Culture Magazine Monday  14/04/2008 G Issue 243
عدد خاص
الأثنين 8 ,ربيع الثاني 1429   العدد  243
 

الشاعر والناقد
د. محمد بن عبدالله منور

 

 

عبدالعزيز المقالح شاعر وناقد وأديب، منحه الله طاقات وقدرات أدبية متعددة، كذلك هو أكاديمي وأستاذ جامعي قاد الجامعة اليمنية الأولى (جامعة صنعاء) لتحتل مكانة أكاديمية مرموقة، وصنع من كلية الآداب ومركز الأبحاث والدراسات اليمنية مصدر إشعاع علمي وثقافي قصده المبرزون من الأدباء والعلماء والمفكرون مما كان له أثره على الحركة الفكرية والأدبية والثقافية في اليمن.

فالمقالح كما هو مبرز في الشعر، هو كذلك ناقد أدبي مشهور أرسى بخطابه النقدي قيم ومفاهيم العمل الأدبي الجديد، كما جسد في قصائده قيم وجماليات القصيدة العربية الجديدة، وباتت مجهوداته الشعرية والنقدية تكون جانباً مهماً من التجربة الأدبية العربية الجديدة والمعاصرة. فالمقالح واحد ممن تطورت على أيديهم جماليات القصيدة العربية الجديدة من حيث الشكل والمضمون والرؤية الشعرية، فقد كرس في شعره قيماً فنية جديدة تجلت في اللغة الشعرية والمضمون الفكري واستلهامه للتراث العربي والإسلامي والإنساني وتوظيفه لذلك التراث توظيفاً فنياً جمالياً بجانب الإفادة من الموروث الشعبي والأسطوري بما يثري مضامين القصيدة ويعتبر عن القضايا الوطنية والقومية والإنسانية التي كانت تهمه وتقلقه في تجاربه الشعرية ويود التعبير عنها.

فهو كذلك يجسد في نقده قيم الجمال الفني والفكري بما يمثل من تجديد وحداثة وقدرة على النهوض بالواقع الأدبي العربي وتطويره ومن ثم إحداث رؤى تنويرية تحاول أن ترسم مسارات للنهضة العربية المعاصرة والسير بها نحو التحرر والبناء وتجاوز الواقع باتجاه التطور والرقي.

كذلك ناضل المقالح بشعره وأدبه في سبيل النهوض بأبناء وطنه والخروج بهم من ظلمة الجهل وقتامة الواقع والتمزق والتشقق الذي كان يعيشه اليمن قبل ثورته الحديثة ليعيش حراً موحداً سعيداً مثل أبناء عصره، فقد جسد في أدبه وشعره مظاهر الجهل والبؤس والشقاء والمعاناة ومآسي الاغتراب عن الوطن والأهل وتوجيه النقد الواعي والبناء لتلك المظاهر من خلال شعره وكتاباته الأدبية، وقصائده (لابد من صنعاء) و(مأرب يتكلم) (رسالة إلى سيف بن ذي يزن)، و(هو أمشن يمانية على تغريبة ابن زريق البغدادي) و(عودة وضاح اليمن) و(أشجان يمانية) وغيرها شواهد جلية ومعالم بارزة على معايشته لهموم أبناء وطنه وأمته ومعاناتهم وآمالهم وتطلعاتهم.

وعلى الرغم من همومه الوطنية على مستوى القطر اليمني إلا أنه لم يعش تجربته الأدبية في ذلك الإطار الجغرافي المحدود فحسب بل هو بجانب حبه وإخلاصه لأبناء مجتمعه ووطنه اليمن حمل في تجربته الأدبية هموم وقضايا أبناء أمته العربية من الخليج للمحيط، وكان ينطلق من خصوصيات المعاناة اليمنية إلى عموميات المعاناة العربية مثله مثل نزار قباني وأدونيس وصلاح عبدالصبور والبياتي وأمل دنقل وغازي القصيبي وسليمان العيسى وغيرهم من شعراء العروبة المعاصرين الذين حملوا هموم أوطانهم الخاصة وهموم الوطن العربي بعامة واستحقوا أن يمثلوا التجربة الأدبية العربية المعاصرة. فالمقالح بات شاعراً وناقداً أو أديباً عربياً اتسعت تجربة الإبداعية حتى حملت هموم وقضايا أمته العربية كافة. فإذا ذكر الأدباء العرب برز اسم المقالح وشخصه بجوار أدباء العروبة الذين اتسمت تجاربهم الأدبية بالشمول والعموم لهموم وقضايا الإنسان العربي المعاصر.

والمقالح واحد من الذين شكلوا وجسدوا سمات وملامح القصيدة العربية المعاصرة، وشاركوا في بناء معمارها الفني والجمالي والمضموني، كذلك جسد المقالح برؤاه النقدية ملامح الخطاب النقدي العربي المعاصر الذي تربى عليه الجيل النقدي العربي الجديد.

ولو كان هناك من مأخذ يمكن أن يؤخذ على شخصية عبدالعزيز المقالح الأدبية والإبداعية والنقدية فهو حجبه هو ورفيقاه عبدالله البردوني ومحمد محمود الزبيري لما سواهم من الجيل الأدبي اليمني، وذلك بسبب سطوع شموسهم الأدبية حتى غطت على كواكب الشعر والأدب في اليمن بحيث بات الناظر في الأدب اليمني المعاصر لا يرى فيه شخصية بارزة شامخة سوى قامات المقالح والزبيري والبردوني فينشغل بهم عمن سواهم من الطاقات الأدبية والشعرية والنقدية التي عاصرتهم أو جاءت بعدهم، ولا ذنب للمقالح ورفيقيه في ذلك الاختزال الأدبي لليمن في أشخاصهم بل هو ذنب الناظرين والباحثين في الأدب اليمني المعاصر الذي ينبهر بشخصية المقالح المبهرة فعلاً فيقف عندها طويلاً ويدع ما سواها من أدباء اليمن، فهل يجوز لنا القول بأنه من أجل إحياء الجيل الأدبي الذي جاء بعد المقالح أن نقتل في أنفسنا شخصية المقالح الأدبية حتى نتيح الفرصة لمن سواه من الجيل الأدبي اليمني الجديد بالبروز والظهور والحياة؟! لكن الأفضل من ذلك أن نعمل كباحثين ونقاد مثل ما يعمل المقالح نفسه مع الأدباء الشباب، فكما هو معروف عنه تشجيعه واحتفاؤه بالطاقات الأدبية داخل اليمن وخارجها من عموم الوطن العربي، فهو لا يفتأ في إبرازهم والدفع بهم نحو الأمام بالكتابة عنهم وتقديمهم والكشف عن طاقاتهم حتى ينصبهم قامات أدبية بجوار قامته التي ملأت زمانها ومكانها، فهو بحق أحد أبرز رموز الحداثة والتجديد الأدبي إن كان على مستوى الشعر أو كان على مستوى النقد، ليس في اليمن فحسب بل في عموم الوطن العربي.

الرياض munwer55@holmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة