Culture Magazine Monday  10/11/2008 G Issue 260
فضاءات
الأثنين 12 ,ذو القعدة 1429   العدد  260
 
هل الملتقيات النقدية قادرة على الإصلاح الثقافي؟
(شدة الضجيج لا تزرع أذناً ثالثة)!
سهام القحطاني

 

 

ملتقى نقدي يجر ملتقى نقديا آخر، ولا تدري إلى أين يتجه الجميع، في ضوء غياب خريطة ثقافية لتلك الملتقيات التي أصبحت تشبه (الصناعات المقلّدة بسيطة التكوين ورخيصة السعر)!.

ولذلك وُجب علينا - أو هكذا أعتقد - أن نقف وسط زحمة تلك الملتقيات، لتحليل هذه الظاهرة الثقافية، التي إلى الآن نجد صعوبة في تقويمها العام، هل هي دلالة على التطور الثقافي لدينا، أم أنها علامة لفوضى ثقافية نعاني منها؟.

وقرار التقويم مرهون بجملة من المعطيات والحيثيات المتعلقة بالأفكار الرئيسة لتلك الملتقيات ومدى خدمتها للتطور والوعي الثقافيين، ومكتسباتها من خلال ما تقدمه من إكمال وتغير وتعديل نواقص وعيوب وأخطاء الفعل الثقافي ومنجزاته، وموقعها من التخطيط الثقافي الداعم لعصرنة أصالة وهوية ثقافة العقل الجمعي والتأثير في رباعية تطوره، ودورها الوظيفي ضمن الاستراتيجية الثقافية العامة للخطاب الثقافي بمنطقيه التقليدي والتجديدي وطموحاته في فرض نظرية ثقافية إصلاحية.

وأحسب أن تفصيل معايير لتقويم تلك المعطيات على الملتقيات النقدية الحالية هو أمر فيه الكثير من الصعوبة، لأن التطبيق الناتج عنها لا يراعي تلك المعطيات وبالتالي فمعايير تقويمه سالب؛ لغياب ما يمكن احتسابه مكتسب جاد وتأثيري في قيادة حركة الإصلاح الثقافي لدينا.

(وتوضيح معطيات نظرية الإصلاح الثقافي لدينا، سأفصلها في حديث آخر مستقل)

فالملتقيات ليست عملية ضبط وإحضار للنص الأدبي والتحقيق معه فهذا مجال التأليف النقدي، وليست قاعة أكاديمية لعرض البحوث النقدية، كما أنها ليست قاعدة بيانات ثقافية، بل هي جزء من نشاط ثقافي خدماتي، والنظر إليها من خلال تلك الزوايا وتفويت هويتها ووظيفتها، دلالة على سذاجة بعض القائمين عليها الذين يفتقدون أبسط أساسيات التخطيط الثقافي، والدليل على ذلك التكرر الممل لموضوعات الملتقيات النقدية، واستسهال التكرار يُعيدنا إلى مسألة عدم الكفاءة الثقافية للقائمين على بعض الأندية الأدبية، وضيق أفقهم الثقافي، وغياب الرؤية الثقافية الاستباقية، ولذلك أعتبر عدم الكفاءة الثقافية لبعض القائمين على الأندية الأدبية من أسباب غياب موضوعات الإصلاح الثقافي وآلياته عن الملتقيات، أو هكذا أظن.

مع إعجابي بنادي مكة الأدبي الذي تميز موضوع ملتقاه الماضي عن غيره من الملتقيات وكان عن (الخطاب الثقافي) وهو تميز ناتجه عدم وقوعه تحت هيمنة ثلة من كتاب ونقاد النص الأدبي كبقية الأندية، مع العلم أنني لم أكن من المشاركين في الملتقى أو عضوا في النادي.

أول ملاحظة تدركها وأنت تتأمل الملتقيات النقدية، سيطرة (النقد) ومشتقاته على تلك الملتقيات، مع أن المشهد الثقافي لدينا يشهد تراجعا للنقد الأدبي.

وأعتقد أن لتلك الهيمنة دلالات خفية تتعلّق بطبيعة ثقافة القائمين عليها وأغلبهم من كتّاب ونقاد النص الأدبي، وسيطرة النقد على موضوعات الملتقيات يعني ضمانا مؤكدا لحضور مكثّف لتلك الفئة داخل الملتقيات، وحصرية استعمارهم لها وتحكمهم في توجهاتها، كما أن التأهيل الأدبي أو الأكاديمي لا يعوض عن غياب التخطيط الثقافي، وخاصة أن كتّاب ونقاد النص الأدبي لدينا لم يتعودوا على ممارسة أي دور يتعلّق بمعطيات وآليات التخطيط الثقافي على المستوى المهني.

كما أن هناك جانبا آخر فيما يتعلّق بالتوجه النقدي للملتقيات بمشتقاته وهو عدم قدرة كاتب وناقد النص الأدبي كمتحكمين في تحريك الملتقيات، على التخطيط الثقافي خارج إطار النقد الأدبي، وذلكم نتيجة فقدان شمولية الرؤية الثقافية لهما، فكاتب وناقد النص الأدبيين لدينا - بعضهم وخاصة من يتحكمون في الأندية الأدبية - لم يصلا بعد لمرتبة المثقف أي (صانع الرؤية والمشروع الثقافيين) وهي صناعة تشترط (الاستشرافية والاستباقية) بمتطلباتها ومكتسباتها، وتلك الصناعة هي ما تحتاجها الملتقيات حتى تقوم بدورها كمرشد للإصلاح الثقافي.

وتلك الهيمنة الفئوية على الملتقيات موظفة لتحقيق قصد متعمد من حراس الخطاب الثقافي الرسمي بما فيهم القائمين على الأندية، لإغراق المشهد الثقافي بالملتقيات النقدية لتعطيل نظرية الإصلاح الثقافي المرتبطة بمظاهر المجتمع المدني.

وهكذا يصبح تعطيل نظرية الإصلاح الثقافي وتسطيح القائمين على القنوات الثقافية عبر اختيارهم المقصود، كونهم مجرد أدوات تنفيذ للمشهد الثقافي، وبث الفوضى في المشهد الثقافي من خلال تغيب التخطيط الثقافي العام، وتسذيج العمل الثقافي من خلال حبسه داخل شكل النقد الأدبي، هي الفائدة المحصولة من إغراق السوق الثقافية السعودية بمنتج ثقافي باهت وسطحي كالملتقيات النقدية التي تسهم في التنويم المغناطيسي لمن يملك (صناعة رؤية ومشروع ثقافيين إصلاحيين).

دائما مشكلتنا الأساسية في الثقافة السعودية التي تنتج فيما بعد أزمة الفساد الثقافي هي غياب (التخطيط الثقافي) ومسؤولية هذا الغياب تتحملها وزارة الثقافة والإعلام التي لا تفرق بين (الفوضى الثقافية) و(الحرية الثقافية) ودائمة التعامل مع المشهد الثقافي وقضاياه كالبائع المتجول، وهو ما يعني أنها لا تملك منهجا ولا مقررا تصمم من خلاله (استراتيجية ثقافية) تتحرك في ضوئه أنشطة المشهد الثقافي برؤى مختلفة محققة نوعا من التكاملية بين تلك الأنشطة، ولذلك تتسع دائرة الاجتهاد الثقافي للقائمين على الأنشطة الثقافية في غياب التخطيط الثقافي العام، حتى يصبح ذلك الاجتهاد في ذاته مشكلة قد تؤدي إلى فوضى وفساد ثقافيين، وهدر للمال الثقافي العام، خاصة وأن ذلك الاجتهاد صادر من أفراد لا يملكون رؤية ثقافية استباقية، أو قدرة على التخطيط الثقافي الفرعي.

وعندما أقول إن وزارة الثقافة والإعلام يجب أن تكون مسؤولة عن تصميم الاستراتيجية الثقافية العامة، فهذا لا يعني أنني أؤيد حقها في الوصاية الثقافية على الأنشطة الثقافية، وإن كانت تمارس تلك الوصاية في كل الأحوال سواء في حضور تخطيط ثقافي تتبناه أو في غياب دورها التخطيطي، ولذلك فحضورها ضمن استراتيجية ثقافية تتبناها يضفي عليها قيمة تنويرية لم تتمكن حتى الآن من امتلاكها.

وهي استراتيجية تقوم على أهداف يتم تنفيذها من خلال الأنشطة الثقافية لتحقيق غاية كلية وهي (تأصيل الهوية الثقافية السعودية من خلال استدامة ثقافية معصّرنة) تخدم في المقام الأول تطوير العقل الجمعي المكلّف على الافتراض بقيادة التغيير العام للمجتمع، فالمنجز الثقافي على الاعتبار هو الذي يتولى مهمة (التمهيد) للتطور التغيير الاجتماعيين كحمولتين لنظرية الإصلاح الثقافي.

وتحقيق تلك الغاية لن يتم إلا عبر إعادة صياغة العلاقة بين الوزارة وبين القائمين على القنوات الثقافية، كمخطط ومنفذّ وهذه الرأسية لا تنفي قيمة الشراكة بينهما، وتفعيل تلك العلاقة يتم عبر اجتماع الوزارة مع القائمين على القنوات الثقافية لرسم خريطة للنشاط الثقافي الموسمي وفق أهداف وغاية الاستراتيجية العامة، من خلال طرح موضوع من الموضوعات التي تتضمنها أهداف الاستراتيجية الثقافية، والطلب من كل القائمين بتفعيل ذلك الموضوع ثقافيا من خلال رؤى مختلفة تكاملية، فمثلا الثقافة السعودية تعاني من فقر في مجال (أدب الطفل وفنونه) هذا موضوع يجب أن تتبناه الوزارة من خلال مضمونات أهداف الاستراتيجية الثقافية العامة، أو موضوع حوار الحضارات، أو موضوع أسباب غياب الشراكة الثقافية في المجتمع، وغيرها من الموضوعات التي تؤسس لنظرية الإصلاح الثقافي لدينا، على ألا يكون هناك سوى موضوع واحد خلال الموسم الثقافي، لتغطية جوانبه وتحليل آلياته، وتفعيل تلك الموضوعات تُوكله الوزارة إلى القنوات الثقافية وأنشطتها المختلفة بما فيها الملتقيات، والتخطيط الفرعي للموضوع أي تقسيمه إلى رؤى تتوزع على القنوات الثقافية التي تترأسها الأندية الأدبية، يعود إلى الأندية ذاتها مع مراعاة توفير التكاملية في توزيع الرؤى، ولذلك قلت إن العلاقة الرأسية بين الوزارة كمخطط والقنوات الثقافية كمنفذ لا تنفي قيمة الشراكة في الفعل الثقافي بينهما، وتتكرر العملية بمستوييها التخطيط العام والفرعي بداية كل موسم ثقافي مع تنوع في الموضوعات، والتنوع يجب أن يخضع للغاية الرئيسة وهي (تأصيل الهوية الثقافية السعودية من خلال استدامة ثقافية معصّرنة)، متضمنة أفكار الإصلاح الثقافي كونها روح التطوير والتغيير الاجتماعيين. لكن ما الذي يحدث في غياب التخطيط والاستراتيجية الثقافيتين الرسميتين؟ ما يحدث هو أن الجميع يلجأ إلى الاجتهاد الثقافي (لتعبئة) الأنشطة الثقافية وعلى رأسها الملتقيات، هذا (التعليب) الذي تمارسه الأندية الأدبية للملتقيات هو الذي يفقد قيمة الملتقى كمرشد للإصلاح الثقافي.

وليس من الضرورة أن يقدم كل ناد أدبي ملتقى سنويا، إذا لم يكن لديه إضافة نوعية تخدم نظرية الإصلاح الثقافي وآلياته، ممكن أن يقدم ملتقى كل سنتين أو ثلاث سنوات، وهي فترة توقف يستطيع من خلالها استثمار الميزانية المهدورة على الملتقى في تطوير دوره الثقافي وتقديم مشروع يخدم فكرة الإصلاح الثقافي والشراكة الثقافية والمثقف الناشئ وقضاياه.

ومسألة أخرى أحسبها تعوق تحقيق نظرية الإصلاح الثقافي من خلال الملتقيات وجميع الأنشطة الثقافية التي تتبناها الأندية الأدبية، وهي مسألة (وظيفة الأندية) هل الأندية قنوات ثقافية بالمفهوم الشمولي للثقافة، أم أنها مجرد مجموع من الأنشطة الأدبية والنقدية لا غير؟.

فلو كانت قنوات ثقافية فالفعل الثقافي بشموليته من ظواهر ومنجزات وسلبيات وإيجابيات يدخل ضمن اختصاصها، وهي مُلزمة بإيجاد أنشطة لتنفيذ تطبيقاته، أما لو كانت مجموع من الأنشطة الأدبية والنقدية، فهذا يعني أننا في حاجة إلى مرافق ثقافية أخرى بجوار الأندية الأدبية تتبنى تطبيقات وأنشطة الفعل الثقافي، وخاصة أن أنشطة الأندية حتى الآن غير قادرة على قيادة حركة الإصلاح الثقافي، وهو ما يجب أن يدفع الوزارة إلى التفكير بصورة جدية في استبدال الأندية الأدبية (بمراكز ثقافية) تحقق شمولية للفعل والإصلاح الثقافيين.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة