Culture Magazine Monday  24/03/2008 G Issue 240
فضاءات
الأثنين 16 ,ربيع الاول 1429   العدد  240
 

العلاقات الثقافية بين العرب وتركيا«1-3»
السعودية وتركيا نموذجا
د. أحمد الطامي

 

 

أخذت العلاقات بين الدول العربية وتركيا تتجه نحو التقارب والتصالح والتعاون.

ومن أبرز معالم هذا التقارب الجانب الثقافي الذي أخذ هو الآخر يستثمر هذا التقارب لبعث حركة ثقافية عربية تركية نشطة تستلهم وتستشعر التاريخ المشترك الطويل بين الشعبين. كان من أواخر فعاليات هذا التقارب إقامة الأيام الثقافية السعودية في تركيا في شوال 1428- أكتوبر 2007، من ناحية، واستضافة تركيا بصفتها ضيف الشرف في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (جنادرية 23).

وكان لي شرف المشاركة في المناسبتين، كونت من خلالهما رؤية أرجو أن تسهم في دعم العلاقات الثقافية العربية التركية عموماً والسعودية التركية خصوصاً.

بداية أرى من الضروري تحديد المقصود بكلمة (الثقافة)، على الأقل في مجال العلاقات التي يمكن تطويرها ثقافياً بين العرب وتركيا.

يستخدم مصطلح (ثقافة) غالباً ليقابل الكلمة الأوروبية culture الذي يشير إلى نتاج إرث المجتمع من المعتقدات، والعادات، والتقاليد، والأفكار والقيم، والمبادئ، والمثل، وحتى الأفكار الخرافية والفنون المختلفة، التي تميّز مجتمعاً عن آخر.

ومفهوم الثقافة يشمل كذلك السلوكيات، والقيم المادّية التي تشكل طريقة شعب ما في الحياة. كما يشمل مفهوم الثقافة المعارف التي تتوارثها الأجيال. يدخل في ذلك الأدب بكافة أشكاله والموسيقى والفنون الشعبية والفنون التشكيلية والنحت والرقص والأفلام. وتعرف (اليونسكو) الثقافة بأنها مجموع الخصائص الروحية، والمادية، والمعرفية، والعاطفية، التي تميّز مجتمعاً أو جماعة. هذه الخصائص تشمل الأدب والفن، وطرق العيش والتعايش، وأنماط الحياة lifestyles، وأنظمة القيم، والعادات والموروثات، والمعتقدات. ويظل تعريف مصطلح (الثقافة) مستعصياً على تعريف أو تحديد متفق عليه، ولكن غالبية التعريفات لا تبتعد كثيراً ولا تختلف عما أشرتُ إليه.

فنحن إذن أمام أفق واسع من أنماط ومجالات العلاقات الثقافية التي تجمع بين شعبين أو مجتمعين. وإذا جئنا للعلاقات الثقافية التي تجمع الشعبين السعودي والتركي، وانطلاقاً من مفهوم الثقافة المشار إليه آنفاً فإننا أمام تربة خصبة قادرة على إقامة علاقات ثقافية مزدهرة، ودائمة، ومتعددة الأبعاد.

الأسس والمنطلقات:

لعلي أشير في البداية إلى الأسس والمنطلقات التي تتكئ عليها، وتنطلق منها هذه العلاقات الثقافية العربية التركية المأمولة:

أولاً: الدين الإسلامي:

يشكل الدين عاملاً جوهرياً وعميقاً في العلاقات بين الأفراد والمجتمعات والشعوب. والإسلام هو دين الشعبين العربي والتركي. ومعروف أن الدين الإسلامي ليس شعائر دينية عبادية فحسب بل هو سلوك، وفكر، وطريقة حياة، وفن، وأدب، وغير ذلك كثير. وليس من شك في تأثير الدين على حياة الشعوب، وعاداتها، وتقاليدها، وسلوكياتها. وبالتالي فإن الدين الإسلامي نبع لا ينضب من أشكال العلاقات الثقافية القوية والدائمة.

ثانياً: التاريخ المشترك.

تعود العلاقات بين العرب والأتراك إلى القرن الأول الهجري منذ خلافة معاوية بن أبي سفيان. وفي العصر العباسي ازداد نفوذ الأتراك في بلاط الدولة العباسية وأجهزتها حتى أصبحوا القومية الثانية بعد العرب من حيث النفوذ. ولكن أبرز مراحل الالتحام التاريخي بين العرب والأتراك كان خلال فترة الدولة العثمانية التي ورثت الخلافة الإسلامية وحافظت عليها طيلة عدة قرون حكمت معظم أجزاء العالم الإسلامي، بما في ذلك العالم العربي، طيلة فترة حكمها.

إن هذا التاريخ الطويل المشترك بين الشعبين العربي والتركي، بكل إيجابياته وسلبياته ومراحله، يشكل هو الآخر مرتكزاً ومنطلقاً لعلاقة متميزة بين العالم العربي والجمهورية التركية. وتأتي أهمية الحقبة العثمانية لقربها من تاريخنا المعاصر، من ناحية، ولأن نهايتها أفضت إلى تشكّل الخريطة السياسية المعاصرة لتركيا والوطن العربي من ناحية ثانية. من هذين المرتكزين تتفرع وتنبثق وتنمو وتزهر العلاقات الثقافية بين الدول العربية عموماً، والمملكة خصوصاً، والجمهورية التركية. وبناء عليه، نستطيع القول مطمئنين إن أساس العلاقات الثقافية التركية العربية، والسعودية خصوصاً، متوفر وكامن بشكل متوازٍٍ ومتكافئ بين الشعبين. هذا الأساس لا يخص العلاقات السعودية التركية، بل العلاقات العربية التركية عموماً، ذلك أن المملكة العربية السعودية بلد عربي مسلم يشترك مع كافة أقطار البلدان العربية عموماً في هذه الأرضية الثقافية المشتركة المعتمدة على أساسي الدين والتاريخ المشتركين. ولكن يمكن للعلاقات الثقافية السعودية التركية أن تتخذ طابعاً خاصاً وترتكز على عوامل خاصة تجمع البلدين. وسوف تسهم هذه العلاقات، بلا شك، في دعم العلاقات الثقافية العربية التركية عموماً. هذه العوامل يمكن استثمارها، وتعزيزها وتطويرها بغية الوصول إلى علاقة ثقافية سعودية تركية مثمرة، وفاعلة، ومُسهِمة في إثراء الحركة الثقافية في البلدين معاً. وسيكون لهذه العلاقة الثقافية المنتظرة أثرها على تعزيز وتطوير وإثراء العلاقات الثقافية بين البلدان العربية وتركيا.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة