Culture Magazine Monday  21/04/2008 G Issue 244
فضاءات
الأثنين 15 ,ربيع الثاني 1429   العدد  244
 

مفارقات الرواية العربية
فيصل دراج

 

 

تبدو الرواية العربية، اليوم، في أحسن أحوالها، لها أسماؤها الشهيرة، ولها جوائزها المتكاثرة، ولها ذلك الضجيج الذي لا يخفت إلاّ ليعلو من جديد. بل إنّ جائزة نوبل الوحيدة التي ذهبت إلى إنسان عربي، كانت من نصيب روائي مصري هو نجيب محفوظ، ذلك أنّ المصري الآخر الذي حظي بها، أي الدكتور زويل، يعيش ويعمل في الولايات المتحدة. أكثر من ذلك أنّ لهذه الرواية شيئاً من الرواج في سوق الثقافة العالمية، فهي تترجم، بأقساط مختلفة، إلى لغات الشرق والغرب معاً.

ولعلّ صعود هذه الرواية، التي تحتفي بها أوساط مختلفة، هو ما دفع بعض النقّاد إلى الحديث عن (زمن الرواية)، كما لو كانت الأجناس الأدبية الأخرى قد أفل زمنها، أو خفت بريقها. وهو ما دفع أيضاً الروائي السوري حنا مينة إلى القول إنّ (الرواية ديوان العرب)، مشيراً إلى شعر عربي فقد حظوته، وخسر هيبة لازمته طويلاً. فإذا كان (الشعر ديوان العرب) في الزمن القديم، فإنّ (الديوان الجديد) أصبح من نصيب الروائيين. لا غرابة، في الأحوال جميعاً، أنّ يقف القارئ أمام كلمات كبيرة مثل: (ربيع الرواية العربية)، الذي يعني التفتّح والنمو والأريج الفاتن.

غير أنّ الأمر ليس ما يبدو عليه، ذلك أنّ الربيع المفترض قد يكون زائفاً، حاله كحال بعض أيام الشتاء المنتسبة إلى الصيف، توحي بالحرارة والدفء قبل أن تعقبها أيام شديدة البرودة. وواقع الأمر أنّ الربيع الروائي الزائف يصدر عن أمرين؛ يتصل أحدهما بالتاريخ الأدبي، ويحيل ثانيهما على القارئ العربي. فالرواية فن كتابي طارئ على الحياة الثقافية العربية، أو أنّها فن وافد، كما يقول البعض، وصلت متثاقلة في بداية القرن العشرين، واستمرت في حركتها الثقيلة إلى منتصف القرن العشرين. بل إنّ الرجوع إلى الرواية العربية، في أطوارها المختلفة، يكشف عن العلاقة المباشرة بين كتابة الرواية والدراسة في الجامعات الأوروبية. فصاحب رواية (زينب) محمد حسين هيكل، مؤسّس الرواية العربية كما يقال، درس في الجامعات الفرنسية، وكذلك حال مواطنه المصري توفيق الحكيم، الذي كتب (عودة الروح) في بداية ثلاثينيات القرن المنصرم، وصولاً إلى اللبناني الراحل حديثاً سهيل إدريس صاحب (الحي اللاتيني)، الذي تلقّى العلم بدوره في باريس، والفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا، خرّيج الجامعات الإنجليزية. جاء كل هؤلاء بألقاب أكاديمية، وحملوا معهم فنّاً كتابياً أوروبياً، وبحثوا له عن تربة عربية.

أعلن الأمر الأول عن (فن مستورد) تلكأ كثيراً قبل أن يعرف الاستقرار. يستدعي الأمر الثاني القارئ العربي، الذي لا يقبل بالرواية إلاّ بقدر، ولا يُقبل على مطالعتها لأسباب كثيرة: فليس في ثقافته الموروثة مكاناً واسعاً للمتخيّل الروائي، ولا في المناهج المدرسية الرسمية ما يقرّبه إلى الرواية أو يقرّب الأخيرة إليه، ولا يوجد في المجتمعات العربية ذلك الفضاء الذي يدع الإنسان يفعل ما يريد، دون ردع أو رقابة. وإذا كان التوصيف النظري قادراً على البرهنة عن غربة الرواية عن الحياة الثقافية العربية، فإنّ الرجوع إلى سوق النشر والتوزيع، وهو أمر متاح ميسور، يقرّر ذلك ويؤكّده. لا غرابة أن تحيل الرواية العربية، على مستوى الكتابة والقراءة، على نخبة أقرب إلى العزلة، بعيداً عن الربيع المزعوم، وبعيداً أكثر عن (زمن الرواية) الذي لا يأتلف مع زمن الثقافة العربية المسيطرة.

والسؤال: كيف تزدهر الرواية في مجتمع لا تقبل به ولا يقبل بها؟ فالرواية العربية، كما يعرف أصحاب الاختصاص، تنقد المجتمع الذي تكتب عنه، تستنكره وتندّد به، ترفضه وتشجبه، إن لم يبدُ، في بعض الروايات المصرية خاصة، جحيماً أو وجهاً من وجوه الجحيم. ولعلّ هذا الرفض الشديد، الذي يخالطه الغضب، هو ما يضع الرواية داخل المجتمع وخارجه معاً: فهي داخله ترصد أحواله وترفضها، وهي خارجه لأنّها تتطلّع إلى مجتمع لا رقابة فيه، ولا قيود.

تتضمن الرواية العربية مفارقتين: تحكي الأولى منهما عن الفرق الشاسع بين الضجيج الروائي الكبير وضآلة جمهور الرواية، وتشير الثانية إلى لون كتابي يكتب عن واقع ويرغب بدفنه في آن. ذلك أنّ النص الروائي يصدر عن مجتمع ويتطلّع إلى مجتمع بديل محتمل. والسؤال الذي لا ينقصه الغموض هو التالي: لماذا الاحتفال المتكرّر بلون أدبي متشائم ويبعث على التشاؤم؟

- عمّان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة