Culture Magazine Monday  20/10/2008 G Issue 257
فضاءات
الأثنين 21 ,شوال 1429   العدد  257
 

أطروحة: (ثقافة التخلف)! (2)
عبدالفتاح أبو مدين

 

 

وأعيد القول رداً على ما سجله صاحب الأطروحة، أن تلك القراءة السريعة لنظرات المنفلوطي، كنت ألتمس من ورائها سلامة القراءة، بعيداً عن قضايا النقد التي أؤكد أن بيني وبينه مراحل طويلة، أما تلك فكانت قراءة بدائية.. وأقرأ في ص (20) مما سجله عثمان من تكهنات قوله: (لعل الدرس يرتكز في إيصال رسالة إلى التلميذ مفادها أن النجاح ليس قريباً، ولا سهلاً).. وأؤكد أنه لا شيء من هذه التكهنات كان عند الأستاذ عارف ولا خطر بباله، فالرجل كريم ويحب أن يعين ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.. وقال الأستاذ عثمان في الصفحة نفسها عني: فراح يحفظ النظرات كما يحفظ النصوص الشعرية؛ مما أبقى لدى أبو مدين شعوراً عميقاً بقيمة الأدب الإنساني).. وهذا القول لا قيمة له لأنه تهويم، ذلك أن حفظ النثر ليس سهلاً ولا يُقال به، وإنما هي قراءة للفهم التركيبي، وعثمان كثيراً ما يفترض أشياء لا وجود لها في مخيلة أستاذي، وأتساءل: هل حفظ النصوص النثرية شيء سهل، ربما عند عثمان ذلك؟! ثم من قال له هذه الأوهام التي أتى بها من عنده - إن هذا إلا اختلاق - وشيء مضحك قوله: (فراح يحفظ النظرات كما يحفظ النصوص الشعرية)، وأقول شتان ما هما! وأنقل من ص (20) إلى (21)، قول الكاتب الطلعة: (ولعل هذا الأمر ديدن كثيرين من أقرانه ومجايليه، الذين كانوا يستأنفون قراءاتهم بحفظ وقراءة كتب المنفلوطي).. وأقول إنني لم أحفظ شيئاً مما كنت أقرأ للمنفلوطي ولا لغيره، وكنت في زمن متأخر أحفظ شيئاً مما يعجبني من الشعر للمتنبي وأمثاله.. وقال الأستاذ عني: (وأنه بدأ نشاطه الكتابي في فترة مبكرة حيث كان المقال الأول له بعد سنة واحدة فقط من قراءاته على محمود عارف).. وإني محتاج أن أضع خطوطاً حمراً تحت هذا الكلام وعلامات استفهام، ذلك أنني كنت أخربش كليمات مساحتها دون الربع عمود في صحيفة المدينة في أمور اجتماعية يسيرة، ولا يسمى هذا نشاطاً كتابياً، ولا ما كتبته يمكن أن يطلق عليه مقالاً، لكن صاحبي يوهم نفسه ويوهم غيره.. وقال عني نقلاً عن حرصي في الحصول على مجلة الرسالة في ذلك الوقت المبكر؛ بدافع طموحي وبتوجيه أستاذي العارف رحمه الله ، قال الأستاذ: (كان يستحثه على قراءة مجلة الرسالة ومع أنه كان يسهر ليلته فرحاً بالغنيمة التي نالها (.. وهذا كلام يمكن أن يكتبه تلميذ في المرحلة الإعدادية أو الثانوية على الأكثر، فأي تعبير هذا الذي يكتبه رجل على أبواب نيل الدكتوراه.؟ وقال حفظه الله في الصفحة إياها حول وعن مجلة الرسالة: لأن طرحها كان أكبر من إدراكه، باعتبار تجربته الأدبية لم تزل في البدايات الأولى، فكفايته اللغوية التداولية لم تحقق التفاعل المأمول بعد، وهذا يعني أن الموضوعات التي كان يفهمها في مجلة الرسالة غالباً ما تكون من الموضوعات الأدبية النمطية).. أقول لصاحبي: فتح الله عليك، لأنه جاهل، إنك لم تر الرسالة ولا تعرف عنها شيئاً، إذ لم يكن فيها عبر حياتها التي بلغت عشرين سنة، وصدر منها ألف عدد، لم تكن تنشر إلا الأسمى من الأدب الرفيع القوي!. وأعجب من هذا الجهل في عصر العلم، والرسالة لم تكن نمطية، وإنما كانت قيمة عالية من معارف كتابها الكبار، مثل طه حسين؛ والعقاد؛ والرافعي؛ والمازني؛ وهيكل؛ والبشري؛ والحكيم؛ ومحمد سعيد العريان،أبو خلدون ساطع الحصري، وسيد قطب، وأحمد أمين، على الطنطاوي، عبدالمتعال الصعيدي، محمد عبدالله عنان، أحمد تيمور، محمد عوض محمد، محمود محمد شاكر، مي زيادة، عبدالوهاب عزام ، زكي مبارك، خليل هنداوي، زكي نجيب محمود، وصاحب المجلة، وشعراء كثر من مصر والشام وغيرهما، وصدق المتنبي القائل:

ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

                                                      وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم

وذكر الأستاذ في ص(22)، أن الرسالة منذ العدد الأول أبدت اهتماماً بالقضايا الإسلامية.. وأقول بل الثقافية أولاً والأكثرية كذلك، والأسماء التي سقتها وهي من كتابها في سنيها المتتابعة كلهم من رجال الفكر، والاهتمام بالقضايا الإسلامية لا يعني أن جل أو حتى بعض اهتمامها بها إذا استثنينا الأعداد السنوية التي كانت تصدر مع مطلع شهر ربيع الأول من كل سنة.. وساق الأستاذ في تلك الصفحة ما قلت عن عشقي للأدب وذكرت فريقاً من كتاب الرسالة من كبار الأدباء، وقال تعليقاً على توجيه العارف لقراءة الرسالة، قال: وهذا سيكون له انعكاس على أبو مدين (الصحفي)، ولعله نسي أنني بدأت حياتي - بالأدب -، وباكورة إنتاجي (أمواج وأثباج) ولم أكن في الصحافة يومها لا من قريب ولا من بعيد، والصحافة شيء تال كان في أواخر عام 1376هـ، على حين أنني بدأت أمارس النقد في عام 1370هـ، ولعلك تصحح معلوماتك المغلوطة، ذلك أن الصحافة شيء والأدب شيء آخر..

وتحت عنوان: (الإذاعة والتلقي الشفاهي: قال الأستاذ في ص (23): يعد الاستماع إلى الإذاعة أحد الروافد المعرفية في ثقافة أبومدين، تشكلت أهميتها بحكم عدم وجود وسيلة للتسلية المنزلية سوى المذياع).. وهذا كلام غير صحيح، فإذا قلت فيما سجلت عن نفسي إن ارتباطي بعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بدأ من خلال أحاديثه في إذاعة السودان من القاهرة، فهذا لا يعني أن لي صلة وثيقة أو غير وثيقة بالمذياع، لكن صاحبي جسم هذه القضية وأخذ يدندن حولها ليربطني بما أسماه التلقي الشفاهي كقضية، وأنا لا تعنيني التسلية، ذلك أن وقتي كتاب، وذلك منذ وقت مبكر جداً، أيام عرفت المنفلوطي رحمه الله، ومنذ أن قرأت قول أبي الطيب: (وخير جليس في الزمان كتاب)، والقراءة لمن يتذوقها خير شاغل، والذين ليس عندهم ما يلهيهم قديماً وحديثاً، ربما هم الذين يشغلون فراغهم بالمذياع، كما يشغلونه اليوم بالقنوات الفضائية، وهم كثر من الجنسين، وأنا لست منهم، ولم يكن المذياع في يوم من الأيام مصدر ثقافتي، ماعدا أحاديث الأستاذ العميد أيام زمان لفترة لم تطل، وكنت أحياناً استمع إلى الأحاديث الأدبية عند بدء إرسالنا الإذاعي، وكان المتحدثون أكفاء يستمع إليهم.. واستدرك صاحبي على نفسه في الصفحة نفسها فقال: (ولعل استماعه لم يكن خالصاً للتسلية، بل يكاد ينصب لغاية نفعية).. ومع ذلك فهو غير واثق من الهدف، وذلك حين يقول: ولعل، بل يكاد، وليقل ما يشاء فله رأيه وشأنه: قل كل يعمل على شاكلته؛ كما جاء في الكتاب العزيز.. ومن خلال حديث الأستاذ النابه الصادق حول صلتي بالمذياع كما قلت آنفاً لمناسبة ووقت ما، قال لا فض فوه عني: (فقد كان يعيش وضعاً مادياً مسحوقاً، ووقتاً ضيّقاً من ناحية أخرى)، وقال حفظه الله: (ومعنى ذلك أنه لولا وجود طه حسين في ذلك البرنامج لما انفق وقته وماله للاستماع للمذياع).. الأستاذ يقول إنني كنت أعيش وضعاً مادياً مسحوقاً، ولو كنت أدري أنك كنت في الوجود يومها لمددت إليك يدي لتتصدق عليَّ، ولا أخال أنك كريم يقصدك المحتاجون، لأن حديثك ينبئ عن نفس شحيحة، يا أخي أنت مالك؟ وهل شكوت إليك أو إلى غيرك حاجتي؟ ومن قال إنني كنت مسحوقاً؟ وأي مال أنفقته في الاستماع إلى حديث لمدة نصف ساعة؟ أما وقتي فلم يضع، وماذا يعنيك من هذه الأمور البعيدة عن أدب النفس وأدب الدرس، وإذا سلمنا أن ليس فيك شيء من أدب النفس، فأنا أعجب أن يصدر عن جامعة لها كينونتها واحترامها؛ يصدر عنها هذا العبث الصبياني، لكن في تقديري أن المشرف عليها والمحكمين لم يقرؤوها، وهذا لا يعفي الجامعة من مسؤوليتها الأدبية.. وإذا كنت أنت قليل أدب فجامعة الملك سعود كما عرفتها وعرفها المنتسبون إليها بدءاً من مديرها ونوابه وعمداء الكليات وهيئة التدريس، جميعهم حراص على قيمة جامعتهم العالية وسمعتها، وهم يأبون أن يصدر عن قسم اللغة العربية هذا العبث السخيف، والذي يدفعني إلى هذا القول إنه ليس بيني وبينك مغارم ولا خصومات يؤدي ذلك إلى أن تسيء إليَّ بلا سبب، إذا علم أنني لم أسع إلى فضلك لتتصدق عليَّ بالكتابة، وكان يسعك لو كنت شجاعاً وكريماً، حين عرض عليك إن صح ذلك أو طلب منك أن تكتب عني وأنا لست أهلاً لحرف تجود به عليَّ، أن تعتذر وأن تقول : لا! لكني لا أتصور أن إنساناً عنده ذرة من ضمير يسيء لمن لم يسئ إليه ولا يعرفه ولم يلتق به! كان يسعك أن تصرف النظر عني أو تقول قولاً معروفاً وإن تحدثت من علِ، ذلك أن السماحة خلق، والتعامل خلق، ومخالطة الناس خلق، والحياة الكريمة خلق، ورحم الله أمير الشعراء القائل:

صلاح أمرك للأخلاق مرجعه

                                                       فقوّم النفس بالأخلاق تستقم

والنفس من خيرها في خير عافية

                                                       والنفس من شرها في مرتع وخم

وقال السيد: (الإذاعة - وسيلة الاتصال - بأن المتلقي لرسالتها - السهلة دائماً (.. يكيّف المضمون بما يتناسب مع دوافعه غير الشعورية وتوقعاته ورغباته). وهذا كلام فيه نظر، فليست رسالتها كلها سهلة إلا في بعض برامجها الإخبارية وما إليها، لكنها وسيلة تثقيف للعامة مثل الصحافة.. وإذاعتنا وربما غيرها حينما بدأت بثها كانت أحاديثها أدبية ودينية واجتماعية، فليست إذاً سهلة كما قال الأستاذ، وأذكر أن إذاعتنا كانت تعتمد في برامجها محدودة الوقت على الأدب والأحاديث الدينية في كل برامجها يومئذ ثم نشرات الأخبار، ولعل في مصر مثل ذلك، لكن من قال لعثمان إن رسالة الإذاعة (سهلة دائماً) من هداه إلى هذه الديمومة التي زعم ؟ فإذا كانت البرامج علمية وأدبية وسياسية ودينية وفلسفية، أتكون في هذه الحال سهلة دائماً؟ وفي صفحة (25)، قال عثمان: ولأن أبو مدين رأى في الإذاعة كنزاً معرفياً ، فإنه يعدها كنزاً للفقراء الذين لا يجدون ما يشترون به الكتاب، ففي رأيه أن الذين لم يتح لهم فرصة شراء الكتاب وقراءته، بإمكانهم تعويض ما فاتهم من خلال الطريقة الآنية، المكتوبة والمسموعة في التلقي المعرفي، وهذا ما حدث له بالضبط حينما افتقر إلى الكتاب من خلال الطريقة الصحفية).. لا أدري أأسمي ما قال أضغاث أحلام أم تخريفاً يسوقه هذا الرجل تطوعاً من عنده؟، فأنا لم أقل ذلك، وهذا المفبرك لما يقول لا يتورع أن يقولني ما لم أقل.. وصدق من لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم القائل: (إن مما حفظ الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت)، وإذا كان صاحبنا من الأغنياء فإن الفقراء يغنيهم الله من فضله ليحصلوا على ما يريدون، وفي الصفحة عينها قال: ( فإن أبو مدين من خلال كتاباته، يوحي بتساوي طرق المعرفة عنده، سواء أكانت مسموعة كالإذاعة أو مقروءة، بل ربما يفضل الاستشهاد بما استمع إليه على ما قرأه)، ورب سائل يقول لعثمان: من أوحي إليك بهذا؟ وهذا خلط لو كتبه لصحيفة لألقت به إلى سلة المهملات! ثم من قال لك إني أعمل رقيباً لمحطات الإذاعة أستمع إلى كل أو بعض برامجها لآخذ منها ما أحتاج وما أريد؟ وأنت تربطني بالإذاعة كأنها طعامي ومنامي وحياتي! ثم من قال لك إنني أبو العلاء المعري أو طه حسين أحفظ ما أستمع إليه لأكتبه وأستشهد به؟ أنا أعجب من هذا الخلط الذي لا صحة ولا حدود له، وأنا أنقله إلى القارئ ليدرك الإسفاف وهزال ما قال في رسالة جامعية، وليس درساً إنشائياً كالذي أخفقت فيه أنا، يكتب هذا الدرس طالباً أو طالبة في المرحلة الإعدادية، ولم أقل الابتدائية كما كنت أنا يومئذ! إنني أقرأ العجب العجاب مما قال عثمان، وإذا كان من رجاء أوجهه إليه أن يطبع رسالته لكي يطلع عليها القراء ويضحكوا من هذا (العجر والبجر) الذي فيها، وأنا كنت أخشى طباعتها قبل هذه التعرية التي أكتبها اليوم، مع أني واثق أن القارئ ذكي يدرك الغث من المتميز، وإني أعلن على صفحات هذه المجلة الثقافية أنني مستعد أن أطبعها على حسابي الخاص، وإن كان ذلك فيه إساءة للجامعة التي منحته ما نسميه مجازاً ناجحاً، وليس في شطر كبير منها ما يستحق أن يغدو ذا قيمة، لأن صاحبها يكتب بلا دليل في هذا الخلط الذي نقلت بعضه ومازال أمامي الكثير وأمام القارئ ما سوف أنقله في كتاب أصدره دفاعاً عن نفسي تجاه تهم لا قبل لي بها، وما قاله عثمان زاد مفلس، وأقول رداً على ذلك الحشو الفارغ من المحتوى الذي نقلت بعضه: شتان بين الاستماع والقراءة، وإذا كان الحشو لتملئة صفحات الرسالة، وأن مآلها إلى مخازن المهمات فلا ضير، لكن الكلام الفارغ الذي بها محسوب على صاحبه.. والعجب أن يقول عثمان أعانه الله على فهمه وإدراكه في ذيل ص (25): (إن المواد البسيطة السهلة التي تقدم من خلال الإذاعة، يسهل تذكرها، أكثر من نفس المواد إذا قدمت من خلال الوسائل المطبوعة، خاصة بين الأقل تعليماً والأقل ثقافة، وهذه شروط توفرت في أبو مدين)، أقول له: أعانك الله على هذا الفهم المتميز الذي يجعلك بعيد الصوت بين نخبة المثقفين في الوطن العربي وربما في غيره! وأنا الذي ضربت به المثل، شكر الله لك، لا أستطيع أن أجاريك في هذه المعارف التي أبديتها في رسالتك الجامعية الحفيلة بالثقافة الحقة التي ربما لا نهاية لها، ومثلي حسبما أفضلت ووصفت لا أستطيع أن أجاريك في علمك وثقافتك، لكني أرجوك وألح في الرجاء أن توافقني على طبع رسالتك على حسابي، ليستفيد منها القراء الواعون أمثالك، ويهتف لهم الذين هم أقل تعليماً أمثالي كما قلت، شريطة أن لا يعينك أحد على إصلاح ما فسد فيها من أحكام وتعبيرات فاسدة ..ولعل صوتي يبلغك ويبلغ القادرين أمثالك أن يتلطفوا بإعانتنا على فهم ما نستطيع إدراكه ليرفع ربما مستوانا وفهمنا، عسانا أن نبلغ بعض ما عندك، ويتاح لنا شكرك والثناء عليك، لأنك أفضلت بتوعيتنا وتحديد مستوانا التعليمي، وعسى أن نبلغ شيئاً من شأوك، حفظك الله..

يتبع

****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244

جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة