Culture Magazine Monday  23/06/2008 G Issue 253
فضاءات
الأثنين 19 ,جمادى الثانية 1429   العدد  253
 

مداخلات لغوية
ما أحسن زيداً
أبو أوس إبراهيم الشمسان

 

 

هذا مثال على إحدى صيغتي التعجب المشهورتين (ما أفعله وأفعل به). وحين سأل سيبويه أستاذه الخليل عن (ما) قال إنها بمعنى (شيء) والمعنى: شيء جعل زيدًا حسنًا.

وعلى هذا القول تعرب (ما) مبتدأ خبره الجملة الفعلية المؤلفة من فعل فاعله ضمير مستتر يعود إلى (ما) والاسم مفعول به منصوب.

ومن الغريب أن النحويين تلقفوا هذا القول بالقبول واستمروا يرددونه تغليبًا لمذهب البصريين، والملاحظ أن تفسير الخليل ينقل الجملة من التعبير الإنشائي وهو (التعجب) إلى التعبير الخبري، بل لعل بعضهم قد جزم بخبرية هذا التركيب أو كاد حين اشترط في جملة صلة الموصول أن تكون خبرية خالية من معنى التعجب فلا تقول: جاء زيد الذي ما أحسنه.

وأما الكوفيون فلم يتابع البصريين منهم سوى الكسائي أما جمهرتهم فذهبوا إلى أنَّ (ما) استفهامية، وقولهم هذا يجعل الجملة في مكانها من الإنشاء ولا ينقلها إلى الإخبار، وهو قول جيد في نظري. ولكن الكوفيين أفسدوا على أنفسهم قولهم هذا حين عدوا (أحسن) اسمًا مستدلين بتصغير (ما أميلحه).

والقول عندي إن التعجب وهو إحساس بالدهشة الدافعة إلى السؤال عن العلة والسبب، فأول ما تبادر إليه وقد أعجبك فعل صاحبك أن تسأله كيف فعلت ذلك؟ وترى الشيء يعجبك حسنه فتسأل عن علة الحسن وسببه حين تقول: ما أحسنه؟ فالمعنى: ما الذي جعل هذا الشيء حسنًا؟ فما سؤال عن الفاعل والفعل مفرغ من الفاعل لأنه مجهول مسؤول عنه والاسم مفعول به.

ولست بقولي هذا أزعم أن جملة (ما أحسن زيدًا) جملة استفهامية لا تعجبية بل الذي أقصده أنها في أصلها كانت استفهامية ثم كثر استعمال هذا الاستفهام بين يدي التعجب حتى تنوسي الاستفهام واستقر التعجب وبمعنى آخر أن الجملة خرجت من الاستفهام إلى التعجب.

وليس هذا بغريب فالجملة الخبرية تنتقل بالتنغيم من الإخبار إلى الاستفهام كما قال الكميت:

طَرِبتُ وما شَوقًا إلى البِيضِ أَطرَبُ

ولاَ لَعِبًا مني وذُو الشَّيبِ يَلعَبُ

فقوله (وذو الشيب يلعب) صارت بتنغيمها تنغيمًا خاصًّا جملة استفهامية إنكارية، ولست مع النحويين في زعمهم حذف همزة الاستفهام.

وقد ورد الاستفهام الذي يدل على التعجب في القرآن الكريم في قوله تعالى {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} (الواقعة:8) وقوله تعالى {الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ} (الحاقة:1-2).

فليس غريبًا أن تكون صيغة التعجب هذه جملة استفهامية في أصلها خرجت من الاستفهام إلى غرض آخر متصل به وهو التعجب.

وبسبب خلوصها للتعجب وإن كان أصلها الاستفهام ساغ أن تستعمل في تعابير لا تصلح للاستفهام مثل قولك: ما أعظم الله، وما أكرمه.

فلا يتصور أن يكون السؤال من أحد: ما الذي جعل الله عظيمًا؟ ولا ما الذي جعله كريمًا؟ ومثل هذا القول يفسد على الخليل وسيبويه والنحويين من بعدهم القول بأن (ما) بمعنى (شيء) إذ لا يصح القول: شيء أعظم الله.

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتب«7987» ثم أرسلها إلى الكود 82244

- الرياض


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة