Culture Magazine Monday  24/03/2008 G Issue 240
مسرح
الأثنين 16 ,ربيع الاول 1429   العدد  240
 
خشبة أبو الفنون
المكان في العرض المسرحي
زكريا المومني

 

 

يكاد لا يخلو أي نص مسرحي من الإشارة بين الأقواس إلى المكان الدرامي، وأحيانا يرفق المؤلف مقدمة لذلك، إضافة إلى المكونات والمتغيرات الطارئة عليه، لذلك يحمل المؤلف الحوار عناصر مكانية محددة منها ملموسة وأخرى متخيلة.. حيث يترك المساحة المضافة للمكان وفضائه لخيال المتلقي.

وهنا فإن الرؤية المكانية للمؤلف هي الزاوية التي يرى فيها الموضوع (العالم) من خلالها لذلك فإن رؤية مؤلفين اثنين لموضوع واحد تختلف.. مثلما تختلف رؤية المؤلف نفسه لموضوع واحد إذا ما تناوله بزمنين مختلفين أيضا، إن تنوع المكان والعمل على عناصره وسيلة ناجحة لإضفاء لغة بصرية وعمق تشكيلي وإعطاء دلالات متنوعة تاريخيا واجتماعيا وجماليا.. فالمكان دال لدلالات مختلفة.

أما رؤية المخرج للمكان فقد تتفق وقد تختلف كليا عن رؤية المؤلف ذلك لأن للمخرج عالمه وتأويله وقراءته والأهم من ذلك كله هو إضفاء عناصر الجمال والمتعة من خلال استغلاله للمكان في الحدث ودلالاته محدثا الدهشة والمتعة البصرية وهذا ناتج بطبيعة الحال عن عملية تفاعلية من الممثلين مع هذا المكان واتحاد العناصر الأخرى كالضوء واللون والموسيقى..

اسمحوا لي أن أقول انه ليس عبثاً أن الإنسان بعد موته يحتفظ بآخر صورة شاهدها وتبقى مطبوعة على الشبكية لفترة لا تقل عن ربع ساعة وهذا ما أثبته العلم (سبحان الله) فهذا يوضح ويرسم أثر الصورة على دواخلنا وحواسنا جميعاً، كيف وعندما ترتبط هذه الصورة بخلجات ومتعة وتحفيز ذهني في الوقت نفسه، ما أجمل أن تتكلم الأشياء ونسمعها.. ونحس بها وهي صامتة... إنها لوحة تشكيلية.

المخرج ساحر.. ساحر ماهر إذا ما أطلق العنان إلى ذهنية متفتحة على عالم الجمال والاستنطاق والبحث عن عوالم مجهولة أو غير مكتشفة بعد لينحتها في فضاءات المسرح، وهذا كله وغيره يأتي باتحاد العناصر وتفاعلها وهنا يبقى المكان هو لغة النص الباقية للمخرج. وقد لا يكون هو المكان نفسه الذي تخليه أو أوجده المؤلف.

المكان هو الجزء الأكبر من الحدث وقد لا يكون معمارياً بل متخيلاً فيصنعه الممثل، وإذا كان ملموساً فالممثل مثلاً يدب فيه الحياة (يفعله) (بضم الياء)، مما يمنح الممثل نفسه اتصالا وتواصلا وجدانيا وكينونيا مع المكان.. مكونا وراسما مجموعة حالات وتكوينات كل واحدة منها لها دلالتها وفعلها وهدفها تتشكل لوحة تلو الأخرى لتتحد وتجسد تيمة العمل فيها كل ما تحويه لوحة الرسام من ظل ونور وخطوط ومستويات.. هذا المكان فيه العالي والهابط الداخل والخارج متنامياً مع الفعل على الخشبة مشكلاً في النهاية فعلا يستمد حالته وتشكيله من الممثل والعناصر الأخرى من خلال تطوره (الهدم والبناء).. المكان لا يعرف الجمود المكان متغير المكان في النص هو إيماءة للمكان.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة