان يجمع الرخويات ويراقب حركة الطيور؛ آخر أن يرسم المباني والشجر والبشر ؛ثالث كان يجمع البذور والأغصان والشتلات ويرسلها عبر البحارة إلى جامعات أوروبية. رابع كان مولعاً برصد الكواكب ولديه منظار استحوذ على إعجاب من صادفه من البشر خلال الرحلة.

تصل السفينة إلى مرسليا -جنوب فرنسا- حيث يقوم الرسام برسم لوحة للميناء وللسفينة الراسية والسفن المرافقة لها. ومن ميناء مرسيليا كانت هنالك سفينة حربية ترافق سفينة المستكشفين (جرونلاند) حتى تركيا لحمايتها من القراصنة الإنجليز الذين كانوا يمارسون العداء لفرنسا خلال حرب المستعمرات.

تدخل السفينة مضيق الدردنيل وبحر مرمرة كي تصل القسطنطينية. يدب الذعر بين أفراد الفريق حيث قام أحد أفراد الفريق - وهو البروفيسور (فون هافن)- بشراء 8 عبوات صفراء و10 عبوات بيضاء؛ اكتشف أفراد الفريق فيما بعد أنها (زرنيخ) وبدأوا يخافون على حياتهم منها. حيث اخبر الطبيب (كرامر) زملاءه عن قضية الزرنيخ الذي اشتراه (هافن) من صيدلية في القسطنطينية. وهنا شكف الراوي قيام الزملاء الثلاثة من افراد الفريق بكتابة رسالة إلى المبعوث الدنماركي في القسطنطينية يخبرونه فيها بقضية الزرنيخ الذي اشتراه عالم اللغويات (هافن) ويطلبون من المبعوث تخليصهم من ذاك الرفيق الذي توجسوا منه خيفة.

تتهيأ السفن للرحيل نحو الإسكندرية؛ ولأول مرة يصادف أفراد الفريق المسيحي صورة الإسلام. ويسمون الرجل الذي التقوه على السفينة ب(المحمدي) وهو يتاجر بالعبيد. وتحدث مناوشات بين عالم اللغويات (هافن) والرجل المحمدي حول الإسلام والمسيحية.

بعد أسبوع تطأ أرجل الفريق لأول مرة أرضاً عربية وهي الإسكندرية. يصف أحد أعضاء الفريق البيوت كما بدت في تلك المدينة وصفات الناس هنالك. حيث تعرض أعضاء الفريق لبعض المضايقات في الطريق مما أضطرهم للبقاء في سكن القنصل الفرنسي. وينطقون من الإسكندرية إلى (رشيد) ومنها إلى القاهرة في تشرين الثاني 1761. ويبدأ كل عالم منهم بعمله الخاص به. وقد جمع (فورسكول) عالم النباتات أكثر من 120 نوعاً من الأزهار. كما قام بدراسة الحيوانات، ووصف الأسواق ونباتات الصحراء. كما وصف ملابس الناس، وسوق العبيد التي تأتي إليه القوافل من السودان. كارسن كان يصف القاهرة بنوع آخر من العمل وهو النقش على النحاس. ونلاحظ من الصور المرفقة بالرواية وجود الآلات الموسيقية الشرقية - خصوصاً الوتريات التي في أغلبها قريبة من الربابة والعود. كما يصف الراوي عبر لوحة جميلة رسمها (فايند) عن الجواري اللاتي رقصن أمام فريق الرحلة قبل سفرهم إلى السويس. يتحدث الراوي عن قطاع الطرق هنا وكثيراً ما تدخلوا في حياة أعضاء الفريق. يذهب الفريق إلى بعض المناطق الأثرية في سيناء مثل (حمام فرعون) أو جبل موسى ودير كاترين. يقارن الراوي حادثة تاريخية دينية؛ حيث يصف ضيق الوادي الذي عبر به موسى أصحابه - الذين قدرهم بثلاثة ملايين شخص- وبرأيه أن الوادي ضيق جداً لذلك العدد من الناس. تصل السفينة بالرجال الستة إلى مدينة (جدة) ثم إلى ميناء (تور) وتحدث لهم قصص غريبة مع البدو الذين يعبثون بمعداتهم وأدواتهم الغريبة على سكان المنطقة. كما يشرح الراوي انفصال ركاب السفن الأخرى عن الحجاج المسلمين الذين نزلوا إلى الشاطئ باتجاه مكة المكرمة. ولكن لم يفت على الراوي الإساءة للعرب حيث يقول:

(طلب (فورسكول) من ضابط الجمارك أن يحضروا قملة حية؛ لكنهم انزعجوا كثيراً لكون الأوروبيين قد افترضوا أن العرب لديهم مثل هكذا حشرة في أجسادهم؛ بعد أن عرض عليهم بعض البرغل مقابل تلك الحشرة. قام أحدهم بإحضار قملة من على جسمه؛ لا شيء أفرح الأمير أكثر من أن يرى القملة بحجم الدودة. والجميع شاهدوها فرداً فرداً. وأخيراً شاهدها ضابط الجمارك الذي أحضرها؛ ولكنه أقسم حانقاً أنها لا يمكن أن تكون قملة عربية؛ وأنه لابد وأنها لأحد الأوروبيين)!

وفي إساءة أخرى حول مرصد (نيبور) يقول الراوي:

(بين كل الأشياء التي أطلعنا العربَ عليها في (لوهيا) كان مرصدي. هو أفضل شيء لفت انتباههم. لقد كان يقلب الأشياء جميعها. سمحت لهم بتوجيهه صوب إحدى النساء التي كانت تمشي على الرصيف على بُعد منا. لقد صعقتهم المفاجأة عندما رأوا المرأة تمر عبرنا معكوسة رأساً على عقب بدون أن تنزل ثيابها (الله أكبر) صرخوا بحماس)!.

يصف الراوي حياة البدو في اليمن وكيف يكون جدولهم منذ القيام إلى النوم. ويصف أيضاً الرحلات الداخلية من (المخا) وبيت الفقية وصنعاء؛ كما يرسم (نيبور) خريطة لليمن. وفي اليمن يفقد الفريق أحد أعضائه وهو (هافن) ويدفن في مقبرة الأوربيين بعد نقاشات مطولة حول مكان دفنه. في يوليو 1763 يفقد الفريق زميلاً أخر هو (فورسكول) عالم الفيزياء والنبات عن عمر ناهز 31 عاماً. ويحتار الفريق أين يدفنون زميلهم. فالعرب رفضوا بيع أرض للدفن؛ حيث يتخوفون من أن الجثة سوف تفسد الماء والأرض بدفن (المسيحي) فيها. كما أن الحاكم كان ينتظر هدية ذات قيمة عند وفاة أحد الأشخاص. وفي حيلة من (نيبور) قال: (إنه لا يستطيع دفع مبلغ دون فاتورة، ولذلك فإن على الحاكم أن يبلغه كتابياً عن المبلغ الذي يطلبه. وهكذا لم يطلب الحاكم شيئاً. كان الحاكم يدرك أن الفريق سوف يتوجه إلى صنعاء ويخاف أن يتم طرح القضية على الإمام !.

وكدليل على معاداة السكان وعدم ترحيبهم بالأجانب فقد وجدوا جثة (فورسكول) قد انتشلت من التربة بواسطة بعض العرب الذين كانوا يعتقدون أنهم سوف يجدون بعض الأشياء الثمينة مع الجثة، خصوصاً وأنه دُفن في نعش. لصوص القبور كسروا النعش ولفوا بقماش النعش الجثة وتركوها على الأرض.

يتم إرسال 12 صندوقاً من المواد والعينات الخاصة بالرحلة إلى (كاليكوتا) بالهند ومن ثم ترسل إلى المستعمرة الدنماركية (ترانكي بار) في المحيط؛ لكن تلك الأشياء أصابها تلف كبير؛ يقول الراوي:

(زجاجات حفظت بها حيوانات قد انكسرت. الكحول تبخرت أو انسابت؛ رجال التبشير في المستعمرة كان عليهم التخلص من كميات كبيرة منها.. وحملّت على ظهر سفينة دنماركية كانت متجهة إلى الصين ومن هناك عادت السفينة إلى كوبنهاجن. وفي عام 1766 بعد ثلاث سنوات من وفاة (فورسكول) وصل الجزء الأخير من المجموعات إلى الدنمارك).

ول ايفوت الراوي تجسيد لقاء أعضاء الفريق بإمام اليمن.. يقول:

(لقد سمحوا لنا بالتقدم نحو الإمام لنبوس يده اليمنى من الخارج ومن الداخل، وأن نبوس الثوب فوق إحدى ركبتيه. الأولى والأخيرة عادية تماماً، عندما يقف المرء أمام أحد الأمراء العرب.. بما أنني كنت الأول وفكرت فقط في إظهار تحياتي باللغة العربية كأحسن ما أستطيع القول؛ وراقبت تلك الإجراءات الاحتفالية التي لم أر مثلها في مكان آخر من العربية. وهكذا لا أستطيع أن أنكر أن الخوف قد أصابني قليلاً من ذلك الصخب. وبخاصة عندما بدأوا في الصراخ بمجرد أن لامست يد الإمام. لقد فهمت بسرعة وتماسكت. وعندما بدأ الصراخ أيضاً عندما لامسَ زملائي يد الإمام. قارنت بين هذه العادة وعادة بلادنا عندما نصرخ بحياة شخصية قائلين (هورا..هورا)؟

- قطر


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة