Culture Magazine Monday  10/03/2008 G Issue 238
ذاكرة
الأثنين 2 ,ربيع الاول 1429   العدد  238
 
يعد أول من كتب القصيدة الحديثة في نجد
المنصور يوارى الثرى بعد أن توارى في الحجب منذ أكثر من 40 سنة

 

 
* الرياض - علي القحطاني:

توارى في الحجب منذ أكثر من أربعين عاماً وعزف عن الأضواء ولم تنبس شفتاه بالقصيدة منذ ذاك الحين، ويكاد أن يكون نسياً منسياً في مشهدنا الثقافي لولا كتاب أصدره الأستاذ أحمد السيف حول تجربته الإبداعية والشعرية قبل نحو خمس سنوات، فقد غيب الموت الشاعر عبدالرحمن بن محمد المنصور (1920-2008) الذي يعد أول من كتب القصيدة الحديثة في نجد, حيث صافحت أحلامه الرمال ومات رجاؤه عندما لاح الفجر صوته كالصدى يهز الكهوف، تتراعش منه الذُّرى، من صوته الدّاوي المخيف، لن يمنع الجبل صداه الداوي، سوف تردّده الكهوف، شاعر يهذي كهذي الساقية، أبدا تئن، فتضحك الأقدار منها هازئة، فصباحُها كمسائها، مكلومة تشكو على مرّ القرون، إنه الشاعر عبدالرحمن المنصور من رواد الشعر السعودي الحديث الذي ولد بالزلفي عام 1340هـ- 1920م، وسافر إلى الرياض لطلب العلم عندما كان عمره لا يتجاوز سن المراهقة ثم انتقل إلى المعهد السعودي بمكة المكرمة عام 1360هـ- 1940م، ومن ثم سافر إلى القاهرة لينال شهادة الليسانس في الفلسفة والشريعة واللغات الشرقية من الأزهر الشريف، نال شهادة الماجستير في التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس، من أبرز زملائه في الدراسة بالقاهرة، أصحاب المعالي: ناصر المنقور، إبراهيم العنقري، حسن المشاري، عبدالعزيز الخويطر، وآخرون وفي عام 1373هـ- 1954هـ عاد إلى المملكة العربية السعودية، وباشر عمله مفتشاً عاماً في مصلحة العمل والعمال بالظهران، وعمل مديراً عاماً لشؤون العمل بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية عام 1379هـ، وتقاعد عن العمل الرسمي عام 1384هـ- 1964م، ثم تفرغ لأعماله الخاصة، في عام 1372هـ- 1952م نشر قصيدته (أحلام الرمال) في مجلة (اليمامة) وتعد أول قصيدة تفعيلة تنشر في أول مطبوعة تصدر في المنطقتين الوسطى والشرقية، وبذلك يُعد رائد الشعر الحديث في نجد حيث تقول أبياتها:

أحلام الرمال

مات الرجاء

والفجر لاح

والهضب في غلائله أقاح

وعلى الرمال النائمات على الظمأ

الحالمات

جفونها بالارتواء

فاح الشّذى

شذى زهور لا ترى

قد ضمها

جفن الرمال الحالمات

هي كالصدى

هز الكهوف

فتراعشت منه الذُّرى

من صوته الدّاوي المخيف

لن يمنع الجبل الصّدى الداوي

تردده الكهوف

لن تقطف الأيدي زهوراً لا تُرى

وإن زُكِمَتْ بعبيرها الوردي أنوف

وقد قام الأستاذ محمد بن عبدالله السيف بتحرير وإعداد كتابه عن هذا الشاعر تحت عنوان: (من رواد الشعر الحديث عبدالرحمن المنصور المولود بالزلفي 1920م) الذي قسّم الكتاب إلى أربعة فصول:

الفصل الأول: ويشتمل على بعض قصائد الشاعر التي نشرت في الصحف والمجلات وكتب الأدب السعودي.

الفصل الثاني: ويشتمل على ما كتب عن الشاعر المنصور في كتب تاريخ الأدب السعودي ونقده.

الفصل الثالث: ويشتمل على الدراسات والشهادات والمقالات التي تناولت الشاعر المنصور في الصحف والمجلات، وهي التي طرحت مؤخراً عن الشاعر.

الفصل الرابع: ويشتمل على المقابلات والحوارات الصحافية التي تم إجراؤها مع الشاعر ثم ملحق الوثائق والصور.

وكانت الدوافع وراء جمع هذه المادة وإخراجها كما يقول المؤلف في كتاب يطّلع عليه متذوقو ومتابعو الشعر العربي، هو ما مثَّله شعر عبدالرحمن المنصور على الرغم من قلته وعدم استمراريته من أهمية في مسيرة الشعر العربي في منطقة نجد؛ إذ إنه قد تمرد على النمط التقليدي في كتابة القصيدة، ويعد رائد القصيدة الحديثة في المنطقة، وتأتي قصيدة (مات الرجاء) كأول قصيدة تفعيلية تنشر في أول عدد من أول مجلة تصدر بالمنطقة الوسطى، وذلك قبل نصف قرن؛ ليكون المنصور بذلك أحد التنويريين الذين قاموا بمهمة تطوير القصيدة وتحريرها من نمطها التقليدي.

لقد صرخ شاعرنا (صرخة الكوخ) عندما زار أحد معسكرات اللاجئين العرب في (غزة)، وتأثر من تلك المشاهدات الحزينة المؤلمة فأنشد قائلاً:

صُراخ الجياع

يشق الفضاء

وأنّاتُهُم تحفر الهاوية..

وقد أصيب ذات مرة بحمى مطبقة، أسلمته للأشباح والأوهام لحظات مخيفة، كان من وحيها هذه الصور التي أنطقها قائلاً:

كلما أضاء نجم

دق ناقوس الخطر

واحتدام في النفوس يستعر

وحقود تتشظى

مثلما تنقضُّ شهبٌ

في دياجير الظلام

فإذا الليل انتفاضات جنون مرعبة

وإذا أشباحه مذعورة مرتجفة

روّعتها في الظلام الرُّجم

وقد بكى شاعرنا وهو يهتف بأنّاته للاجئين العرب، عندما شاهد عصابة يهودية تنقضُّ على مدينته الآمنة (الناصرة) وتلهب ظهور النساء والأطفال بالسياط وأنشد قائلاً:

وتثاقلت نفسي تُدمدم في الطريق

شعثاء جلّلها غُبار الراكضين

الراكضين بلا ضمير

الراكضين بلا عقول

الراكضين مع الرياح

أنى تميل

أنفاسهم فيها.. عذاب

أيديهم.. ظُفْر وناب

يمزّقون وينهشون

كل المشاة.. على الطريق

وأشار الدكتور حسن الهويمل في تقريظه للكتاب إلى ظاهرة يمتلكها الشاعر، وهي جديرة بأن تستعاد، تلكم هي تجديده الشكلي للقصيدة، وانفتاح النص عنده، فهو قد ناهز النثرية وأوغل في الرمزية، وقيل عنه إنه واقعي، والواقعية في زمن المد الاشتراكي تحال إليه، وتداول الواقعية ذلك الوقت حساس ومثير وأحسب أن واقعيته اجتماعية، وقيل عنه رمزي ورمزيته تتعالق مع المدرسة الرمزية الألمانية، وقيل عنه إنه يستهلم شعر (نازك الملائكة) صاحبة المشروع العروضي الذي استبدل العمودية بالتفعيلة، ولكنه سيبقى شاعراً لا غبار على شاعريته. وقد بادرت (الجزيرة الثقافية) إلى تكريم الشاعر السعودي الأستاذ عبدالرحمن بن محمد المنصور؛ حيث أفردت له ملحقاً خاصاً أعادته إلى واجهة (الاحتفاء) بعد أن ألف زوايا (الاختفاء)!


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة