Culture Magazine Monday  14/01/2008 G Issue 229
فضاءات
الأثنين 6 ,محرم 1429   العدد  229
 
ماذا لو كنت ستموت بعد ساعة؟!
أميرة القحطاني

 

 

في يوم الجمعة الموافق 4 - 1 - 2008م الساعة التاسعة مساء كنت وحدي ودون سبب وجيه داهمني هذا السؤال (ما هو الأمر المهم الذي سأحرص على فعله لو كنت سأموت بعد ساعة)؟!

وفجأة تغير كل شيء في داخلي.. أصبحت في تلك اللحظة هادئة وشفافة، زال توتري وتلاشت قسوتي، أصبحت إنسانه مسالمة إلى أبعد حد.

عندما عشت ذلك السؤال شعرت أن الدنيا وبكل ضجيجها وأضوائها لا تساوي شيئاً، وجدتها مجرد فراغ، شيء غير ملموس، رأيت وجوه الناس الذين أعرفهم (طّيبة) خصوصاً السيئين منهم، كلهم كانوا يبتسمون، كان الكون كله طيباً تلك اللحظة. ما أجمل أن تتصالح مع نفسك وتترك الجمل بما حمل، ما أجمل أن تعرف أنك بعد ساعة لن تحمل معك شيئاً من هذه البسيطة وأنك ستخرج منها عارياً كما دخلتها.

في تلك اللحظة الصافية ودون تفكير التقطت هاتفي وأرسلت مسجات لأشخاص أحمل في داخلي لهم بعض العتاب الذي تحول مع الوقت إلى قطيعة.. لم أفكر في ماذا سأقول لهم لو أجابوا عن تلك المسجات.. كانت في داخلي لهفة عليهم شعرت بها حين أدركت أني سأموت بعد تلك الساعة وتوقعت أن يستجاب لندائي العاجل، لكن الأمر طال وكنت أجد لهم بعض الأعذار، فهم لا يعلمون قيمة تلك الدقائق الثمينة بالنسبة لامرأة ستموت بعد قليل!..

أثناء هذا الانتظار أخذت أفكر في أمي، تساءلت: هل أغضبتها في الساعات الأخيرة؟ لا لم أغضبها.. هل طلبت مني شيئاً اليوم ولم أفعله؟ لا لم تطلب و... نعم طلبت مني وبإلحاح شرب عصير الجزر ورفضت ليس لأنني لا أريده بل لأنها كانت تعاملني كطفلة (ما أقسى قلبي).. حاولت تذكر عدد الساعات التي جمعتني بها في هذا اليوم الأخير.. أخذت أحسبها بالدقيقة فاكتشفت بأنني لم أجلس معها خلال الأربع والعشرين ساعة الأخيرة سوى (نصف ساعة)! يا الله كم أنا بخيلة -وكم أنا جاحدة لهذه المحبة و...... وتبقى من الوقت عشر دقائق لم يصلني رد على الهاتف بعد، وأمي ربما تكون قد نامت.. ماذا عساي سأفعل بهذه الدقائق العشر الأخيرة؟! أخرجت بعض صور أحبابي، تمعنتها جيداً، جمعت بعض أوراقي القديمة، أخرجت خاتم والدي رحمه الله.. خاتمه الذي كان يضعه في خنصره وكانت له معانٍ لا يعرفها سوى (الرجال).. بحثت عن نسخه من (فتنة) ولم أجدها، أخرجت المسودة التي كنت سأرمي بها في يوم من الأيام، وضعتها مع بقية الأغراض في ظرف كبير وكتبت عليه (ادفنوها معي)، حملت هاتفي في انتظار الردود وخرجت إلى الصالة، كانت هناك دقيقة!.. (الحمد لله) أمي لم تنم بعد، كانت تشاهد التلفزيون، التصقت بها وسألتها بحب: هل تبقى شيء من عصير الجزر؟!

بعد انتهاء تلك الساعة ظل ذلك الشعور ملازماً لي، لم أتمكن من النوم ربما لأنني كنت أرغب في إقناع نفسي بأن الآخرين بهم (خير) وبأنهم سوف يستفسرون عن ذلك المسج الذي لم أكن لأرسله لو لم تكن قد ألمت بي كارثة.

عند الثالثة والنصف صباحاً أيقنت أني لم أمت تلك الساعة وأني لن أموت مادامت كرامتي حية..

أقفلت هاتفي إلى الأبد أدرت له ظهري ولم أنم!

- دبي


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة