Culture Magazine Monday  11/02/2008 G Issue 233
مداخلات
الأثنين 4 ,صفر 1429   العدد  233
 

حول موضوع: هل استفدنا من المثقف العربي الوافد
المثقفون ليسوا (مرتزقة) وتسمية (العمالة الثقافية) لا تليق بالمبدعين
عبد الله السمطي

 

 

في الحياة الثقافية لا يصح إلا الصحيح، هكذا تعلمنا التجارب والمواقف الثقافية على امتداد التاريخ الثقافي العربي، فهذا التاريخ لا يحتفظ في سرداته وذاكرته إلا بالمبدعين، والموهوبين، مهما تطاول الموهومون، وتسامى أصحاب الحظوة الثقافية. فالثقافة والإبداع لا تحيا ولا تتجلى وتمتلك ديمومتها بالوصول إلى منصب، أو بتصدر الواجهات الإعلامية، أو بالانتشار، فهذه الأمور أمور وقتية مؤقتة، وهذا لا يعني أن المبدعين المتميزين لا يصلون إلى المجد والشهرة، فهذا حق طبيعي لهم، لكن الانتشار لا يعني التوهج الإبداعي فهما ليسا قرينين بالضرورة.

أقرر ذلك بعد قراءتي لمقالة الأستاذة سهام القحطاني المثيرة للاهتمام والتساؤل: (هل استفدنا ثقافيا من المثقف العربي الوافد؟) المنشورة بالعدد (231) من الثقافية (28 يناير 2008م) وإنني - كقارئ على الأقل - أحترم وجهة نظر الكاتبة التي أتابع مقالاتها التي تتسم بالجرأة والجدة معاً، وبطرافة الطرح النقدي وقشابته مما لا نجده إلا لدى أعداد نادرة من الكاتبات، فالكاتبة - بحق - تتفوق على ما تطرحه كثير من الكاتبات والكتاب أيضا، فسهام القحطاني تنهض بجهد تنويري خلاق، وتثير أسئلة شائكة على المستويات الفكرية، والثقافية، والاجتماعية.

في هذه المقالة ركزت الكاتبة على عدة نقاط على قدر من الأهمية، يتسنى لنا إيجازها في التالي:

- الثقافة السعودية غير قابلة للشراكة مع ثقافات عربية أخرى، وتفتقد ميزة المرونة على مستوى تجربة التبادل والخبرة مع الثقافة الغيرية.

- هناك ثلاثة مستويات في الثقافة السعودية: التجربة الثقافية الرسمية، تجربة المثقف الخاصة، التجربة الاجتماعية الشعبية.

- المثقف (الوافد) لم يكن لديه أي استعداد للتأثير في الثقافة السعودية أو الإضافة إليها لعدم رغبته في الدخول في الصراع مع ما يعتبره المجتمع مسلمات غير قابلة للاستقبال والتغيير.

- هناك نظرة دونية من قبل (العمالة الثقافية) هي التي وقفت أمام تأثير المثقف الوافد في الثقافة السعودية.

- توجد عقدة لدى المثقف الوافد تتمثل في الغربة، وانتقامه من مكان الغربة، كما أنه يتسم بالفوقية.

- الثقافة المستوردة أثرت في النموذج الأدبي في الثقافة السعودية، ولم يؤثر المثقف الوافد.

- لا نستطيع أن نغفل أهمية النفعية المادية مقابل اشتراك المثقف الوافد في المشهد الثقافي السعودي.

- الصراع مع الحداثة كشف سلبية الموقف الثقافي للمثقف الوافد الذي وقف مشاهدا لذلك الصراع باعتباره أزمة ثقافية محلية.

هذه هي مجمل النقاط التي دارت حولها مقالة سهام القحطاني، وباعتباري - إذا جاز ذلك - مثقفاً وافداً، كما تحب أن تسمينا الأدبيات السعودية (مع أنني لم أطلب هذه الوفادة) فإنني أتفق مع الكاتبة في بعض ما طرحته، وأختلف جذرياً في بعضه الآخر، وعلى الرغم من قسوة بعض التعبيرات الواردة في المقالة (عمالة ثقافية) (نفعية) و(مرتزقة) فإنني أتلمس العذر للكاتبة التي تريد أن تثير شيئاً جديداً، ومهما يتعلق بالدور الثقافي للمثقف العربي الذي يعمل بالمملكة العربية السعودية.

2- إن المهمة الجوهرية التي يحضر بها المثقف العربي - في تصوري - تتمثل في أمرين: تنفيذ الأعمال التي تطلب منه بموجب عقد العمل، كل في مجاله، والحفاظ على مستواه ومتابعته الأدبية أو الثقافية إذا كان ممن يهتمون بالحياة الثقافية وبالواقع الأدبي، طبعا هناك أكاديميون أو بالأحرى: (مدرسو أدب) ينتشرون في الجامعات السعودية، وتنهض مهمة هؤلاء في تدريس المادة الأدبية من بلاغة أو شعر أو نقد أو قصة، ولا تستدعي مهمتهم بالضرورة المشاركة في صخب الحياة الثقافية، وإن شارك بعضهم في هذا الصخب فمن أجل هدفين؛ الأول: (الحصول على المكافأة المادية مقابل نشر مقالاته أو أبحاثه) وهذا أمر مشروع لأنه يحصل على الأمر نفسه في بلده، وإن كان بنسبة أقل، والثاني: (الحضور الثقافي والمشاركة في المشهد الثقافي)، وتتفاوت أولوية الهدفين تبعا لطبيعة هذا المثقف أو ذاك. وقد ذكر لي أحد المثقفين إنه جاء إلى المملكة من أجل أن (يحقق أكبر رقم في أقل فترة زمنية) وقد يكون هذا المبدأ شائعاً لدى البعض، لكن أعتقد أن البعد الأخلاقي هو ما يتحكم في التحليل الأخير في هذا المبدأ.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإنني أتفق مع الكاتبة في أن أغلب أساتذة الجامعات الوافدين من التيار المحافظ، وهذا صحيح لاعتبارين: أن اللجان التي تذهب للتعاقد مع أساتذة الجامعات العربية تختار الأساتذة المحافظين جدا ممن ليس لهم إسهام كبير في ثقافاتهم الوطنية، أو في المشاركة في تحولاتها الإبداعية والثقافية، والاعتبار الثاني أن هؤلاء المثقفين (الوافدين) - بتعبير الكاتبة - يؤثرون السلامة محافظة على الوظيفية الأكاديمية، حتى في بحوثهم وكتاباتهم التي يقصدون بها الترقي، وهي بحوث تقليدية، مستنسخة مكررة لا تضيف جديدا إلا على مستوى الأكاديمية المحاصرة، المغلقة، الناعسة على مفاهيم ثقافية عتيقة.

كما أنني أتضامن مع الكاتبة حين تقرر أن (الكثير من الدراسات النقدية التي قدمت في تاريخ الأدب السعودي وتحليله فنياً على يد بعض المثقفين العرب غلبت عليها المجاملة مما أضر بمصداقية تلك الدراسات) وقد قرأت دراسات كثيرة اتشحت بالمنهجية لكن تقييمها العلمي في التحليل الأخير يكشف عن وقوعها في أخطاء موضوعية كثيرة، فالشنطي مثلاً وهو من أهم من تناولوا الأدب السعودي كان يشبه قصص الأستاذ فهد العتيق وهو كاتب مبدع بقصص كافكا وماركيز، وكان المرحوم أحمد كمال زكي يشبه قصائد سعد الحميدين وهو شاعر مبدع أيضاً بقصائد أدونيس، وهناك عشرات من الدراسات المجاملة التي كتبت على يد المثقفين العرب لم يقصد منها وجه الإبداع، والحقيقة الثقافية، والأمثلة كثيرة وسأعود لطرحها في مقام آخر.

وفي المقابل فإن أغلب الدراسات التي كتبها نقاد سعوديون سواء كانت أكاديمية أو غير أكاديمية تنطوي على آراء نقدية أقل ما يقال عنها أنها غير صادقة وغير موضوعية، ثم إن جل هذه الدراسات يركز على قراءة الظاهرة المضمونية لا الفنية.

3- إن السؤال الذي ذكرته الكاتبة عن عدم استعداد المثقف الوافد للتأثير في الثقافة السعودية، عليه أن يقف أولا عند جملة من المفاهيم المبدئية التي تتأسس عليها طبيعة ونوعية الثقافة السعودية.. حقيقة الأمر أن الثقافة السعودية - على الأغلب - لا تقبل الآخر سواء كان عربيا أم غربيا، أتحدث بشفافية: ثمة هواجس وشكوك، ثمة خوف من المصارحة، وخوف وغضب من النقد، وقد حدث ذلك معي كثيرا على المستوى الشخصي، حينما نقدت بعض الشعراء والكتاب والقاصين والروائيين، فكانت الاتهامات: (هذا الرجل وجد سوقا خالية، ناقد شنطة، عملة نقدية رديئة، صحفي، ناقد انطباعي، صغير تتلمذ فكريا على ما ينتج هنا... إلخ) (وهذه الاتهامات صكها عبدالله الفيفي، وسعود السويداء، وعبدالله السميح، ومعجب الزهراني وآخرون) هذا فضلا عن الخصومات التي حدثت على مستوى العلاقات الشخصية، وقصائد الهجاء التي كتبت في شخصي البسيط.

فكيف يمكن للمثقف (الوافد) أن يمارس دوره في ظل اتهامات كهذه وقد نقلت أبسطها؟

بالنسبة لي حاولت أن أكون مختلفاً، حتى لا أسير في ركب المجاملين، لكن كانت هذه هي النتيجة.

طبعا هذا لا يحدث - حتى لا أعمم - من قبل زملاء وأدباء وكتاب سعوديين أكن لهم كل احترام وتقدير حتى مع اختلاف الرؤية والتوجه، هم إخوة وأحباء، وأصدقاء من أجيال متعددة.

إنني أعجب من أن الكاتبة تسمي المثقفين العرب ب(العمالة الثقافية) فهذه تسمية مجحفة بحقنا وحق المثقفين العرب الذين جاءوا ليفيدوا، ويقوم منهم من يعمل بالجامعة بالإشراف على عشرات الرسائل الجامعية، ويقدم تجربته الأكاديمية فتدريس الأدب والثقافة، لكن أغلب هؤلاء الأكاديميين لا يعطى الفرصة كاملة للإبداع الثقافي، والمشاركة بفعالية في المشهد الثقافي بسبب نظام الكفالة أولا، وبسبب طبيعة المجتمع السعودي نفسه الذي لا يتقبل التغيير بسهولة، فضلا عن أن المفاهيم الثقافية في المملكة ما زالت أسيرة التقليد والمحافظة، بمعنى أن ما يتم طرحه ومناقشته في الثقافات العربية الأخرى، أتحدث عن المصرية - تمثيلا - يختلف تماما عما يطرح هنا، بسبب من مجاوزة هذه الثقافة لكثير مما يطرح، على مستوى الخطاب الأدبي، والنقدي، والشعري، والسردي. أعني أن الثقافة السعودية، ثقافة فتية، ما زالت تتلمس خطواتها بحذر صوب مفاهيم ما بعد الحداثة، والمسألة ليست مجرد شكل، بل هي ما بعد حداثة نوعية في الرؤية والتفكير والقراءة تتعزز بحضور مختلف أنماط الثقافة القولية والبصرية والسينمائية والمسرحية والعلمية والفنية.

من هنا يحدث للمثقف (الوافد أو المنتدب للعمل) نوعا من الاغتراب المنهجي والمصطلحي إذ إنه يجد نفسه محاصرا بقضايا ثقافية انتهت منذ زمن بعيد في بلده، وهذا يمثل مأزقا فكريا كبيرا بالنسبة له، يجعله في صراع بين متطلبات العمل، وبين رؤيته الثقافية المتقدمة، بين الوظيفة والعائلة وبين قناعاته الثقافية.

4- أتصور أن هناك مغالطات مفاهيمية جلية في مقالة الأستاذة سهام القحطاني، فإن أصف مثقفا أو مجموعة من المثقفين بأنهم: (مرتزقة) فهذا أمر معيب في حق المثقف العربي بوجه عام، يمكن أن نصف أعمالهم بالسلبية أو بالرداءة لكن لا يمكن أن أصف مثلا: صالح الشنطي، أو أحمد كمال زكي، أو فاطمة موسى، أو شاكر النابلسي، أو عادل ضرغام أو أيمن بكر أو خالد الأنشاصي على سبيل المثال بأنهم (مرتزقة) فقد أفاد هؤلاء الأدب والثقافة السعودية بشكل كبير، بالمقالات والقراءات والدراسات، كما أن مسألة التأثير في المشهد الثقافي السعودي بارزة جلية، وهي تحتاج إلى قراءة خاصة في المجالات الإبداعية المختلفة لبيان ذلك التأثير. إن المثقف المرتزق لا يصنع ثقافة، ولا يطور إبداعاً.

وبالنسبة لما ذكرته الكاتبة عن خشية المثقف العربي من الدخول في صراع الحداثة واللا حداثة فإن المثقف السعودي نفسه كان يخشى هذه المواجهة، فما البال بمثقف يأتي وهو مهدد بنظام الكفالة، ومحاط بواقع لا يقبل التغيير بسهولة.

إننا نعيش في مشهد ثقافي أصبح ثريا بإصداراته المتنوعة شعرا ونثرا، وفي حياة ثقافية تتسم بزخم المنابر الثقافية وتنوعها، من صحف، وأندية أدبية وثقافية، وكل ما نحتاجه - أتكلم عن نفسي على الأقل - هو ما يحتاجه المثقف السعودي التنويري نفسه، من حراك، وتغيير، وتطوير.

إنني أعتقد أن ما طرحته الكاتبة لامس بعض الجوانب، لكنها تجنت كثيرا على المثقف السعودي والعربي بوجه عام، مثقف ما تزال تطارده الرقابة فيما يكتب، ويفكر، ويبوح، وهي لا تقف عند حدود الأحبار والأقلام والأوراق، بل عند حدود الأحلام في النوم واليقظة والخيال الطليق.

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة