Culture Magazine Monday  11/02/2008 G Issue 233
نصوص
الأثنين 4 ,صفر 1429   العدد  233
 
ورطة
وفاء العمير

 

 

الدنيا لم تنته بعد. قالها متوتراً. كانت أعصابه قد انضغطت وهو يقف في مواجهة ابن عمه فيصل. كان فيصل قد عاد من عمله في شركة الاتصالات عند الساعة الثانية ظهراً جائعاً، ومتعباً، وبحاجة إلى وجبة غداء دسمة يستغرق بعدها في النوم، لكن المفاجأة كانت بانتظاره عندما فتح باب مدخل الفيلا الجديدة المستأجرة في حي النزهة، ووجد زوجته هيا المعلمة بنظام التعاقد تقف واضعة يدها على خصرها، وثوبها مشدود بين أصابع طفلهما البالغ من العمر ثلاث سنوات.

قالت له بصوت عال: اذهب إلى ابن عمك، واجلب مالنا منه. وعندما سألها: ما الذي حدث؟ قالت له:

إن المؤجر كان هنا، وقد حادثها من وراء الباب، وهدد بأنه سيرمي بهم في الخارج إذا لم يدفعوا الإيجار.

كان مبلغ إيجار هذه الفيلا خمسين ألف ريال في السنة. راتب زوجته أربعة آلاف، وهو لا يتجاوز راتبه السبعة آلاف. كان تجهيز المبلغ للمؤجر سيكون سهلاً لو أن زوجته كانت تساعده ولو بجزء من راتبها، لكنها كانت تأخذ بمشورة أمها التي تردد عليها دوماً أن عليها الاحتفاظ بمالها، وأن زوجها يمكن أن يتدبر شؤونه بنفسه. وقد نبهتها إلى أنه يمكن أن يأخذ نقودها ويتزوج عليها.

كان فيصل بدوره لا يبقى المال في جيبه فقد كان يطير بين الولائم التي يقيمها لأصدقائه في الاستراحة، ومصاريف البيت التي لا تنتهي، وهواية الزوجة بتغيير الأثاث كل ستة أشهر.

خرج من الباب الذي دخل منه مسرعاً إلى ابن عمه، كي يسترد منه قيمة الشيك أبو عشرة آلاف الذي أعطاه له من خمسة أشهر، وقال في نفسه حصاة تسند الزير لكن ابن عمه قال له: ليس لدي المبلغ الآن.

ضاقت الدنيا في عيني فيصل، وشعر بالحرارة الشديدة تكاد تخرج من أصابع يديه كان على وشك أن ينفجر.. الجوع يضرب معدته، والألم يدق رأسه كما لو كان مطرقة. نظر حوله، وبدا كالعاجز، لم يعرف ما الذي يتوجب عليه فعله. وظن أن ابن عمه يكذب عليه، وأنه لا يريد أن يرد عليه ماله. فهجم عليه، وألقاه أرضاً. كانت مفاجأة لابن العم لم يتوقعها على الإطلاق، لهذا فلم تكن ردة فعله سريعة، ولم يعرف كيف يدافع عن نفسه سوى بالصراخ، وبمحاولة تخفيف ضغط ذراع فيصل على رقبته.

هرعت زوجته وأبناؤه الثلاثة الصغار على أثر سماعهم صوت الصراخ الذي تحول بعد ذلك إلى حشرجة، وحاولت الزوجة أن تبعد فيصل عنه. كان الصغار يبكون، ولدان وبنت واحدة. أكبر واحد فيهم عمره أربع سنوات.

كانت الزوجة تضربه بقبضة يديها، وتغرز أصابعها في رقبته، وتهدد أن تتصل بالشرطة. كان الغضب قد أعمى فيصل. كان يرى نفسه مع عائلته الصغيرة وقد ألقي بهم في الشارع، يدورون بين أقاربهم يبحثون عن بيت يلمهم.

بعد دقائق كأنها الدهر، والرجل ينازع بين يديه، والمرأة تولول، وتحاول جاهدة أن تدفعه عن زوجها، لكن بلا جدوى، فقد كان يحكم الخناق حوله، حتى شعر فجأة بيديه تتراخيان، وبجسده الذي اشتعل بنار الغضب يهمد، وكأن ماء بارداً قد سكب عليه، وكأنما قد زالت الغمامة السوداء عن عينيه، وأبصر نفسه يكاد يقضي على ابن عمه، فنهض عنه وكأن عقرباً لسعته، ونظر إلى الصغار وهم يبكون، والزوجة وقد كادت أن تسقط على الأرض مغشياً عليها، فلعن الشيطان، وغادر المكان تاركاً ابن عمه ممدداً على الأرض يلتقط أنفاسه.

كان جالساً في البيت يتناقش مع زوجته فيما عساهما أن يفعلا في هذه الورطة، حينما قالت زوجته فجأة واللهفة تسابقها، وكأنها عثرت على كنز ضائع: سأطلب من المعلمات في المدرسة التي أعمل فيها أن يجمعن مبلغاً من المال صدقة لعائلة محتاجة. وأنا هنا لا أكذب لأنها تلك العائلة. استغرب فيصل هذه الفكرة، لكن كان عليه أن يرضخ لها، فما باليد حيلة، وتساءل في قرارة نفسه إذا ما كان هذا أولى الخطوات نحو مد اليد للآخرين أم لا؟


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة