Culture Magazine Monday  17/11/2008 G Issue 261
أفق
الأثنين 19 ,ذو القعدة 1429   العدد  261
 

قصة قصيرة
رحلة
باشة مباركي

 

 

اكتظ المسافرون عند مدخل محطة النقل الجماعي، كانوا في زحام شديد، يحملون حقائبهم بأيديهم أو على أكتافهم.. النساء يجدن صعوبة في التحرك يقفن مع آبائهن أو أزواجهن، اتجهن إلى مدخل صغير حتى يحين موعد انطلاق الحافلة كان الحر شديدا مما جعل أطفالهن يتضايقون ويعبرون بالبكاء والصياح..

بعد ذلك بدأ التحرك إلى حافلة ومن بين النساء صعدت (ملاك) كان زوجها أمامها وهي خلفه، باب الحافلة عاليا وعند صعودها تعثرت قدمها اليمنى مما أبطأ مشيتها فما كان من زوجها إلا القيام بزجرها آمرا لها بسرعة التحرك وتفتيح العيون فخلفها عشرات المسافرين... تجهم وجهها قليلا وحبست أنفاسها ثم بمشقة وصعوبة صعدت للأعلى.. دون مساعدة منه.

جلست جانب النافذة في مكان بعيد عن الركاب بأمر من زوجها وهو جلس بجوارها كان بدينا قصير القامة يعاني من الربو يحمل بخاخا في أحد جيوبه.. توجد في معصم يده اليسرى ساعة دانهيل فضية اللون.

من المقرر سفرهم بالطائرة لزيارة أختها في الرياض لكن صعوبة الحجز جعل سفرهم بواسطة النقل أمراً لا مفر منه.. زوجها العسكري صارم أكسبته العسكرية صرامة وفظاظة فهو لم يصطحبها لأي مكان سوى اليوم..

بعد اكتمال العدد بدأت الرحلة في جو مليء بالغبار، ما وجد على جنبات الطريق لا يرى الأشجار المباني حتى الطريق نفسه..، بصعوبة توقفوا عند محطة محروقات هبط بعض المسافرين لشراء بعض الأشياء البسيطة ليس رغبة في ذلك بل للخروج من الصندوق المتحرك الذي يشبه السجن...

بعدها واصلوا الانطلاق..

بعد مرور النصف ساعة بدأ الركاب في الهدوء وانشغلوا إما بالقراءة في كتاب أو صحيفة أو أدعية أو أو الحديث بهدوء مع الركاب الآخرين...

مر الوقت رتيبا ليس هناك ما يبشر من انخفاض مستوى الأتربة.. أو محاولة لفتح نوافذ الحافلة لتجديد الهواء...

ما بين فترة وأخرى ترفع ملاك غطاء وجهها من ناحية عينيها لتشاهد ما تستطيع رؤيته من النافذة فلم تستطع بسبب شدة الرياح المصاحبة للأتربة..

أخذ الملل يتسرب إليها لا تدري ماذا تفعل؟

نظرت عن يسارها زوجها يغط في نوم عميق ورأسه يهتز مع اهتزاز الحافلة وجسمه البدين يملأ المقعد...

فتحت حقيبتها اليدوية ثم جالت بنظرها في محتوياتها حبوب بندول، كرت العائلة، فرشاة شعر صغيرة، لبان بنكهة القرفة، ووصفه طبية للصيدلية لشراء دواء منع الحمل، وتحت هذا الركام يستقر جوالها الجديد نوكيا إن 73 -دون علم زوجها- أصابها الرعب وأخفته، ثم أعادت إخراجه بعدما اطمأنت إلى نوم زوجها، نظرت في شكله البعيد عن تصورها فأغلب قوائمه لا تعرف عنها شيئا، سرح ذهنها وتذكرت تفاصيل وصوله إليها، أحضرته جارتها هدى داخل جيب داخلي لتنورة جنز ثقيلة حتى لا يلفت الانتباه.

نظرت للكاميرا أول مرة تراها في جوال، من بين محتويات القائمة لفت نظرها (توصيل) ضغطت عليها لتجد (خدمة البلوتوث) فتحتها ليظهر خياران (مشغل، متوقف) اختارت مشغل..

ثم عادت للقائمة لتجد اسم هاتفي اختارت اسم شهد.

سمعت بنحنحة زوجها فأخفته على عجل وقلبها يرتجف التفتت إليه لتجده قد عاد لشخيره مرة أخرى...

أخرجت الجوال من جديد وذهبت للأستديو لتشاهد الصور المختلفة، بالغلط ضغطت يسار لتظهر إرسال إما بالوسائط المتعددة أو البلوتوث، تذكرت (توصيل) واسم شهد، اختارت بلوتوث ليظهر (جار البحث عن أجهزة) امتلأت الصفحة بأسماء عديدة لا تعلم مصدرها (حاطب ليل، أسامي كلام، الدمعة الحائرة، ياسمينة، قلم عربي، نوكيا لي وحدي، عطر يشتاقك الأسماء في تزايد.... ماذا تفعل؟

جاءتها رسالة غريبة تحكي قصة (أرنب يعيش في حقل مع رفاقه وفي أحد الأيام خرج الأرنب عن الحقل وضل الطريق ولم يعرف كيف يرجع... في الطريق حدثت له قصة غريبة (......

إذا رغبت في معرفة مصير الأرنب اتصل على هذا الرقم (........

تفصد العرق من جبينها، العباءة السوداء زادتها اختناقا، وما لبثت أن وصلت رسالة أخرى (

شهد مدي يديك.... قلبي يسعك... أنا أمامك مباشرة (...

تلفتت عن يمينها لم ترَ أثرا لأحد. صاحب حكاية الأرنب يخترع قصصا وإن أرادت معرفة النهاية عليها بالاتصال. قامت بكتابة نهاية حكاية الأرنب في ورقة صغيرة ورمتها للأمام لتقع على رأس زوجها وقد بدّل مكانه دون شعور منها.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة