Culture Magazine Monday  28/01/2008 G Issue 231
الملف
الأثنين 20 ,محرم 1429   العدد  231
 
نحن والآخر .. صراعٌ وحوار
د. محمد إبراهيم حور

 

 

جاء كتاب (نحن والآخر - صراع وحوار .. للدكتور ناصر الدين الأسد) في سبعة فصول هي: (من اتفاقية سايكس بيكو إلى حرب الخليج - الشرعية الدولية والاستعمار الجديد - الديمقراطية وحقوق الإنسان بين العالمية والخصوصية - الإسلام والتفاعل الحضاري: صراع أم حوار - الاتحاد الأوروبي والعرب - الشراكة الثقافية الاجتماعية والإنسانية الأوروبية المتوسطية - الهوية والعولمة).

وهي موضوعات حيّة، تمثِّل الشغل الشاغل لمجتمعنا الذي يتحسّس طريقه، ويبحث له عن مكان في عصر مُني فيه بهزائم كبيرة كثيرة - كان بعضها هزائم داخلية ذاتية، ولم يكن فيها أطراف خارجية - وبات مطالباً بمهام جسيمة أبرزها: أن يُلملم شتاته، ويجمع قواه، ويلحق بركب الحضارة المتسارع، ويعيد مجداً غابراً طالما تغنّى به، ومَنَّى النفس بعودته، وقد كثر الحديث في هذه الموضوعات، وأُلِّفت فيها كتب، وأُعدت دراسات، وعُقدت ندوات ومؤتمرات، كما ذكر المؤلِّف نفسه. وإن أشقّ ما يكون على الباحث أن يكتب في موضوع سبقه إليه غيره، لأنّه مطالب بأن يضيف إليه جديداً يبرر صنيعه، ويميِّزه عن سواه في ميدانه. فما مبِّرر صدور هذا الكتاب؟ وماذا نحن واجدون فيه، لم نره في غيره؟ جاءت مبرّرات صدوره واضحة جليّة في طريقة تناوله لقضاياه، وأسلوب عرضها، ورأيه في علاجها.

إنّ أول ما يشدنا في الكتاب، أنه نبّه إلى أخطاء في المقدمات لا توصِلُ إلاّ إلى أخطاء في النتائج، في تعاملنا مع (الآخر) حواراً، وشراكة، واتفاقاً، لأنّ الأساس في تلك المقدمات فقدان عامل التوازن بين الأطراف، وقد كنا في كل الأحوال الطرف الأضعف الذي يحاور الطرف الأقوى، أو يتفق معه، أو يشاركه. وهو أمرٌ يؤدي في النتيجة إلى أنّ القويّ يفرض ما يريده على الضعيف، في ظل تلك العناوين البّراقة التي تشي بالتكافؤ، أو نوهم أنفسها - قبل أن يوهمنا (الآخر) - أنّ هناك تكافؤاً فيها، فيكون كل إنجاز أو نصر - لنا - في ظل هذا الواقع يحمل في طياته بذور الهزيمة مهما يطول الزمن، وربما كان السبب في ذلك أن ما يظهر (سلاماً) هو أمر فرضه الغالبُ بالقوة، ويفتقد العنصر الأساسي لاستمرار هذا السلام أطول مدة ممكنة، وهو عنصر (العدل) (17). وبفقدان التوازن والتكافؤ بين الأطراف يكون البديل لذلك (التبعيّة). وما دمنا نحن الطرف الأضعف إذن فنحن تابعون، والطرف الأقوى متبوع، وهو صاحب القرار في اختيار الموضوعات المتناولة، وفي اختيار التوقيت المناسب لها. ففي الموقف العربي الموحَّد بمنع النفط عن الدول الأوروبية، يقول المؤلِّف أقبلت (أوروبا على العرب لإجراء الحوار العربي الأوروبي في مختلف الميادين: الثقافية والاقتصادية والسياسية، ثم تلاحقت الأحداث: الظاهرة والباطنة، الحقيقية والمفتعلة، وأخذت تتراخى قبضة الحوار، ومع تراخيه بدأ يتقلّص: فسقط الحوار السياسي والاقتصادي بالتدريج، وبدأ التركيز على الحوار الثقافي وحده، ومع الزمن تراخت الجهود، وسقط الحوار كله، وإن استمر مظهره وإطاره الخارجي بعد أن فُرِّغ من مضمونة) (86). وقد كان القرار في كل الأحوال بيد الطرف الأقوى، هو الذي يحرك الأمور، وِفْق مصالحه، ونحن في كل الأحوال تابعون له، وما زلنا متمسكين بالحوار، إلى أن نُبَلَّغ بإيقافه رسمياً.

ولا يتوقف الكتابُ عند تشخيص هذه الظاهرة المؤلمة، وإنما يحاول أن يجيب عن سؤال مهم هو: كيف نستطيع إقامة علاقات ثقافية - مثلاً - بين أوروبا والبلاد العربية؟ وما مستقبل هذه العلاقات؟. ويجيب: بأنّ (الفهم الصحيح للفريق الآخر: لتاريخه، وحاضره، ولتراثه وثقافته هو أساس التفاهم، وأنه لا تفاهم بغير فهم. ولا يكون الفهم صحيحاً إلاّ إذا تحلَّى بروح العدل والإنصاف والموضوعية) (78).

وبتوازن المصالح يقول المؤلِّف: (فكما أنّ لدول أوروبا مصالحَ في البلاد العربية تحرص على تحقيقها، فإنّ لدول هذه البلاد .. مصالحَ كثيراً ما تُتجاهل وتُهدَر، فينشأ من ذلك شعور بالظلم، وتسود المخاوف من إقامة أيِّ علاقات لأنّها ستكون علاقات غير متوازنة بين قوي وضعيف) (79).

و(إنّ تبادل المصالح هو الذي يُحدث التوازن بين طرفيْ معادلة الحوار والتعاون. ولا بدّ لحدوث هذا التوازن، من وجود قوة وراءه والقوة الوحيدة للعرب في الوقت الحاضر تتمثَّل في التضامن وجمع الكلمة وتوحيد الصف) (86).

ويتصل بالأمر الأول موقف (الآخر) من العرب في القضايا الكبرى التي تتعامل معها الأمم المتحدة، على الصعيد الرسمي، وهي ترجمة عملية لسياسات القوى المهيمنة عليها تجاه العرب، (أمريكا وأوروبا) وتتلخّص فيما يُطلق عليه (الكيل بمكيالين) في التعامل مع هذه القضايا. والشواهد على ذلك كثيرة، إذ إنّ قرارات مجلس الأمن الدولي تطبَّق حرفياً على العرب إذا كان الأمر يخدم مصالح الغرب، بغض النظر عن الظلم الذي يقع على العرب جرّاء هذه القرارات. وإذا كان هذا يدخل في باب الطرح النظري، فإنّ الأيام كشفت عن صدقه قبل صدور الكتاب وبعده. فقد تجسَّد هذا الظلم في الأيام القليلة الأخيرة، حين ثبت خطأ قرار مجلس الأمن الذي صدر ضد ليبيا قبل ستة أعوام، بتطبيق الحصار الجوي عليها، ونقضَتْه محكمة العدل الدولية، حين بيّنت أنّ الأمر ليس من صلاحية مجلس الأمن وإنما هو من صلاحيات القضاء والقانون الدوليين! وقد نبّهت أطرافٌ إلى ذلك من قبل، وصرخت دول ومنظمات وأفراد في وجه هذا القرار، لكن صيحاتهم ذهبت في واد. وكان المؤلم والمحزن في آن، أن كانت الدول العربية مغلوبة على أمرها، وملتزمة بالقرار، مطبقة له باسم الشرعية الدولية والقانون الدولي!! ويقفز بين أيدينا سؤال مهم: وماذا بعد قرار محكمة العدل الدولية، هل سترفع العقوبات عن ليبيا؟ وإذا رُفعت، ماذا عن الأضرار التي لحقت بليبيا جرّاء قرار خاطئ، هل ستعوَّض عما فقدته وعانت منه؟ إنّ الأيام القادمة ستكشف عن كل هذا، وإن كانت التجارب الماضية لا تبشِّر بخير. أما الموقف من العراق، فحدِّث ولا حرج!! هذا مكيال!!

أمّا المكيال الثاني الذي يكشف عنه الكتاب، فهو متصل بإسرائيل ومواقفها من قرارات مجلس الأمن نفسه، فهي ترمي بها عرض الحائط، ولا تعبأ بأيّ منها ولا تجد من الدول الكبرى - التي تعدّ نفسها وصية على هذه القرارات، وحريصة على تنفيذها - حماسة لمعالجتها. ويشير المؤلف إلى التفاوت الشديد، والتباين الواضح بين مواقف الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي التي تعبِّر عن رأي المجتمع الدولي، وبين مجلس الأمن الذي يعبِّر عن مصالح الدول الخمس دائمة العضوية، فعلى حين كانت كثير من القرارات تهمل ولا تنفَّذ، مثل القرارات التي تؤيد الحقوق الفلسطينية وتشجب مواقف إسرائيل، نرى قرارات أخرى تُحشد لها الجهود، وتمارَس فيها الضغوط من أجل عدم إدانة إسرائيل، وفي طريق يغايرها ويناقضها في دولها نفسها. ويعرضُ الكتاب لقضيتين كبيرتين هما: الديمقراطية، وحقوق الإنسان.

ففي مجال الديمقراطية يرى أنّ مواقف الدول الكبرى منها (مواقف انتقائية تتغيّر بتغيُّر المصالح، وليست مواقف مبدئية ثابتة) (54)، فهي تقف بصرامة تجاه دول تجد فيها حُكماً فردياً، وتدعو إلى التعددية والانتخابات، وإلاّ فالحرب وخطف رؤساء الدول، وتشجيع العدوان من الجيران، وتقديم الدعم العسكري والمادي للتغيير. وبالمقابل تغض الطَّرْف عن دول تسير في الركاب نفسه وربما يكون الظلم فيها أشد وأنكى، يتفق معها في المصالح والغايات، فلا تقترب منه، أو تقلِّبُ ساكناً حوله. والمؤلم حقاً أن يرتبط هذا كله بالفقر والعِوز، وبالبنك الدولي والقروض التي تقصِم ظهرَ الدول والشعوب، لكنها لا تجد مفراً منه، أو هكذا يهيَّأ لها، فكانت كالمحتمي من الرمضاء بالنار.

أما حقوق الإنسان، فإنّ المؤلِّف يتساءل في مفتتح حديثه: (هل حقوق الإنسان حقوق فردية تقتصر على الأفراد وحدهم، ولا تشمل الجماعات والشعوب؟ وإذا كانت تشمل الجماعات العرقية والدينية التي تؤلِّف أقلياتٍ في بعض الدول ... فهل يعني ذلك أن للأقلية الدينية الحق في أن تعيش كما تملي عليها مبادئ دينها وتعاليمه، وأنّ للأقلية العرقية الحق في أن تصوّغ حياتها بما يتفق مع مقوّمات قوميتها وتاريخها؟ أو أنّ تلك الدول الأجنبية تحمي أجساد تلك الأقليات، ثم تصادر أرواحها وثقافتها ومقوّمات شخصيتها، وتفرض عليها القبول بأفكار ومبادئ تخالف تعاليم دينها وخصائص قوميتها؟ وبذلك تحميها من ناحية، وتقمعها وتدمِّرها من ناحية أخرى!) (57) .. إنّ هذه التساؤلات تحمل بين طياتها الأجوبة الشافية التي تجعل لكل مجتمع وأُمّة خصوصية تحتِّم عليها صياغة نظام حياتها، وطبيعة علاقات مجتمعها من داخلها وبما يتناسب مع تراثها وتاريخها وقيمها وواقعها، ولا يمكن بأيِّ حال أن تُفصَّل لها من خارجها ويُطلب إليها ترجمة وتطبيق ما هو غريب عليها قلباً وقالباً. ولا يترك المؤلِّف حديثه دون شواهد وأدلّة تدعمه، ويتخذ من الموقف من المرأة شاهداً، إذ يُطلب من المرأة أن لا تضع الخمار على رأسها، في الوقت الذي يُسمح لها أن تسير شبه عارية، إذ يدخل الأول في باب التعصُّب والتطرُّف، ويدخل الثاني في باب الحرية الشخصية!!

وإذا ما تعرّض لموضوع (الاتحاد الأوروبي والعرب) يشير إلى عدد من المفارقات التي تستوقف المرء، وتجعله مشدوهاً لما يرى، فعوامل الفرقة والتنافس والتناحر بين دول أوروبا أكثر من عوامل اللقاء والوحدة، ومع ذلك أقاموا اتحاداً، ومن هذا الاتحاد شكلوا طرفاً واحداً يحاور الآخرين. وعلى النقيض من ذلك، فإنّ عوامل الوحدة والتجانس والوفاق بين الدول العربية أكثر بكثير من عوامل الفرقة والتناقض، ومع ذلك فإنّ العرب أطراف إذا ما التقوا مع الآخر، والأنكى أنهم يزعمون أنهم طرف. ومن هذه المفارقات غياب صفة (العرب) في اللقاءات بين العرب وأوروبا، واستبدالها ب(المتوسط). وبتنا نرى تعابير: (الشراكة الأوروبية المتوسطية)، و(المبادرة الأوروبية المتوسطية) و(الاتفاقات بين الاتحاد الأوروبي وشركائه المتوسطيين).

والغرض واضح من كل هذا، هو إدخال إسرائيل في اللعبة بوصفها من الدول الواقعة على البحر المتوسط. ولا بأس - والأمر كذلك - في أن تستبعد ليبيا وحدودها على شواطئ البحر المتوسط، تقترب من ألفي كيلومتر!! وأن يدخل الأردن وموريتانيا في المبادرة، والاتفاق، والشراكة وهما لا يوجد لهما اتصال بالبحر المتوسط!! ولا بأس - أيضاً - في أن تكون دول الاتحاد الأوروبي - ما له اتصال بشواطئ البحر المتوسط وما ليس له اتصال - طرفاً آخر لا يندرج تحت (المتوسطية) وإنما هو طرف قائم بذاته.

إنّ الضعف والذل والهوان والتفكُّك ... الذي لحق بالعرب، أوصلهم إلى ذلك. ويلمِّح المؤلِّف إلى هذا بقوله: (وينبني على ذلك أن نسمي الأشياء بأسمائها بصدق وإخلاص، دون زيف ولا مجاملة. فالحقيقة أننا أمام ثلاث مجموعات تمثِّل ثلاث ثقافات - وهذا الاختلاف هو الذي يستدعي الحوار والتعاون والشراكة. ولو كانت متماثلة ما احتاجت إلى كل هذه الجهود! - هذه المجموعات - ذات الثقافات المختلفة - هي: الأُمّة العربية الواحدة ... ثم المجموعة الأوروبية التي أخذت تتضح صورتها الواحدة في (الاتحاد الأوروبي) ومجلسه .. أمّا المجموعة الثالثة فهي إسرائيل ومعها اليهودية والصهيونية في الأراضي المحتلة، وفي امتداداتها في العالم) (117 - 118).

إنّ روعة العرض ودقّة التعبير وشمول النظرة، والجرأة في المعالجة، تجعل أيّة مراجعة لهذا الكتاب قاصرة، ولا تكتملُ الفائدة منه إلاّ بقراءته كلِّه، وبالله التوفيق.

- عمّان


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة