Culture Magazine Monday  17/11/2008 G Issue 261
فضاءات
الأثنين 19 ,ذو القعدة 1429   العدد  261
 
هل استغلت الرواية أنوثة المرأة السعودية؟
تحتاج المرأة إلى تأسيس قيمة معقلنة لجسدها
سهام القحطاني

 

 

عندما نتأمل أغلب النصوص السردية لدينا إن لم تكن كلها، سنلاحظ أنها تعكس أزمة (الرجل مع جسد المرأة (وأزمة) المرأة مع جسدها) في المجتمع السعودي من خلال رؤية كل منهما للآخر، وأحيانا أزمة الرجل السعودي مع مفهوم المرأة ودلالاته بصورة عامة.

في حين أن هذه الملاحظة تغيب عن (نص المرأة) وفقا لتجربة المرأة الكاتبة النفسية والاجتماعية، ولا أقصد بالتجربة الذاكرة الشخصية للمرأة الكاتبة، بل مجموع الإحالات الاجتماعية التي تستعين بها في تشكيل تجربتها الأدبية، إذ إن أنسنة المحكي لا تشكل تجربة أدبية معتمدة فنيا.

فالمحكي عبارة عن نظام كلامي، وليس نظاما سرديا، وهذا من أهم عيوب النص الكتابي لدى المرأة، أي عدم تفريقها بين النظام المحكي والنظام السردي، فالأول تتحكم فيه مجموعة من الارتباطات المتخليّة -خلية-، ومهما تشعبت تلك الارتباطات فلن تتجاوز التشكيل الخلويّ، كل جزء يتكرر بثلاثة أضلع رابعها مشترك، هذا التقطيع المتساوي لسطح النص الكتابي يكاد يكون البناء العام لنص المرأة لدينا؛ لأنه يتناسب مع طريقة التعبير اليومي للمرأة والتي تنقلها إلى نصها الكتابي لعدم خبرتها بصياغات تحويل المعيوش إلى مكتوب، ولأنه بناء لا يحتاج إلى تقنيات فنية ولا تعمق لغوي ولا تفكيك تفكيري، والنظام الثاني تتحكم فيه مجموعة من التقنيات التي تصنع الفضاء الخطابي للنص بآلياته السردية التي تتضمن إستراتيجية سردية عامة تُصمم وفق منطق وروافع سرديين، هذه مجرد ملاحظة سردية على هامش هذا الموضوع.

أما فيما يتعلق بجانب المضمون فالمرأة الكاتبة تستغل دكتاتورية الرجل لإضفاء إثارة وجذب لنصها ولاستجداء استعطاف الجميع ولتمثيل دور الضحية حتى تحصد أكبر عدد من الجماهير،غافلة عن الآثار السلبية التي سيترتب عليها فيما بعد صورة المرأة السعودية عند المتلقي العربي والعالمي، الصورة المشوهة التي تقدمها من خلال نصها الكتابي، وتلكم نتيجة فجاجة النقل وغياب الوعي عندها بوظيفة وقيمة النص الكتابي كمنجز تنويري.

لاشك أن العمل السردي هو جزء من منظومة الإصلاح الثقافي، وليس المطلوب منه أن يتحول إلى وثيقة اجتماعية إلا بقدر ما يخدم الرؤية الثقافية لمسروده، ويحافظ على أمانة الإحالة الثقافية، وما عدا ذلك فإن الإسراف في وّثقنّة العمل الأدبي دليل على عدم احترافية كاتب النص الأدبي لصنعته، والوثّقنة تتم عبر نقل المعاش داخل النص الأدبي، في حين أن النص الأدبي هو تعبير عن المعيوش وليس نقله، ولا أقصد بتجنيب النقليّة (فلتّرة) التجربة المعيوشة قبل إدخالها عالم النص الأدبي، فهذا تزييف للوعي الاجتماعي.

بل أقصد تهيئة التجربة المعيوشة لتحويلها إلى تجربة أدبية، والتهيئة عملية (تحويل) تضفي على التجربة الأدبية شفافية تامة بحيث تستطيع أن تعكس تلك الشفافية الجهات الأربعة للمحيط الخارجي لها، هذا هو مفهوم (الواقعية) في الأدب، أن تكون قادرا على أن ترى كل شيء كي تستطيع أن تمنح فرصة القرار والحكم، هذه الشراكة مع المنجز الأدبي هي التي تٌمكن المجتمع من التغير والتغيير.

كما أن تلك الشفافية تعين على الالتزام بموضوعية أفكار النص، والأهم أنها تعين على تقديم رؤية ثقافية تٌحفز على الشراكة الاجتماعية،لا مجرد صياغات إنشائية. والتعبير يتم عبر آليات سردية مخصوصة و حرية التصرف فيها ممكنة شريطة احترام خصائص الجنس السردي.

وبذا فعلى الكاتبة أن تستوعب أن النص ليس آلية نقل أي ليس وثيقة ولا محضر ولا مجموعة تأملات، بل هو هندسة بنيوية ومعمار بنائي معقد التصميم تدمج داخله رؤيتها الثقافية حول موقف أو تجربة أو قرار، وهي بذلك تُشكل من خلال نصها خطابا يحمل وعيا ثقافيا منتجا لمنجز تنويري.

إضافة إلى أن المرأة عندما تستغل دكتاتورية الرجل في نصها الكتابي فهي لا تقصد فكرة التمرد على العقل النسقي للمجتمع مثل الرجل، بل مقصدها فكرة (الاعتراض) وهي فكرة ذات دلالات سمعية وليست تغييرية كالمعارضة وهو ما يوقع نصها في فخ الثرثرة والنواح والضجيج، لأن المعارضة تتبنى منطقا ثقافيا أو فكريا يتصادم مع العقل النسقي للمجتمع؛ لكن كاتبة النص الأدبي لدينا لم تصل بعد إلى هذا المستوى من التفكير الثقافي التنويري في نصها، ليس هذا باتهام بل استنتاج من خلال نصوصها،وقد نجد لها مبرراً لذلك، إذ أن نصها مازال في مرحلة رصد للحالات التي تمثلها وتتمثلها. والنص الأدبي التنويري على الاعتبار يمر بأربع مراحل تراتبية هي مرحلة الرصد ومرحلة التفكيك ومرحلة الاندماج و مرحلة التغيير، وكل مرحلة يجب أن تعيش فترتها المقرر لها، لأن المرحلة التالية هي دلالة نضوج وليست آلية انتقال، وأي قفز فوق تل كالتراتبية يضرّ بالنتيجة النهائية أي (القيمة التنويرية للنص الأدبي).

كما أن المرأة الكاتبة أيضا تستغل المرأة جنسيا مثل الرجل، وهذا الاستغلال يمكن تفسيره على أساس فكرتي الانتقام والتطهير، وهما فكرتان عادة مرتبطة بالجسد.

تظن المرأة لدينا سواء الكاتبة أو غير الكاتبة،وهذا الأمر يمكن تطبيقه حتى على الكاتبة العربية وليست السعودية فقط، أن جسدها لا يمثلها بل هو مجرد مستودع لمجموع من الأعراف والتقاليد، مجرد صندوق أمانة هو من حق الرجل في النهاية، وليس من حقها التصرف فيه، أو أنه حق غير مكتسب إلا وفق مشروطات أنه مستودع وأمانة، مما يفقد القيمة المعقّلنّة لجسد المرأة، وهذا الإحساس بعدم الانتماء لجسدها مع تحملها مسئولياته، هو الذي يعيق عدم احترامها لذلك الجسد وعقابه في أول فرصة تٌتاح لها للتعبير والتمثيل عنه، باعتبار أنها تنتقم من الموروثات التي يمثلها، بدلا من أن تؤسس قيمة معقّلنة لجسدها لتعديل تلك الموروثات، لأن الانتقام أسهل في التعبير وتمريناته أي الجنس كونه هو الممثل الرسمي للجسد، جزء من خبرة المرأة المختلفة؛ ولذلك يصبح استدعاؤه عبر النص الكتابي يسيرا ولا يحتاج إلى مجهود فني، ولذلك لا نندهش عندما نلاحظ أن مشاهد الجنس في النص الكتابي السعودي سواء عند الكاتب أو الكتابة كما نراها أو كما نمارسها في المعيوش، أي تفتقد حرفية إعدادها (كرافع سردي) في النص الكتابي.

أما فكرة التطهير التي تمارس بيد المرأة الكاتبة من خلال استغلال أنوثتها جنسيا كبديل عن تأسيس قيمة معقلنة لجسدها، فتقوم على نموذج (الغواية والخطيئة) وهو النموذج المرتبط دائما بجماليات جسد المرأة ولعبة الجنس وشرطية الثواب والعقاب، وفكرة التطهير غير موجودة بمفهومها الجنسي عند الكاتبة السعودية باستثناء نص كتابي واحد هو (الفردوس اليباب) لكن معظم نصوص الكاتبات لدينا تصنف وفق فكرة الانتقام.

وحينا تمارس المرأة الجنس داخل نصها،لاعتبارات تسويقية لا غير أو لتقليد الرجل كونه هو المتحكم في تلك العلاقة. في حين أن الرجل الكاتب يستغل المرأة جنسيا، لذات الفائدتين، - إضفاء الإثارة والجذب – على نصه وهما المنطقة المشتركة بين النص الذي تكتبه المرأة والنص الذي يكتبه الرجل.

يتربى وعي الرجل لدينا على أن المرأة آخر، وتأسيس الوعي وفق ذلك المنطق يحول المرأة إلى جدار بالنسبة للرجل وخلف الجدار هناك أحجبة تلتصق بالمرأة،والمرأة بهذا التشكيل تصبح حالة من المجهول والاختفاء بالنسبة للرجل.

إضافة إلى أن ذلك الوعي يتربى أيضا على مخصوصية وظيفة المرأة للرجل، وهي وظيفة مرتبطة بجسدها، الجسد كمركز للمتعة والإخصاب، ويمثل جسد المرأة في ذاته بما يحمله من رموز المتعة داخل تحجيب معين حالة من المجهول والاختفاء أيضا.

وهذا يعني أن هدف استغلال المرأة جنسيا يختلف عند المرأة عن الرجل، ففي حين تستغل المرأة أنوثتها لإشباع فكرتي الانتقام والتطهير، يستغل الرجل تلك الأنوثة لاكتشاف المرأة طبعا عبر أنوثتها،مع الملاحظة أن الرجل لدينا سواء الكاتب أو غير الكاتب (يخاف) من المرأة؛ كونها تمثل مجهولا ودلالة إخفاء، واكتشافها يزيل إحساسه بالخوف منها، كما أنه يستغل أنوثتها للضغط على العقل النسقي؛ لتحقيق طموحا وشهرة تنويريين كما يعتقد.

ووفق ذلك المستويين؛ الآخر والجسد، التي تمثله المرأة للرجل، ينظم ويمارس الرجل علاقاته مع المرأة.

والفرق بين الرجل العادي، وكاتب النص الأدبي في التعامل مع ذلك المستويين،أن الرجل العادي يتعايش مع دلالات مفهوم المرأة بالطريقة التقليدية التي ورثها من أمه وأبيه والتي ورثاها بدورهما من خلال منظومات متشابكة من الأعراف.

في حين أن الرجل كاتب النص يستغل ذلك المستويين مركزا على ثانيهما»الجسد) لمصلحة نصه، لكن دلالة الآخر التي تمثلها المرأة دلالة ذات صياغات فلسفية وفكرية،يصعب على كاتب النص الوصول إليها عبر تطبيقات سردية، ولذلك يفضّل التركيز على المستوى الثاني أي (جسد المرأة) وحتى التعامل مع جسد المرأة لم يتقنه لسببين أولهما: اجتماعي نفسي والآخر سردي. إضافة إلى أن استغلال أنوثة المرأة توفر له العديد من المكتسبات، منها:

أنها تحقق له إحضار فكرة التمرد على العقل النسقي للمجتمع، فالمرأة نائب عن الجسد والجسد رمز للجنس، والجنس تابو وأصبحت لدينا فكرة أن التصادم مع التابو يحقق قيمة التنوير، ولا أدري مدى جدية ذلك الارتباط وفاعليته.

والمرأة تابو سهل الاختراق وتجربة سهلة التحصيل،ولا أقصد بالتحصيل هنا الإدراك مدخل معرفي لحقيقة التكوين،بل إقامة مجموع من العلاقات تدعم تمرين تركيب أجزاء الصورة والتي يتمركز حولها النص الكتابي،كما أن تمديد ذلك التمرين وتكراره في أكثر من صيغة قد يٌمكنه أحيانا من التماس مع تابوي الدين والسياسة فيما يتعلّق بالمرأة ، بذلك تٌستغل كتعويض شمولي لكنه يظل صوريا وليس حقيقا،لا ي ملئ الفراغ وإن وفّر التغطية اللازمة، وهكذا تتحول المرأة كجسد عند الرجل كاتب النص إلى غطاء يُخبئ تحته مكبوتاته ويفرد فوقه طموحاته التنويرية الخاصة.

كما أن التركيز على مسوغات أزمة علاقة المرأة مع المجتمع والرجل فيما يتعلق بحريتها الجسدية وارتباطاتها، يوفر مكتسب القيمة تنويرية كما يتوهم كاتب النص أو كاتبته، ومكتسب يحقق أعلى سقف من الشهرة لهما، والذي لا يتم إلا عبر استغلال أنوثة المرأة، إضافة إلى الاستفادة الربحية لمافيا النشر والتسويق التي لا تتحقق إلا بترويج نصوص الدعارة والفجور والشذوذ، التي أصبحت - مافيا النشر- تتحكم في مواصفات النصوص السردية لدينا كمؤلِف من الباطن، وفق ما يتطلبه مضمون الترويج، حتى أننا أصبحنا نسأل لمصلحة من تروّج نصوصنا السردية الفجور والدعارة والشذوذ؟ وهل الإصلاح والتنوير الثقافيين لا يتمان إلا عبر استغلال المرأة جنسيا؟ وهل هناك من يقود مؤامرة لتشويه صورة المرأة السعودية من خلال النص الكتابي بمساعدة سذاجة كاتب وكاتبة النص لدينا؟.

وما هو دور المثقفة السعودية في محاربة استغلال المرأة جنسيا داخل النص الأدبي؟.

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتبة«7333» ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة seham_h_a@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة