Culture Magazine Monday  26/05/2008 G Issue 249
الملف
الأثنين 21 ,جمادى الاولى 1429   العدد  249
 

أدار جامعتين كبيرتين في وقت واحد
د. محمد خضر عريف*

 

 

ترقبت بشغف شديد اللقاء الذي أجراه الإعلامي السعودي الناجح تركي الدخيل مع معالي الدكتور محمد عبده يماني في إضاءاته الباهرة، ثم حرصت على أن أستمع إلى كل كلمة قالها معاليه في ذلك اللقاء المتميز، وكعادته اتسم بالشفافية الفائقة والشجاعة النادرة، خصوصاً عند حديثه عن أمريكا وسياسة الرئيس بوش، وأزعم أن أحداً قبله لم يجرؤ على الحديث عن السياسة الأمريكية بهذه الشجاعة والصراحة، رغم أنه ذكر في ذلك اللقاء وفي سواه أن كان وما يزال من المعجبين بأمريكا بشكل عام وأنه ممن درسوا فيها ونهلوا من علومها، كما أنه كان يزورها باستمرار، فهي بلد محبب إلى النفس قبل أن تظهر سياسة بوش وتعكر صفو علاقاتنا بأمريكا.

والواقع أن صاحب الإضاءات قد سلّط إضاءاته الكاشفة على جوانب محدودة جداً من شخصية الدكتور اليماني، وكان أبرزها شخصيته الإعلامية، ورغم أهمية ذلك الجانب إلا أن جوانب أخرى من شخصية معاليه لا تقل إن لم تزد أهمية من الجانب الإعلامي فمعلوم أن معاليه كان مديراً لجامعة الملك عبدالعزيز في فترة مهمة للغاية من حياة الجامعة، وكان وقتها مديراً لجامعتين كبيرتين في الواقع إذ كانت جامعة أم القرى آنذاك فرعاً لجامعة الملك عبدالعزيز، وكان معاليه بارعاً في إدارتهما معاً، وتعد فترته الفترة الانتقالية من مرحلة الجامعة الصغيرة المحدودة إلى الجامعة العالمية الكبيرة والتوسع في التخصصات والمنشآت في آن معاً، وتحت يدي عدد قديم من مجلة نادرة هي مجلة (ندوة الطالب) التي كنّا نصدرها من فرع جامعة الملك عبدالعزيز بمكة المكرمة حيث كنا طلاباً في مرحلة البكالوريوس وكنت واحداً من أعضاء هيئة التحرير فيها، وقد صدر هذا العدد عام 1396هـ - 1976م وكان عدداً خاصاً صدر بمناسبة مرور العام لأول على استشهاد الملك فيصل بن عبدالعزيز رحمه الله، وعج العدد بمقالات وتحقيقات وقصائد لطلاب وطالبات الجامعة، كما تضمن بعض المقالات لأساتذة الجامعة ومسؤوليها، وتصدر تلك المقالات مقال لمعالي الدكتور محمد عبده يماني بعنوان (الملك فيصل وجامعة الملك عبدالعزيز) تحدث فيه معاليه بإسهاب عن أيادي الفيصل البيضاء على هذه الجامعة وذكر أن تأريخ هذه الجامعة في نشأتها وتطورها مرتبط باسم الفيصل، حيث احتضنها فكرة ورعاها مشروعاً وعضدها واقعاً ثم باركها كياناً علمياً بارزاً (كما ورد في مقال معاليه بالحرف الواحد).

وتكلم معاليه عن افتتاح الفيصل لأعمال اللجنة التأسيسية للجامعة وعن الإعانة السنوية للجامعة حين كانت أهلية والتي أمر بها الملك الشهيد والتي بلغت عام 88هـ مليوناً ونصف المليون، وعن تاريخ تحويلها لجامعة حكومية في عهده رحمه الله وكان ذلك من مظاهر الدعم الكبير الذي لقيته الجامعة في عهد الفيصل.

وعليه فإن فترة إدارة معاليه لهذه الجامعة الفتية كانت فترة تأسيس وبناء في ظل إمكانات محدودة ومسؤوليات جسام تحملها معاليه بكل كفاءة واقتدار ووضع الجامعة في مسارها الصحيح وسهل على من جاء بعده من الرجال المخلصين المضي بها نحو المزيد من الارتقاء والتطور.

وجانب مضيء آخر من شخصية اليماني لم يظهر في الإضاءات جانب التأليف وإثراء المكتبة العربية والإسلامية بعشرات الكتب والمؤلفات التي تحمل جميعاً روح المنافحة عن قضايا المسلمين الكبرى وتبين أحوال المسلمين في كافة أنحاء المعمورة عن كثب حيث كان معاليه يصدر كتاباً عن كل منطقة زارها في العالم الإسلامي في إفريقيا والجمهوريات السوفيتية وسواها، وقد قرأت هذه الكتب جميعاً وكتبت عنها تباعا في الصحف المحلية، إضافة إلى مؤلفاته الأدبية العديدة ومنها قصته: فتاة من حائل، ومجموعته القصصية اليد السفلى، وأذكر أنهما ظهرتا حوالي عام 1400هـ كما اختص معاليه بوضع الكتب العلمية الذي تحث على محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام ومن ذلك كتابه الشهير (علموا أولادكم محبة رسول الله) الذي صدر عام 1407هـ وكتابه الآخر (بأبي أنت وأمي يا رسول الله) الذي صدر عام 1410هـ وسوى ذلك كثير ناهيك عن مؤلفاته العلمية التخصصية فهو أستاذ قدير في الجيولوجيا، ومن مؤلفاته التخصصية كتاب (الجيولوجيا الاقتصادية والثروة المعدنية في المملكة العربية السعودية) أما الجانب الثالث الذي لم يظهر في الإضاءات فهو الجانب الخيري في شخصية اليماني، فهو يرأس الآن ويدير جمعية اقرأ الخيرية وهي جمعية خيرية عالمية لها مشروعات ضخمة وإنجازات بارزة في جميع أنحاء العالم عموماً والمملكة خصوصاً وإضافة إلى ما تقدمه من مساعدات وإعانات لذوي الحاجة فإنها تضطلع بدور بارز في الدعوة إلى الله وتعليم شباب المسلمين ونشر المعرفة بينهم وقد صدر عنها عديد المؤلفات التعليمية منها سلسلة مهمة في تعليم العربية للناطقين بغيرها، كما يتبع لها المركز الثقافي الإسلامي بجدة الذي يعنى بدعوة الجاليات وتعليم المسلمين الجدد أصول دينهم ومبادئ العربية، وقد نجحت هذه الجمعية النشطة بإدارة معالي الدكتور اليماني ودعم سعادة الشيخ صالح كامل غير المحدود -تقبل الله منهما- في مؤسسة العمل الخيري والالتفات إلى حاجات المسلمين في أنحاء المعمورة بعقلانية فائقة. ولعل كل ما ذكرته ليس إلا غيضاً من فيض مما تتمتع به هذه الشخصية الفذة من تميز وتوفيق في أمور الدنيا والدين، أمدّ الله في عمر د. اليماني ومتعه بالصحة والعافية.

* وكيل كلية الآداب بجامعة الملك عبدالعزيز للدراسات العليا والبحث العلمي. - جدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة