Culture Magazine Monday  20/10/2008 G Issue 257
تشكيل
الأثنين 21 ,شوال 1429   العدد  257
 

من الحقيبة التشكيلية
عبر تمازج بين أجياله
الفن التشكيلي المحلي تجاوز مرحلة التأسيس إلى المنافسة العالمية

 

 

إعداد - محمد المنيف:

لا يمكن لأي حركة تشكيلية أن تبقى على ما كانت عليه وقت نشأتها خصوصا الحركات التشكيلية العربية التي انطلقت في بدايتها من مفهوم الصورة أو تسجيل للواقع لأسباب عدة من أهمها نوعية المجتمع المحيط بالفنانين في تلك الفترة من واقع اجتماعي واقتصادي وثقافي الذي تعيشه المنطقة إضافة إلى ما تلقوه خصوصا من حظي بالدراسة النظامية التي أدرجت بها مادة التربية الفنية وجلب لها معلمون من دول عربية شقيقة حرصوا على التماشي مع متطلبات ذلك الواقع وتعليم الموهوبين أسس العمل الفني (الرسم والتلوين) وكيفية نقل المناظر الطبيعية، هذه المرحلة شملت الكثير من الأسماء التي أصبح لها موقع مهم في الساحة التشكيلية منهم من استمر على توجهه الواقعي مع محاولات للخروج دون تحقيق نتائج مقنعة للفنان أو للمتلقي فبقي هؤلاء كما عرف عنهم إلى يومنا هذا اما الفئة الثانية فقد تحقق لها الخروج من المحيط إلى آفاق أوسع وأرحب تجاه مفهوم العمل الفني ممن تم ابتعاثهم للدراسة في الخارج.

حداثة الفن المحلي

يتوقع البعض أن ما يشاهد في الساحة التشكيلية السعودية حاليا من التجارب التشكيلية الحديثة أتت نتيجة لوجود أجيال جديدة تأثرت أو تبعت الموجة العامة التي تعيشها الفنون العالمية، وإذا كنا نقدر ونحفظ هذا التحرك السريع والديناميكي من قبل شباب الساحة إلا أننا لا يمكن أن ننسى أو نتجاهل ان هذا التوجه نحو تطوير الفن التشكيلي المحلي وفي مختلف فروع هذا الفن من نحت وتصوير زيتي أو الأعمال المتعددة الوسائط قد بدأت منذ فترات طويلة على أيد فنانين مؤهلين علما وتقنية في هذا المجال منهم على سبيل المثال الفنان محمد السليم والفنان عبدالحليم رضوي تبع ذلك مرحلة هي الأقرب لهؤلاء والأكثر جرأة في الطرح وتفعيل نهج التحديث وتطوير العمل الفني ليتوازى مع ما هي عليه الفنون العالمية حيث نرى مثل هذا الإبداع في أعمال مجموعة من الفنانين الرواد سنأتي للحديث عنهم في سياق الموضوع مع ما تبع ذلك من تواصل للعطاء والبحث عن سمات معاصرة مع ما تبقيه من الروح المحلية في العمل بما تمثله الرموز الحسية منها أو المباشرة في أعمال هؤلاء لنجد ان المساحة تتسع ويمتد التنافس لنرى هذا التجديد في أعمال فنانين يشكلون المرحلة الثانية في مسيرة هذا الفن وهي مرحلة مكملة ومتممة لما استجد في الساحة في التقنيات أو الفكرة التي ينطلق منه العمل منهم الفنانون عبدالله شاهر وعبد الله الشلتي عبدالله حماس وفهد الجيلان وعلي الطخيس يتبع ذلك مرحلة اقرب نحو الواقع الحالي الذي أصبحت عليه الساحة منهم الفنانون زمان جاسم وحسين المحسن ومهدي الجريبي واحمد الدحيم وفيصل الخديدي وفهد القثمي ومحمد الثقفي وغيرهم.

رواد الحداثة التشكيلية

بعد الإشارة المختصرة التي ألمحنا فيها إلى بعض الأسماء المجددة في مجال إبداعها التي يمكن القول انها حققت الهدف وخرجت بنتائج مهمة في الساحة من خلال تغيير مفهوم الفن والارتقاء به إلى مستوى أصبح به صورة من صور الحضارة الحديثة التي تعيشها المملكة في مختلف نواحي الحياة، نعود لاستعراض الأسماء المهمة في تجديد وتطوير أنماط الإبداع المحلي الذين تولوا نقل الفن التشكيلي من محاكاة الواقع إلى مرحلة الوعي بأن اللوحة أو المنحوتة تشكل فكرا ونموذجا لمستوى ثقافة المجتمع وتطور نظرته للفنون ومسايرة الجديد فيها مع ما يحيط هذا التحرك من حذر وخوف من تبعية الاندفاع العام الذي تعيشه الفنون العالمية نحو إلغاء الهوية وطمس خصوصية ثقافات الشعوب وجمعها في حيز واحد باسم العولمة في وقت صعب جدا من حيث فهم المجتمع لهذا الفن ولا لما يقدم من خلاله من أعمال تحتاج لمحو أمية التعامل معه في مجتمع يرى ان مثل هذا النشاط يتعدى الترفيه والتسلية عودا إلى مفهوم هذا المجتمع لمادة التربية الفنية بالمدارس بانها حصص استراحة من عناء المواد، هؤلاء الفنانون المجددون للفن بدؤوا بأعداد قليلة وتحركوا بصعوبة وإصرار لرسم خط سير الساحة متجاوزين كل الصعوبات التي منها نقص وعي الإداريين المعنيين بهذا الفن وتدني فهمهم لما يحدث لهذا الفن في العالم نتج عنه إهمالهم لمرحلة التأسيس التي عمت مختلف مناشط الحياة ومنحت فيها الفرص لمختلف المرافق لإنشاء مقار لها فلم يكن للفنون التشكيلية منها نصيب في ان ينشأ له قاعات خاصة أو متاحف، كل هذا لم يوقف التشكيليين من تطوير إبداعهم والأخذ به نحو المنافسة العالمية من خلال نخبة من الفنانين استلهموا إبداعهم من محيطهم المحلي وتابعوا جديد العالم ثقافة أو تحصيلاً علمياً فمزجوا واستخلصوا ما يناسب واقعنا ويحفظ خصوصيتنا وينافس الإبداع العالمي.

ويمكن لنا أن نذكر بعضا من هؤلاء المبدعين ونذكر توزيعهم الجغرافي لأهمية علاقته بتطوير وتحديث إبداعهم وحجم أو سرعة التحرك والقبول. ونبدأ بالفنان محمد السليم والدكتور محمد الرصيص في المنطقة الوسطى من الوطن والفنانين، عبدالحليم الرضوي، احمد فلمبان، فؤاد مغربل، بكر شيخون، طه صبان، عبدالله حماس من المنطقة الغربية والفنانين عبدالله الشيخ، عبدالرحمن السليمان، كمال المعلم، محمد الصقعبي في المنطقة الشرقية والفنانين عبدالله شاهر وعبد الله لشلتي من المنطقة الجنوبية إلى آخر منظومة المجددين في الفن التشكيلي.

البيئة ومستوى ثقافة التلقي

هذا التوزيع الجغرافي يمكن من خلاله معرفة مرونة تحرك الفنانين وسرعة قبول إبداعهم من قبل الجمهور المختلف تدرج تحوله من مراحل التعريف به عبر بعض الأعمال التسجيلية وصولا إلى الأعمال الحديثة التي تأثر بها الفنانون خلال دراستهم في الخارج امتدادا إلى التجارب المفاهيمية والفراغية إضافة إلى ما تبع أولئك الرواد من أجيال جديدة ساهمت في تأكيد تطوير مسيرة هذا الفن بمفهومه العالمي الانتشار والمتمسك بهويته. فالمستوى الثقافي والخبرات السابقة التي تتمتع بها بعض المناطق لها دور في دعم مراحل التجديد من خلال اقتناء الجمهور للأعمال أو دعمهم وتشجيعهم من قبل القطاع الخاص بينما نجد التراجع في مناطق أخرى لا زال الجمهور فيها يبحث عما تعارف عليه من مفهوم هذا الفن الذي يجب أن يمثل الواقع وينقله على اللوحة، ومع ذلك فقد حققت الساحة التشكيلية السعودية انجازات كبيرة في مجال المنافسة العالمية وحاز العديد من الفنانين على جوائز متقدمة في مسابقات عالمية بمشاركة كبار الفنانين ومن مختلف التجارب المعاصرة.

أخيرا يمكن القول إن الحداثة في الفن السعودي لم تأت مصادفة أو نتاج تقليد اعتمد فيه الفنانون على التبعية في وقت قريب تبعا للموجة التي عمت العالم بمفهوم الثقافة الواحدة أو العولمة الثقافية بقدر ما كان للفن التشكيلي المحلي بالمملكة تسلسل وتراكم خبرات حرص الفنانون فيه على السير بخطوط متوازية مع الفنون العالمية لكن دون إخلال بالروح والهوية والانتماء البيئي والتراثي.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة