Culture Magazine Monday  24/03/2008 G Issue 240
فضاءات
الأثنين 16 ,ربيع الاول 1429   العدد  240
 

الشرق والفنون الدرامية
الكتابة والإنتاج«2- 4»
قاسم حول

 

 

لماذا يخاف الرأسمال العربي من الدخول في عالم الإنتاج السينمائي ولماذا تتخلف المصارف في استثمار السيولة النقدية في إنتاج الدراما المسرحية والسينمائية والتلفزيونية؟!

إذا ما نظرنا إلى قوة الفيلم السينمائي في مدينة السينما هوليوود فإن حجم شركات الإنتاج يلعب دوراً كبيراً في تحقيق روائع الفيلم الأمريكي ومن ثم الأوربي.

إن شركات الإنتاج التي تأسست برساميل كبيرة لعبت المصارف دوراً هاماً في دعمها، هذه الشركات تمكنت من الهيمنة على سوق السينما في العالم حيث ربطت عملية الإنتاج بعملية التوزيع التي لا تنفصل عن العملية الإنتاجية وبدونها يصبح الإنتاج غير مكتمل الشروط، إذ لا قيمة لأي إنتاج سينمائي مهما بلغت قوته بدون عملية التوزيع ما جعل شركات الإنتاج تؤسس لنفسها شركات توزيع مرتبطة بها وسعت إلى امتلاك صالات السينما حتى تبعد أصحاب الصالات عن التحكم بمسار عملية التوزيع ذات الهدف التجاري الاقتصادي المحض. كما ارتبطت العمليتان الإنتاج والتوزيع بالعملية الإعلامية في تأسيس الإعلام المقروء والمسموع ودراسة الملصق، فصدرت المجلات المتخصصة عن السينما التي صارت تستهوي القارئ لمتابعة أخبار السينما والنجوم، كما ظهرت المجلات ذات البعد الثقافي إضافة إلى المجلات ذات البعد الإعلامي فتأسست ثقافة فنية يتابعها عشاق السينما الذي اتسع عددهم في الغرب وصار يشكل حجماً مستهلكاً للثقافة السينمائية.

لماذا لا تدخل المصارف العربية مجال السينما وتنشئ الإستوديوهات السينمائية أو تعتمد القروض لشركات الإنتاج؟ سيكون الجواب بالسلب مؤكداً وتقدم المصارف كما يقدم أصحاب الرساميل الأسباب التي تقول إن الأمن غير مستتب في المنطقة والناس لم تعد ترتاد صالات السينما وتلجأ إلى منازلها في أول الليل وتشاهد التلفزة التي صارت أيضاً تقدم الأفلام السينمائية العربية والعالمية وصار بإمكان المواطن اعتماد سينما البيت بديلاً عن سينما المدينة.

فكيف ستحقق السينما أرباحها في حال وضعت الرساميل تحت تصرفها من قبل المصارف أو الشركات الإنتاجية؟! ذلك يحقق خسارة مؤكدة.

هنا دخلت أوربا الإنتاج العربي وبشكل خاص الجانب المغاربي حيث تركز فرنسا على الواقع الجزائري والتونسي والمغربي في دعم الإنتاجات لهذه البلدان دون المشرق العربي وذلك لترسيخ الثقافة الفرنسية وإبقائها قائمة في البلدان التي كانت تحت الوصاية الفرنسية.

يكاد هذا الجانب أن يكون الوحيد في عملية الإنتاج والتوزيع بالضرورة إذا أن الجهات الداعمة تربط المنتج بموزعين فرنسيين لإنتاج موضوعات عن المغرب العربي، فيما بريطانيا التي استعمرت الجانب الشرقي من المنطقة العربية لم تقدم أي دعم للسينما العربية في تلك البلدان.

وفي هذا المجال، فإن السينما في مصر بقيت هي الوحيدة التي تنتج السينما بعدد من الأفلام التي تغطي كلفتها السوق المصرية وحدها وفي أغلبها أفلام محلية تستهوي المشاهد العربي المصري في موضوعاتها وإثاراتها التي تسلي العديد من رواد السينما.

وفي كل فترة تظهر ما يطلق عليه (صرعة) لمغن أو ممثل له شكل غريب أو سلوك غريب يثير جمهور المشاهدين بالنكات المصرية اللاذعة وتكاد أن تكون الأفلام الجادة نادرة تستقبلها بضعة مهرجانات سينمائية عربية وأحيانا غير عربية ونادراً ما يثير فيلم مصري شهية محطة تلفزيونية أوربية فتشتري الفيلم ويشعر المنتج والمخرج بسعادة في تغطية جانب من كلفة الإنتاج والإحساس بأن فيلمه قد وصل إلى جمهور أوربي عبر شاشات التلفزة.

ولقد دخلت إيران بقوة في الإنتاج السينمائي في منطقة الشرق الأوسط الذي بدأ الفيلم الإيراني يستهوي الغرب حيث الموضوعات المثيرة عن المرأة وحريتها ورغبة المجتمع الأوربي بالتعرف على المشكلات الإيرانية تحت هيمنة المؤسسة الدينية في إيران.

لقد أنشأت إيران مدينة للسينما ساعدت كثيرا في الإنتاج السينمائي وتأسست شركة للتوزيع مدت خيوطها نحو المهرجانات السينمائية وشركات التوزيع العالمية ومحطات التلفزة.

وصار الغرب يشجع السينما الإيرانية بشراء الأفلام وتوزيعها ويختار الأفلام الأكثر جرأة في تناول الواقع. والمسؤولون الإيرانيون أدركوا أبعاد اللعبة ثقافياً وسياسياً، واعتبروا نجاح السينما الإيرانية بمثابة إعلان سياسي إيراني يواجهون فيه الدعاية المضادة، مؤكدين عبر السينما بأن في إيران حرية للتعبير وعناية بالثقافة ما يضفي بالضرورة الأهمية الحضارية للثورة الإيرانية.

هذا إضافة إلى السوق المحلية الإيرانية التي تغطي كلفة الإنتاج والتي هي اقتصادية وتنتج بميزانيات مخفضة حيث كلفة استخدام المدينة السينمائية وكلفة الفنيين والمعدات والمخابر السينمائية رخيصة جدا إذا ما قورنت بأي أسعار للطبع والتحميض والتصوير في العالم.

أما إسرائيل التي تحتل الصدارة في الثقافة السينمائية في مدينة هوليوود الأمريكية من خلال امتلاكها للشركات الكبيرة وإتاحة الفرص للممثلين والفنانين اليهود وعرض أفلامهم في المهرجانات وحصولهم على الجوائز الكبيرة، فإن الإنتاج السينمائي داخل إسرائيل لا يشكل أي أهمية ثقافية.

وحتى الآن لم نرَ أو نسمع أن فيلماً إسرائيلياً قد حقق نجاحاً في أي مهرجان سينمائي فيما الممثلون والمخرجون اليهود في الغرب يحتلون الصدارة في حصد الجوائز السينمائية وكلهم موضع رعاية الإعلام في الغرب.

وتلعب اللغة العبرية دوراً سلبياً في استقبال الفيلم خارج إسرائيل حيث موسيقية هذه اللغة غير مألوفة بالنسبة للمتلقي غير اليهودي، فبقي الفيلم الإسرائيلي محلياً وإن حصيلة العروض لا تغطي الكلفة الإنتاجية بسبب حجم نفوس إسرائيل، كما أن الفنان الإسرائيلي الموهوب يفضل الهجرة نحو أمريكا ومدينتها السينمائية حيث دائماً يحظى بفرصة العمل والإنتاج على أن يبقى بدون هذه الفرص داخل إسرائيل.

لكل هذه الأسباب مجتمعة لم تظهر سينما إسرائيلية ذات قيمة تذكر فيما السينمائيون اليهود يهيمنون على صناعة السينما في العالم ويتحكمون في مسارها، ليس هذا فحسب بل يشكلون جدار الحماية الإعلامية ضد إسرائيل واليهود وتأريخهم السياسي والديني.

ولو نظرنا إلى تركيا وحجم إنتاجها السينمائي فإنها قريبة جدا من أسلوب الإنتاج المصري ووجود حجم سكاني كما في مصر ونسبة من الاستقرار تساعد في الإنتاج السينمائي الذي بقي هو الآخر محليا، ولم تحقق السينما التركية نجاحا يذكر في الفيلم السينمائي إذ تكاد المهرجانات تخلو من الفيلم التركي.

وفي المقابل فإن الفنانين الأكراد المتواجدين في تركيا وإيران والعراق أو المتواجدين في بلدان أوربا وأمريكا بدأوا يحققون نجاحات ملموسة تعبر عن معاناة الشعب الكردي في منطقة الشرق الأوسط وفي أوربا والعالم.

نحن إذا أمام ظاهرة سينمائية متأخرة في مقابل ظواهر سينمائية أمريكية وأوربية لا يزال رواد السينما وعشاقها يملأون الصالات بسبب الاستقرار وبسبب الحرية وبسبب رغبة الخروج من المنزل في مشاهدة الفيلم السينمائي ضمن صالة مظلمة وبوجود الآخرين وهو انتصار للألفة الاجتماعية بعكس الشرق الذي صار الفرد يعيش هاجس الخوف من الليل ومن المدينة ليلا فصار المواطن في كثير من بلدان الشرق الأوسط يلجأ إلى داره.

الأثرياء من المواطنين عندهم سينما البيت وأبناء الطبقة الوسطى يشاهدون الفيلم على شاشة صغيرة والفقراء لم تعد تعنيهم السينما لا في صالات السينما ولا على الشاشة التلفزيونية..

وبين الحين والحين نسمع عن كرنفالات ومهرجانات للسينما العربية وأخبار عن توزيع جوائز ولكننا لا نشاهد فيلما عربيا أو شرقاً أوسطياً في صالات السينما..إنه محض افتراء.

*****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMSتبدأ برقم الكاتبة«7591» ثم أرسلها إلى الكود 82244

-هولندا sununu@wanadoo.nl


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة