Culture Magazine Monday  17/03/2008 G Issue 239
فضاءات
الأثنين 9 ,ربيع الاول 1429   العدد  239
 

كلمات
شيخ من الصحراء !!
محمد بن أحمد الشدي

 

 

ما زال في ذاكرة شريحة من الناس في الجزيرة العربية قصة شيخ قبيلة عُرف بالفروسية وحسم المعارك لصالحه وقومه حتى أصبحت قصصه على كل لسان، وأصبح له مجلس يُضرب به المثل، وإذا حج يتبعه آلاف الرجال، وأقام المساجد ودور العلم.

كان ذلك الشيخ الجليل يتمتع بالمناقب العظيمة التي يتحلى بها عادة شيوخ القبائل العربية، من إشاعة العدل والمساواة والحرية وجمع الشمل ورعاية الضعفاء، بل كان يتميز بنظرة عميقة إلى ضرورة الاستقرار والتعمير والبناء والاشتغال بالتجارة والزراعة في المنطقة التي كانت تقطنها القبيلة وهي منطقة اشتهرت بالخصوبة ووفرة المياه والرزق الوفير مما ساعده في إقامة حياة تحيط بها الرفاهية والعيش الرغيد.

- وامتثلت القبيلة إلى تلك النظرة الحضارية فازدهرت في عهد ذلك الشيخ ازدهاراً كبيراً، واجتذبت إليها عدداً من القبائل المحيطة والمتاخمة، وأصبحت قوة لا تجاريها أو تنافسها قوة أخرى.. هكذا تقول الروايات (المروية) عن تلك الأيام للشيخ سليمان المظلوم:

- وكان شيخ القبيلة قد عرف معنى الديمقراطية قبل أن يعرفها عالم اليوم، فقد اهتم بالنابهين من رجال القبيلة وقربهم إليه ولا سيما الفرسان الذين زاد عددهم عن أربعة آلاف فارس، فوزع عليهم المسؤوليات والواجبات وجعلهم رؤساء على أفخاذ القبيلة وفروعها وأسرها، واشتد في البذل والسخاء عليهم حتى افتقر أو كاد، واستمر على ذلك النهج حتى شاخ وتقدمت به السن قليلاً، وازدهرت القبيلة واتسعت مراعيها.

- وفي ليلة ليلاء فوجئ الشيخ بشلة مارقة من فرسان القبيلة يدخلون عليه ويطالبونه بالتنحي عن رئاسة القبيلة، لأنه لم يعد المؤهل الأقوى من ناحية الفروسية والمال، وأنهم أحق منه بقيادتها - قالها أصلفهم بكل قحة وجرأة على الحق بصوته الأجش وأخواله من القتلة يقفون خلفه- نظر إليهم ذلك الشيخ بحزن وألم، وقال: هذه ليست أخلاق الرجال الفرسان، وسوف تندمون على عملكم هذا أشد الندم، وستكون السبب في انهيار القبيلة وضعفها وشتاتها، أما أنا وأهلي فسنغادر غداً ونترككم للأطماع والصراع الذي سوف يعصف بكم عاجلاً غير آجل!

- خرج الشيخ بأهله وأتباعه متنكباً ديار أهله يملؤه الحزن والكمد، وانتهى في طوايا التجاهل والنسان بعد حياة حافلة بالخير والسؤدد والمجد. لقد مات بعد ثلاثة أشهر من خروجه من حياضه وموطنه، وقيل مات مسموماً، وتاه العديد من أبنائه في الآفاق وبقي له حفيد ظل يغرس ساقه في الصحراء يبحث عن ذاته. وعاد عدد آخر من أبنائه إلى موطنهم بعد تغيير أسمائهم.

واشتعل التنافس والصراع بعد رحيله بين أولئك الغادرين وكثر بينهم القتل والدماء حتى طمع بهم الآخرون وقضوا عليهم بالسيف والعدل وأصبحوا عبرة لمن يعتبر.

- أردت بهذه القصة الواقعية التنبيه إلى أن القبائل والدول القوية تبيد وتتلاشى عندما يدخل إلى جسدها فيروس الطمع والثراء والفساد والتهالك على المصالح الذاتية التي تؤدي إلى السقوط والنهايات البائسة.

- كما نقرأ في صفحات التاريخ وكما نشاهد مثل هذه الأحداث كل يوم وما تحمله لنا من عظات وفكر يجدر بنا أن نحرص على الاهتمام بها والبحث عن أسباب ما يحدث لهذه الأمم من حولنا في دنيانا الواسعة. إنها خطوات ونظرات دائماً أفكر فيها كل ما قرأت أو سمعت عن أمم سادت ثم بادت.

حفظ الله بلادنا وإخواننا من كل مكروه.

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5064» ثم أرسلها إلى الكود 82244

-الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة