Culture Magazine Monday  13/10/2008 G Issue 256
فضاءات
الأثنين 14 ,شوال 1429   العدد  256
 

دعم الثقافة العربية
قاسم حول

 

 

يحرك صندوق دعم الثقافة العربية الكائن في الدولة السويسرية واقعاً ثقافياً عربياً ساكناً يتمثّل في حلم الأفراد على الإنجاز الثقافي غير المكلف اقتصادياً. فمسرحية في حلم مسرحي في أية بقعة من بقاع هذا العالم الناطق بالعربية قد يبلغ حد المستحيل في إنجازه أولاً في مرحلة التمرين وتوفير مردود مهما كان رمزياً لأدوات تنفيذها من الممثلين وفنيي الضوء ومصممي المناظر وبعد ذلك ولأن المسرح في بعض بلدان المنطقة غير مرغوب فيه أو هو خاضع لعين الرقيب القاسية فإن هذا الدعم يتيح للمسرحي الحالم، السفر باتجاه مهرجانات المسرح العربية لتقديم عروضه أمام عدد من المشاهدين والنقاد بعيداً عن وطنه ورقابة وطنه، ويتيح فرصة لحديث الصحافة ومناقشة النص المكتوب والمرئي. كما قد يتيح هذا الصندوق الكائن في الدولة السويسرية حلم سينمائي في توفير معدات تصوير فيلم سينمائي قد لا يتعدى الدقائق ولكن مضمونه وشكله الفني قد يرتقي ويفوق أفلاماً روائية طويلة تتنافس في مهرجانات السينما. وقد يقوده هذا الصندوق مستقبلاً إلى تلك الأفلام وإلى تلك المهرجانات. وقد يقود هذا الصندوق مؤلف لديه عدد من الأعمال الروائية والقصصية لا يملك رصيداً من المال أو الشهرة يساعدانه في طبع مؤلفاته فيقوده هذا الصندوق لتحقيق حلمه مع إحدى دور النشر. ولكن غياب هذا الصندوق يترك كل هذه الأحلام تموت في المهد.

لكن تطوير هذا الصندوق سوف يتعدى تحقيق الأحلام الصغيرة ويتجاوز تلك الأحلام نحو واقع ثقافي شامل وحقيقي قابل للإنجاز لو تمكن من أن يصبح نهجاً راسخاً وقادراً على تمويل المشاريع الثقافية. ولعلها فرصة عربية للأثرياء من محبي الثقافة أن ينتموا كداعمين لصندوق دعم الثقافة العربية. فالذي يقرأ برنامج الصندوق وآلية العمل فيه يجد مستوى عصرياً من شروط التعامل مع الأدوات الثقافية، ومكتوب بلغات متعددة والعربية منها بطبيعة الحال.

يثير مؤسسو الصندوق بعض المخاوف في مشروعهم فيأتي نداءهم مرفقا ببعض الشكوك الطبيعية التي كثيراً ما تثار أو حتى يساء فهمها. ونبقى دائماً في حيرة. ففي جانب نرفض إنتاج الدولة للثقافة وعزوف الدولة عن مبدأ الدعم. وفي جانب ندين المؤسسات الثقافية ذات الطابع التجاري الذي بدونه لا يمكنها تمويل المشاريع الثقافية مرئية كانت أو مسموعة أو مقروءة. وفي جانب ثالث تتقدم الشكوك نوايا الدعم وهو دعم غير مشروط على الأقل فيما هو مدون في بيانات صناديق الدعم.

هناك صناديق متنوّعة في العالم لدعم الثقافة والجهات الممولة لهذه الصناديق تشترط عدم التعرض للأديان والعرق ورفض مشاريع ثقافية ذات طابع عنصري وأحياناً ترد عبارة عدم معاداة السامية. وهذه عناوين يمكن وضع قائمة طويلة تحتها. وهذه الشروط لا تظهر للواجهة ولا تدون في بيانات التأسيس. لكن المهم هو الإنتاج الثقافي وهوامش تحقيق نتاجات ثقافية بعيداً عن مناقشة موضوعات عالقة هي في طريقها للحل، الزمن الإنساني كفيل بتجاوزها، لكن زمن الثقافة غير مرهون بمراحل الخلاف لأن الرؤية الواعية للواقع كفيلة بتحقيق أشكال فنية وأفكار تسمو على مثل تلك الصراعات التي كبلت الثقافة حقبة من الزمن وكلفت المثقفين خسائر في الإنجاز وزجتهم في معترك السياسة ما أثر ذلك سلباً على المسيرة الثقافية. هذه الاعتبارات غير مدونة في الصندوق الجديد وهو أمر يدعو للتفاؤل حقاً. ولذلك فإن مخاوف مؤسسي الصندوق لا تكمن في الشروط السياسية وشروط الصراعات في المنطقة بقدر ما تكمن في عملية الصراع بين الدولة والإنتاج الثقافي الحر. جاء في نداء التأسيس (.. واليوم يدين قطاع الثقافة المستقل بالفضل وبقائه إلى مجموعة صغيرة من المانحين الدوليين أمثال الوكالة السويدية للتنمية الدولية والوكالة الدانمركية للتنمية الدولية والوكالة النرويجية للتعادل من أجل التنمية ومؤسسة فورد ومؤسسة المجتمع المفتوح الحرة، حيث تدعم تلك الجهات المانحة الفنون إدراكاً منها للأهمية الاجتماعية السياسية لممارسة ثقافة مستقلة. ومع ذلك فإن الاعتماد على المصادر المالية الدولية يطرح الكثير من المشكلات أمام الفنانين والمنظمات العربية، إذ إن غالباً ما يتوجب على الجهات المتلقية للدعم أن تدفع عن نفسها ادعاءات تبنيها لأجندة أجنبية وميلها لإضفاء صورة غربية على الثقافة العربية. كما أن مستقبل هذه الموارد المالية يعد مثار تساؤل في ظل تراجع عام في تمويل الأنشطة الفنية ناهيك عن المناخ السياسي المضطرب في الشرق الأوسط).

إذاً فنحن أمام واقع مضطرب يأخذه الصندوق بنظر الاعتبار لأن هذا الواقع المضطرب يثير شكوكاً سياسية بالضرورة.

لو افترضنا بأن مؤسسات عربية تجارية أو اقتصادية في جغرافية الشرق الأوسط أصبحت هي صاحبة المبادرة في تأسيس صندوق دعم الثقافة لتوصلت إلى حل عقدة المخاوف (إضفاء صورة غربية على الثقافة العربية) فهذه المخاوف تنطوي على شيء من المشروعية. وقد ظهرت في الساحة الثقافية العربية بروق وامضة متطرفة ومست في تطرفها قيم الدين ودارت حولها شكوك التمويل والهدف. كما سادت الوسط السينمائي العربي مسحة المشاهد العارية للفتاة العربية في الأفلام المدعومة غربياً. دائماً هناك فتاة عربية مسلمة من عائلة محافظة تقع في علاقة عاطفية مع زائر غير عربي غير مسلم ومطلوب منها (سينمائياً) أن تبحث عن (حريتها) والحرية هنا تعني حرية الجسد فتقيم علاقة كاملة مع هذا الزائر الغريب فيشكل هذا المشهد جواز سفر ومرور للعالمية في المهرجانات السينمائية. لهذا النوع من الدعم أهداف مستقبلية خطيرة وواضحة في خطورتها. وقد تعرضت هذه الأفلام لكتابات نقدية كثيرة تعرضت لأهدافها المبيتة. ومن المؤكد أن تلك الأفلام لم تعرض على الشاشة العربية بسبب العلاقة الكاملة مع الجسد، بل كانت تمثّل سفيراً سرياً ومزيفاً للواقع العربي والإسلامي.

ثمة صندوق داعم من نوع مختلف. وهو يقود إلى منح المبدعين العرب فرص الإنتاج وتقديم الدعم لهذا الإنتاج دون غيره أو ذاك دون غيره يعني الكثير. ولكن..

لو عملت المؤسسات العربية على دعم الثقافة العربية في تأسيس صندوق داعم لها لتجاوزت طرقاً غير تلك الطرق المحفوفة بالمخاطر والتي تضطر بعض الكتاب والسينمائيين والمسرحيين لكي يحصلوا على فرص الإنتاج على حساب قيمهم التأريخية والإرثية.

من هنا تأتي أهمية هذا الصندوق الجديد والذي لم يضع شروطاً تتقاطع والقيم العربية والإسلامية. وعموماً فإن كل الصناديق لا تضع صراحة مثل هذه الشروط، ولكن العناية والانحياز لنوع معين من الأدب ولون معين من السيناريوهات يؤكد رغبة الشروط غير المدونة.

إن تجربة العام الأول من الدعم تؤكد نظافة هذا الصندوق وموضوعيته مع محدودية الدعم بسبب محدودية الداعمين. ووجود صناديق داعمة عربية وإسلامية لا شك تساعد في عدم تجاوز القيم وهو بحد ذاته يوقع المبدع بالسطحية لأنه في مثل هذه الحالة يؤدي نتاجاً مستنداً على شرط صريح أو ضمني أو هو بإنتاجه يغازل رغبة يفترضها بالجهة الداعمة. لذلك فإن مشاركة البلدان العربية تحقق مسألتين جوهريتين في استقلالية الثقافة وحرية التعبير.

الأولى، يشكل الصندوق الداعم بديلاً عن دعم الدولة إلا في حال قدمت الدولة دعماً غير مشروط للصندوق.

الثانية، تحول دون التوجه التجاري في الأعمال الأدبية والفنية وتعزّز وجود ثقافة تكشف الواقع الموضوعي بعين واعية ليس فيها أي توجه ربحي سوى ربح الإبداع وربح التلقي.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«7591»ثم أرسلها إلى الكود 82244

هولندا sununu@wanadoo.nl


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة