Culture Magazine Monday  17/03/2008 G Issue 239
نصوص
الأثنين 9 ,ربيع الاول 1429   العدد  239
 

مطالعات
تركي الماضي في عمل قصصي جديد:
(سكيرينة) قصص البوابة الأولى لجدل سرديعبدالحفيظ الشمري

 

 

إشارة:

* سكيرينة (قصص)

* تركي إبراهيم الماضي

* الرياض (ط ) 2008م - 1429هـ

* تقع المجموعة في نحو ( 110 صفحات ) من القطع المتوسط

قصص (سُكيرينة) بوابة أولى لجدل سردي دائم يدلفها الكاتب، ليضع مفاتيح اللغة، والأحداث، والشخوص في ثغراتها المناسبة.. فالقاص تركي الماضي يؤسس عالمه القصي في هذه المجموعة الأولى على أبعاد بانورامية تراوح بين الخاص (همّه الذاتي) والعام (هموم العالم) من حوله، فهو وفق هذه الرؤى يعرض ما يشغله هو في وقت لا يلتقي الراوي بهموم من حوله إلا حينما تكون ذات أثر فاعل على تفاصيل حكايته على نحو قصة (كطعم السكر) حينما تقاطعت همومه الذاتية بهموم من حوله في المطار، ليغرق (الراوي - البطل) في رسم حالة الحب العابرة وكأنها بوابة أولى يدلف إليها - كما أشرنا - نحو جدل إنساني لا يفضي عادة إلا إلى حلول واقعية تمثلت في هذه اللحظات المستعادة لأطراف من قصة حب دخل فيها (عامل المحل)، و(الركاب) أمام بوابة المغادرة كعوالم عامة لا ينظر إليها الكاتب باعتبارها جزءاً من النص بقدر ما يسعى إلى توظيفها كإطار عام للأحداث.

في مجموعة (سكيرينة) انحياز واضح من قِبل الكاتب تركي الماضي إلى لغة حالمة شفيفة يدفع فيها الراوي نحو مسافة أرحب للبوح العاطفي على نحو قصة (مثل ظل يتلاشى)، فالراوي يقف على مسافة شاسعة من همّنا المعرفي حينما يستعين (البطل) وهو الكاتب الذي ينتظر هطول الفكرة بشاعر عربي يدوزن فيها عشقه الحالم للحياة على نحو ما يفتش عنه في ديوان (عمر أبو ريشة) ليستطرد في استنطاق رموزاً شعرية أخرى على نحو (بدر شاكر السياب) الذي يستحضره الراوي المتيم كجزء شارح لحقيقة ألم العاشق العربي الذي يبحث دائماً عن أي قشة يتعلق بها قبل أن يغرق في نهر الكلمات الهائجة.

في القصص رؤية تكرس مفهوم الذاتية التي تحجم العلاقة بين (البطل) وبقية الشخوص، وبين الراوي وحكايات إنسانية أخرى حيث نراه وقد حاول اختزالها على هيئة شاهد عابر كما في قصة (ملتفاً على وحدته) لنرى الصديق في القصة، وقد أضحى مجرد شبح عابر لم يحسن البطل التعايش معه حتى حُصرت الذات بمنغصات من (أنا).. فكانت مزيجاً بين الوحدة والحزن.

القاص الماضي يأخذ على ذاته من خلال هذه المجموعة مهمة البحث عن إجابة مقنعة لسؤال أزلي يسكن الوجدان.. لماذا نحب؟!.. في وقت يستشرف من خلال هوامشه السردية المتكئة على الحكاية فحوى أن يعثر على الإجابة لكن السرد يتعثر مرة أخرى في قصة (ممتداً بلا نهاية) فلم تكن كتابة النثر واردة كقاموس مقنع للبطل لنراه وقد هرع للشعر مرة أخرى وكان الحب خلق وقوداً للشعر، لنرى (الطالب) الجامعي وقد دوزن حياته العصيبة على أمرين هما (الحب) و(القصة) إلا أنه في الأولى يواجه الألم المعنوي، وفي التالية يبحث عن خروج مناسب من مأزقه الإنساني في قضية شاب يفترسه (الحب) فلا يجد غير الكتابة ملجأ.

في القصة التي حملت اسم المجموعة (سكيرينة) تتويج لحالة الفقد التي يعيشها الأبطال أو الشخوص الرئيسيون في قصص الماضي.

ففي القصة يدلف الكاتب من بوابة الأحداث على أرضية قوية مفعمة بروابط إنسانية فائقة الحضور.. فشارع الأعشى حيز مكاني مناسب جداً لقيام أحداث ما حول رحلة ذلك العمر الذي يتلمس التفاصيل بقلبه لا بعينيه - كما يشير الراوي البطل - فالمكان هو البطل الحقيقي لهذه القصة، حيث يشرع الراوي في تلمس كل شاردة وواردة في الحي القديم (سكيرينة).. ذلك المفعم برائحة الطين والطفولة والأسئلة الطازجة.. تلك التي تعيد للروح شجنها العميق.

فالبطل هنا كان جزءاً من الحي بمسجده، وبيوته وأزقته وأدوات العيش فيه، وكأننا أمام لوحة بانورامية نعبر منها إلى خصوصية المكان وجاذبيته لتعاضد الصور الثلاث في سرد هذه المشاهد تلك المتمثلة في (اللغة) و(الأحداث) و(الشخوص) ففي اللغة حديث شجي عن الماضي الذي يسكن قلب الماضي ووجدانه، وفي الأحداث استعادة لمواقف إنسانية ظلت عالقة في الذاكرة.. أما (الشخوص) فإنهم غادروا القصة والحي معاً فلم يبقَ لهم سوى هذا الخيط الرابط بين السرد وحياتهم في تلك الذكرى العابقة بعطر المكان الأول.

فهذه القصة قد تكون نواة لمشروع سردي أكبر يخرجها من كونها حكاية بسيطة وعابرة إلى هوامش روائية أرحب تحرك فيها الذاكرة خيالها إلا أن الشخوص وقد تبدلوا الآن ولم يعد ممكناً السرد إلا بمن يقطنون هذا الحي الآن عرباً أو عجماً.

****

لإبداء الرأي حول هذه المطالعة، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«5217»ثم أرسلها إلى الكود 82244

hrbda2000@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة