Culture Magazine Monday  27/10/2008 G Issue 258
تشكيل
الأثنين 28 ,شوال 1429   العدد  258
 

من الحقيبة التشكيلية
حتى لا تصبح في أسواق الخردة وحاويات النفايات
إبداعات الفن التشكيلي.. كيف نحافظ عليها وما مصير الكثير منها؟

 

 

إعداد - محمد المنيف:

القصص والحكايات التي تروى عن سرقة لوحات فنية أو قطع تراثية من المتاحف العالمية دفعت برشلونة لاحتضان معرض لأشهر هذه السرقات عبر التاريخ الفني والأدبي، منها عدد كبير من اللوحات التشكيلية إحداها لوحة لمارسيل دوشامب التي أعاد فيها رسم موناليزا دافنشي.

وما قيل عن سطو عصابة مختصة بالفنون والمقتنيات على متحف في مدينة زيورخ سرقت منه عددا من اللوحات الفنية لرسامين معروفين مثل سيزان وفان جوخ ومونيه وديجا، عودا إلى ما حدث لكثير من المتاحف واللوحات الشهيرة مثل لوحة الموناليزا التي كادت أن تحدث قضية كبرى بين فرنسا وإيطاليا.

هذه القضايا والأحداث لم تعد في حيز الخيال أو عدم التصديق كونها أصبحت تحدث بين ظهرانينا منها ما يتم مع سبق الإصرار والترصد وبمعرفة تامة من الفاعلين (اللصوص) الصفة التي يمكن نطلقها عليهم، أو من قبل باحثين عن لقمة عيش يرون في بيعها بأي ثمن ما يسد رمقهم، هذه الأحداث التي أصبحنا نعيشها بشكل متكرر منها ما يحدث في محيطنا القريب (المحلي) ومنها ما يحدث حولنا في دول عربية شقيقة أبرزها ما تعرض له الفن التشكيلي في العراق الشقيق بعد احتلاله الحالي، حيث تمت سرقة محتويات متاحفه وقاعات العرض ومن بينها قصر الفنون ببغداد الذي يضم العديد من اللوحات والمنحوتات لكبار التشكيليين هناك، وآخرها ما تطرقت له لصحف المصرية من سرقة أعمال الفنان حامد ندى وكشف سارقها.

وإذا كانت أسباب سرقة المتحف الوطني نتيجة للحرب التي تأكل الرطب واليابس فإن هناك سرقات بشكل منظم في وقت السلم تحدث بأشكال متعددة يعتبر جانب الإهمال ابرز أسبابها.

تنوع السرقات

لا يخفى على المختصين في الأوساط الفكرية والإبداعية ما تتشكل به السرقات وتحمله من أسماء يغلف بها الجريمة وتبعد بها تهمة السرقة منها الاقتباس أو التأثر وهي جسور يعبر بها مقلدو اللوحات إلى عقول المقتنين ممن لا يهمهم سوى الحصول على لوحة تحمل إمضاء فنان عالمي له تاريخه دون العودة إلى خبراء الأعمال الفنية للتأكد من حقيقة أن العمل هو الأصل أم مقلد وهل مصدره مأمون الجانب أم جاء بطريقة غير مشروعة، أما السرقات المعروفة فقد نال اللصوص بها كبريات المتاحف وبأحدث سبل السرقات وتقنيات السيطرة على تكنولوجيا الحراسة، منها ما تمت إعادته ومنه ما زال مفقودا حتى اليوم.

سرقة جهود الآخرين

كما أن هناك من سبل السرقة أن يقوم أحدهم أو إحداهن بإمضاء اسمه على لوحة أو عمل نحتي أو أي شكل من أشكال الإبداع قام بتنفيذها شخص آخر تم دفع ثمنها إليه مقدما ونفذت بمواصفات من الطرف الأول، وهي حالة مستشرية في أوساط الفن التشكيلي ويحظى محيطنا المحلي ببعض منها وهي حالة مرضية أصيب بها بعض مدعي الفن أو من مدعياته وهي جريمة كونها سرقة لجهد وفكر من كلف بتنفيذها.

كما لا ننسى ما شهدته وتشهده الساحة من سرقة تجارب بعض الفنانين من قبل البعض الآخر التي تتمثل في مشاهدة أحدهم لتجربة زميلة فيسارع لتنفيذها وعرضها مما يتسبب في حرقها ووأدها قبل تمام نضجها عند صاحبها الحقيقي، ولنا مع مثل هذه السرقات الكثير من الأدلة لا مجال لذكرها الآن.

حفظ الملكية الفنية

الحديث حول قضايا السرقات الفنية ليست وقفا على منطقة أو دولة أو جهاز بعينه أو على فن من الفنون بقدر ما تعتبر قضية عالمية أزلية لم يتم إيجاد حلول لها، وإذا كنا هنا نعتبر جزءا من هذا العالم فإننا أيضاً لا يمكن أن نسلم من مثل هذه المواقف التي تتعرض لها هذه الفنون، ومن المؤسف أن معظم الخطوات والمحاولات لإيقاف مثل هذا التجاوزات أو التصرفات التي تعد جريمة تنبذها كل الديانات وترفضها المجتمعات مهما اختلفت ثقافتها لم تجد ولم تحقق المأمول منها، إضافة إلى انه لم يكن للفن التشكيلي فيها نص مباشر وواضح فيما أعلن من اتفاقيات دولية تحمل عنوان شاملا هو (حفظ الملكية الفكرية) منها اتفاقية برن لحماية المصنفات الأدبية والفنية (9 سبتمبر 1886) التي تديرها المنظمة العالمية للملكية الفكرية (OMPI)، الاتفاقية العالمية لحق المؤلف (6 سبتمبر 1952) التي تديرها اليونسكو (UNESCO)، اتفاقية إنشاء المنظمة العالمية للملكية الفكرية (14 يوليو 1967) إضافة إلى الأنظمة الخاصة لكل دولة في هذا المجال.

الإهمال سبيل السرقة

وإذا عدنا للحديث عما نحن بصدده المتعلق بالفنون التشكيلية وبكل فروعها وكيفية حدوث السرقات نجد أن الإهمال من ابرز أسبابها من حيث حماية المكان أو الموقع الذي تعرض به تلك الأعمال كالمتاحف وصالات العرض الرسمية أو الخاصة التي تتولاها الجهات المعنية بهذه الفنون وتتمثل هذه الحماية في كيفية اختيار الشركات المسؤولة عن حراستها، إضافة إلى إعدادها بالأجهزة الحديثة لمراقبة مرتادي المكان في مختلف الظروف والأوقات.

أما الجانب الآخر من السرقات فيتمثل في الإهمال من قبل منظمي المعارض والمسابقات التشكيلية الرسمية منها أو ما يتم القيام به من قبل مؤسسات، قطاع خاص أو مستثمرين وجدوا في هذا الفن ضالتهم، وتأتي أشكال الإهمال في جانب عدم قيام بعض هؤلاء المنظمين للمعارض بحماية اللوحات بعد تسلُّمها وعدم ضمان عودتها إلى أصحابها سالمة غانمة، كما يشاهد ويسمع ويقرأ عنه في الصحف المحلية أو عبر الإنترنت من شكاوى الكثير من التشكيليين لفقدهم لوحاتهم أو حدوث تلف فيها، أما الشكل الآخر من هذا الإهمال الذي ينتهي بانتهاك حقوق الفنان فهي في أسلوب التخزين أو التثبت من إعادة الأعمال كاملة من موقع العرض، فكثير من تلك الأعمال الفنية تبقى في مواقع عرضها فترات طويلة مع أن هذه المواقع لا علاقة لها بها ولا تتحمل مسؤولية سرقتها أو إتلافها فهي من ممتلكات الجهة العارضة التي دفعت مبالغ لشرائها، فأصبحت ارثا وطنيا يجب احترامه والاهتمام به كرصيد مهم عند إعداد وتأسيس متحف لهذا الفن.

مواقف ومشاهد

سبق أن أشرنا عبر زاوية (للرسم معنى) في الصفحة التشكيلية يوم الخميس قبل الماضي إلى قضية سرقة لوحات للفنان المصري حامد ندى وما تم حيالها من تسلسل في الإحداث الدراماتيكية إلى أن أعيدت اللوحتان إلى قواعدها سالمة لدار الأوبرا من خلال أمانة وتعاون الفنان هشام قنديل مدير اتيليه جدة الذي كان قد اقتناها من أحد سماسرة اللوحات في مصر الذي يعتبر طرف الخيط الذي كشف الحقيقة وأوصل المسؤولون إلى السارق الذي أحيل إلى النيابة هناك، وتلقى الفنان هشام قنديل تكريم قطاع الفنون بمنحه الهرم الذهبي لأمانته ولما قدمه للفن التشكيلي المصري من مساحة انتشار في المملكة عبر إقامته لمعارض تشكيليين مصريين في المملكة من خلال اتيليه جدة، إضافة إلى استقباله من قبل وزير الثقافة الدكتور فاروق حسني، هذا الموقف يذكرنا بما حدث من قبل الفنان الإيطالي ألفريدو جيري الذي اقتنى لوحة الموناليزا من شاب فرنسي كان يقوم بترميم إطارات (براويز) اللوحات بمتحف اللوفر، وحينما تأكد الفنان أنها موناليزا دا فنشي الأصلية قام بإبلاغ السلطات الإيطالية عن السارق الذي باعها له فقبضت عليه وأودعت اللوحة في متحف بوفير جاليرى، مع الكثير من المشاهد المحلية والخليجية والعربية عامة والعالمية من هذا الواقع المؤلم الذي ما زال يفتقد كيفية التعامل معه، فالأمر يأتي من داخل المنزل وليس من خارجه ونعني بذلك أن أكثر السرقات تأتي من العاملين بالمتاحف.

monif@hotmail.com


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة