Culture Magazine Monday  19/05/2008 G Issue 248
أوراق
الأثنين 14 ,جمادى الاولى 1429   العدد  248
 
محمد العلي الذي يأتي.. ولا يأتي!
أحمد صالح الهلال

 

 

حينما يؤرخ لتيار الحداثي (الشعري) في المملكة، تبرز أبوة محمد العلي كرائد لهذا التيار الإشكالي، مع بعض الأسماء التي لا تكاد تتجاوز أصابع اليد الواحدة (علي الدميني مثالاً)، فهي أبوة ينظر لها الجيل الحالي كمدرسة وقدوة يتأسى بها، ونقلة مهمة في المشهد الشعري الحديث، والثقافي على وجه العموم، ومن هنا تبرز أبوة محمد العلي (وإن كان أحياناً يرفض هذه الأبوة لغرض في نفسه) كرائد له من الهالة والقدسية التي قد تصل حد المبالغة في عين محبيه، دون المساس بهذه الهالة نقداً أو تحليلاً، مما يجعل من هذه الشخصية أكثر إشكالية وغموضاً.

مشكلة هذه الأبوة إن جاز القول، هي التجربة وتراكم هذه التجربة، فأغلب نصوص محمد العلي تعود إلى البدايات، والبعض منها ظل حبيس أدراج مكتبه ولم يرَ النور حتى الساعة، ناهيك عن قلة إنتاجه الشعري بالأصل وقلة ما نشر منه، فالشاعر شبه متوقف إن لم يكن متوقفاً منذ سنوات.

فهو إنسان انفعالي، وحينما يبكي لا يستطيع أن يكتب قصيدة، لأنه يكون قد عبر عن نفسه بالبكاء...!، كما كان يبرر حينما كان يسأل كثيراً عن قلة إنتاجه.

ونحن نقول البكاء فقط وسيلة الإنسان العادي، وليس الفنان أو المبدع، فالمبدع حينما يتأثر بمشهد أو موقف يبكيه، لا يتوقف عند ذرف الدموع، وإنما قد يصوغ هذا الموقف عملاً فنياً رائعاً، وما أكثر المبدعين الذين جعلوا من موقف مؤثر عملاً إبداعياً خالداً.

كأن محمد العلي حبيس سر يخفيه، فحديثه عن الانفعال والبكاء، لا يمكن يقنع القارئ العادي، ناهيك عن أصحاب الاختصاص بالإضافة أنه كثيراً ما قال بأنه لا يجد الرغبة بتأليف كتاب، أو نشر ديوان...! هل يقول ذلك مثقفاً أو كاتباً إلا محمد العلي.

وهنا يبرز سؤال جدير كيف يريد محمد العلي من الجيل اللاحق أو حتى الحالي أن يقرأه (كشاعر)؟ إلا يخشى على تراثه من الضياع ومن ثم النسيان، أم يراهن على محبيه بجمع هذا التراث كما فعلت الكاتبة المغربية عزيزة فتح الله (جمعت مقالاته وبعض قصائد البداية)! ونحن هنا لا نبدو مشككين في قيمة محمد العلي كمثقف يشكل (رمز) و(ظاهرة) في فضائنا الثقافي، ولكن هذا الرمز...!!! يبدو غير معني بالإنتاج وتراكم التجربة عبر حضور يوثق تجربته.

إضافة لماذا كرس محمد العلي حضوره ككاتب مقال (وإن كان الجو العام للمقالات والعناوين تبدو مكررة)، في مقابل غياب الشاعر الرمز مع إصرار عدم الحضور كشاعر إلا في مناسبة نادرة.

ولا زلت أتذكر في كل اتصال مع الأستاذ محمد القشعمي، وأنا أثير معه موضوع محمد العلي، وسر تقصيره في العمل لاكتمال تجربته كشاعر، وهو الصديق الذي أرتبط به لأكثر من ثلاثة عقود، ولكن دون أن يعطيني إجابة شافية، إلا أن يشنف أذني دائماً بعبارات تتكرر في كل اتصال قائلاً عنه (متقلب - مزاجي - كسول) أي السبب يعود إلى الصفات الثلاثة التي يتحلى..!!! بها محمد العلي فبسبب مزاجيته وتقلبه وكسله أضاع تجربته، وأصبح جل تاريخ الرجل قصائد متناثرة، قد لا تملأ ديواناً..!! نحن هنا أمام ظاهرة قد تكون غريبة نوعاً ما، فالرائد يبدو غائباً كصاحب تجربة مقروءة، فالحديث دائماً يكون عن رائد ومجدد في الحركة الشعرية في المملكة، أي بمعنى آخر حداثي، لكن دون أن يتسنى لنا الاطلاع على هذه التجربة.

أسئلة كثيرة وعلامات استفهام كبرى يحملها محمد العلي معه أينما ذهب، لتبقى دون إجابة، فلربما كشفها عامل الزمن...!!!

Ahmed2004sa@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة