Culture Magazine Monday  20/10/2008 G Issue 257
الملف
الأثنين 21 ,شوال 1429   العدد  257
 

العيسى.. والتيار الرومانسي
عبدالله المعيقل

 

 

محمد الفهد العيسى - أمد الله في عمره ومتعه بالصحة - باعتبار تجربته الشعرية الطويلة والممتدة، وباعتبار عمله دبلوماسياً خارج الوطن، نستطيع أن نقرأ في شعره ملامح أكثر من جيل وأكثر من رحلة، ودواوينه الكثيرة تعكس هذه الملامح وهذه المراحل ومؤثراتها المختلفة.

إن معظم شعر العيسى يمكن أن يصنف تحت ما يعرف بالتيار الرومانسي، إلا أن قراءات العيسى الشعرية والنقدية خاصة أثناء حياته في بيروت، طبعت بعض قصائده بسمات واضح فيها تأثير بعض المدارس الشعرية كالرمزية مثلاً إضافة إلى مؤثرات أخرى أسلوبية وموضوعية وظفت في تجاربه في شعر التفعيلة.

وفي خطوط عامة نجد أن شعر العيسى يحفل بنبرة حزن رومانسي منذ ديوانه الأول (على مشارف الطريق 1963) الذي بدا فيه متأثراً بالشابي كشاعر يغني للحب وللطبيعة وللألم من خلال نفسية متشائمة ويائسة ترى في الانتحار حداً للأحزان:

تراودني فكرة الانتحار

لأجعل حداً لأحزانيه

وأنهي حياتي حياة الشقاء

وأقتل بؤسي وآلاميه

(على مشارف الطريق ص50)

وهناك قصيدة أخرى في الديوان نفسه بعنوان (الوداع) تذكرنا أيضاً بقصيدة للشابي بعنوان (الصباح الجديد) وهي على الوزن نفسه.

يقول العيسى:

الوداع الوداع

يا سلام القلوب

فلَّ قلبي الصراع

وطوته الخطوب

ويقول الشابي:

الوداع الوداع

يا جبال الهموم

يا ضباب الأسى

يا فجاج الجحيم

والموضوع هو نفسه في القصيدتين يتمحور حول الشعور باليأس والرغبة في الخلاص منه بالموت.

ويجب أن نؤكد أن هذه النظرة السوداوية لا تشمل كل قصائد الديوان ففي الديوان قصائد متأثرة بظروف كتاتبها آنذاك مثل الهم الوطني والبعد القومي المتأثر بخطاب الثورة المصرية، وأدبيات الأحزاب العربية والوضع العربي في تلك الفترة، بل إن الديوان نفسه يحتوي إلى جانب هذا التعدد في الموضوعات تجارب مبكرة في الشكل يمكن أن تجدها في قصيدته (الطبيعة الخرساء) ثم تواصل ذلك في الدواوين التالية:

لقد ضعفت حدّة هذه النبرة السوداوية شيئاً فشيئاً أو لعلها اختفت في دواوينه فيما بعد، لكن الشكوى والقلق والشعور بالإحباط في العلاقات الإنسانية، ووصف الألم النفسي، والحديث عن فلسفة الشاعر ورؤيته في الحياة من خلال هذه الموضوعات، هي التي تكون تجربته الرومانسية بكل تفاصيلها لكنه من ناحية أخرى ظل على صلة بقضايا الوطن على الصعيد المحلي والعربي، دون أن يتورط في شعر المناسبات الدعائي كما هي الحال عند بعض مجايليه من المرحلة نفسها.

لقد قرأت دراسة في صحيفة الجزيرة الأربعاء 18 رجب 1428هـ عدد 12725 للأستاذ الدكتور عبدالعزيز محمد الفيصل يقارن فيها بين العيسى وبين الشاعر عثمان بن سَيار، لكنني أشعر أنه لا تشابه بين الشاعرين مثلما حاول الأستاذ الدكتور إظهاره للقارئ، وهذا ما أعتقده الآن وإن كان الأمر يقتضي وقفة متأنية وطويلة - فالشعراء الرومانسيون كلهم يتشابهون في الموضوعات والاختلاف هو في التناول والتعامل مع اللغة وابن سَيار يختلف جذرياً عن العيسى في هذا المجال.

كذلك حديث الأستاذ الدكتور عن الاغتراب عند العيسى الذي ربما اختلف مع الباحث فيه، وإن كان هذا يحتاج إلى عودة للموضوع تحصي وتستقصي وتستقرئ لا تكفيها النظرة العجلى، إن قيمة الاغتراب تعني أن لدى الشاعر رؤية فلسفية مكتملة في هذا الموضوع، ولا أظن أن هذا ينطبق على شعر العيسى، فمجرد الحديث عن غربة النفس والشعور بالوحدة لا تؤسس وحدها لفلسفة الاغتراب.

لقد بدأ الشاعر العيسى حياته شاعراً بالنشر تحت اسم مستعار هو (الفهد التائه) مما مكنه من نشر قصائد تتسم بالجرأة في الطرح والاندفاع العاطفي الرومانسي الذي يواكب مرحلة الشباب الأولى ولكنه بعد أن أصبح في منصب رسمي في الخارجية وهي الوزارة الأكثر حساسية لمن ينتمي إليها، وعمله في السفارات ممثلاً للحكومة، تخلى عن هذه الجرأة، وأصبح رومانسياً محافظاً، رغم تجربته المميزة والمستقلة في الشعر السعودي، في الوقت الذي لم تقيد فيه الوظيفة شاعراً مثل ابن سيار الذي أرى أنه في قصائد الحب خاصة يتفوق أحياناً على قصائد العيسى، في صياغة الفكرة وفي حرارة الانفعال، والتصرف في اللغة.

بقي أن أضيف بأن العيسى أحد أهم الشعراء الذين مهدوا لظهور شعر التفعيلة، وقصيدته الطويلة (ليديا 1963) كانت خطوة مهمة في ذلك الطريق، كذلك يتسم العديد من قصائده بذكر أماكن في المملكة، وأسماء آلات ورقصات شعبية، وهي ظاهرة جاءت في قصائد الحنين والشوق للوطن كتبها في فترة غيابه، كأنه يذكر هذه الأماكن يعمق - وإن كان نفسياً - انتماءه للوطن ويجعله حاضراً في وجدانه مهما نأى عنه، وما ينبغي أن نشير إليه أن ذكر الأماكن في قصائد العيسى بدأ مبكراً لكنه كثر وأصبح ظاهرة بعد أن عاش في الخارج فترة طويلة.

ألا يا صبا نجد فديتك يا نجدي

متى كان عهدك بالأحباب في نجد

متى كنت فيهم في مواسم حبهم

وفي روضة (التنهات) كيف همو بعدي

هذه سطور قليلة عن تجربة الشاعر العيسى، وهو ما يسمح به الوقت، والمجال في الجريدة، ولعل الزملاء المشاركين في هذا الملف يكونون أكثر توفيقاً مني في الإشارة إلى أشياء مهمة أخرى في إنتاج هذا الشاعر الكبير والمهم جداً في حركة الشعر السعودي.

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة