Culture Magazine Monday  28/04/2008 G Issue 245
فضاءات
الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1429   العدد  245
 

الشرق والفنون الدرامية
الكتابة والإنتاج«4- 4»
قاسم حول

 

 

هل بات المسرح ثقافة للنخبة والمهرجانات أم هو ظاهرة ثقافية تمثل حاجة ذهنية وعاطفية؟ وهل نحن أصحاب ثقافة مسرحية تمتد في عمق التأريخ الثقافي أم أن المسرح هو حضارة أوربية غربية دخلت حياتنا مثل السينما ونحاول الاستفادة منها؟ وهل الثقافة هي حقاً ثقافة إنسانية أم هي إرث متوارث يؤثر فينا ويتطور ونعتز بمفرداته ونفخر بها؟

في خمسينيات وستينيات القرن العشرين ازدهر المسرح في البلدان العربية ونشطت حركة التمثيل وأصبح للمسرح جمهور لا يمكنه الاستغناء عن مشاهدة المسرحية، وكادت تتبلور الكتابة المسرحية التي هي من الفنون غير السهلة ولها أسس بنائها الأكاديمية التي بلورها الغرب والإغريق على وجه التحديد. لكن هذه المسرحية التي كانت قابلة للنمو والتطور لتصبح ظاهرة ثقافية اجتماعية أربكت تطورها الأحداث السياسية التي حصلت في المنطقة.

لو تجولنا في مواقع الآثار الإغريقية في اليونان لشاهدنا مسارح كثيرة في الهواء الطلق منحوتة من الصخر في منصتها وفي مكان جلوس المشاهدين تحيط بها آثار إغريقية تجعل المكان جميلاً مبهجاً؛ فهو ليس مسرحاً فحسب بل هو أيضاً مسرح فني في تكوينه ومكانه، ويقع مسرح أبيذاروس في منطقة خارج أثنيا ويتسع لنحو أربعة عشر ألف مشاهد تقدم عليه كل عام عدد من المسرحيات التأريخية بأساليب كلاسيكية وأحيانا معاصرة، لكن هذه المسرحيات لا يحضرها سوى السائحين في باصات قد لا تجلب من أثينا سوى بضع عشرات من هواة المسرح بين السائحين في ضاحية خارج أثينا؛ ما يدفع بإدارة المسرح إلى فتح الأبواب مجاناً لأبناء الضاحية التي يقع فيها المسرح حتى تمنح إحساساً للممثلين بتقديم مسرحية أمام جمهور المشاهدين في حين يصعب الحصول على تذكرة في المسارح التجارية التي تقدم حتى بلغة بذيئة تثير ضحك وعبث الجمهور.

هذا المسرح كانت تقدم فيه المسرحيات في الهواء الطلق نهاراً.. مسارح مفتوحة لم تكن تعرف الكهرباء التي منّ بها توماس أديسون على البشرية في نهاية القرن التاسع عشر؛ فساعد اختراعه على بناء المسارح المغلقة وصالات السينما. ولأن المسرحيات تقدم ليلاً على المسارح التأريخية فقد زودت بالبروجكتورات المسرحية التي خسرت نكهة التاريخ نسبيا. كما يحاول بعض المخرجين إضفاء المعاصرة على النصوص فيلبسون شخوصهم الأزياء الحديثة فيما يعتمد آخرون لبس الأقنعة القديمة المعبرة عن الضحك والبكاء.

إن قراءة حقيقية للنصوص المسرحية المكتوبة عربيا تؤكد عدم وجود ثقافة مسرحية نظامية كنصوص أدبية ترتقي إلى مستوى المسرحيات العالمية، فيما قدرة الإخراج والتمثيل متفوقة على الكتابة، وأنا هنا أتحدث عن قاعدة وليس عن استثناء فقد مرت في تأريخ الحركة المسرحية مسرحيات تستحق الإعجاب حقا حتى لا نبخس حق المبدعين. لكن فن كتابة المسرحية لم تتبلور أسسه ولم ترتق المسرحيات إلى أعمال أبسن وآرثر ميلر وسترندبرغ وتنسي وليامز وكل عمالقة كتاب المسرح.

لقد انتعش المسرح التجاري ومسرحيات التهريج التي يظن البعض أنها تنتمي إلى الكوميديا، وفن الكتابة والأداء الساحر بسبب تدهور الوضع الثقافي الذي لعبت الفضائيات دورا في هذا التدهور؛ ما ساعد أيضاً على استقطاب كتاب الدراما نحو المسلسل التلفزيوني والابتعاد عن المسرح. وحتى هذا المسلسل الدرامي التلفزيوني مع أهميته لكنه غير مكتوب بشروط وقيم العمل الدرامي حيث الأجور المنخفضة للمؤلف وميزانية الإنتاج المحفوفة بالمخاطر تجعل المؤلف يعمد إلى الكتابة السريعة وإلى كتابة أكثر من مسلسل لأكثر من قناة ومنتج؛ فابتعد الكاتب عن الكتابة المسرحية وتوجه نحو الكتابة التلفزيونية المضمونة الإنتاج وذات المردود المالي مهما قلت قيمته.

لقد أصبحت مهرجانات المسرح هي المكان الوحيد للمسرحيات الجادة التي يمكن للمتلقي أن يتمتع فيها بالمشاهدة ويتلقى الثقافة الدرامية الحقيقية. كما أننا لم نعرف الباليه ولم نعرف الأوبرا والأوبريت سوى في تجربة الرحابنة في المسرحيات الغنائية. هذا الفن الذي يرتقي بالثقافة الدرامية إلى مديات ساحرة الجمال.

لو نظرنا إلى تأريخ المسرح الذي يؤرخ بمتذرعات أسخيلوس والتي كانت تقدم مرة كل عام والتي قادت إلى حركة مسرحية أدبية وفنية بلورت أسس كتابة المسرحية الكلاسيكية وتطورت في معاهد الدراما في العالم لاحقاً فإننا يجب أن نقرأ نص كلكامش قبل سبعة آلاف عام الذي شكل أول كتابة ذات أبعاد درامية، لكن هذا النص بقي نصاً مقروءاً، ولم تتوفر فرصة تحويله إلى أداء مسرحي كما حصل مع نص المتذرعات. وفي العراق وفي ذكرى عاشوراء تقدم منذ مئات السنين مسرحية في الهواء الطلق أمام جمهور واسع وهي مسرحية واقعة الطف، وتسمى (التشابيه)، والمقصود بها المحاكاة، وهي تؤسس لمحاولات أولى لمسرح شبيه بالمسرح الإغريقي. هذه التشابيه تقدم في الهواء الطلق بشخوص واقعة الطف وبمجاميع وخيول وسيوف وحركات إيمائية تعبيرية وبماكياج وأزياء تأريخية وبدون حوار، لكنها غير مكتوبة كنص مسرحي فتعتمد الكثير من الارتجال. والوحيد الذي مسرحها هو الكاتب المصري عبدالرحمن الشرقاوي في مسرحيتيه (الحسين شهيداً، والحسين ثائراً) اللتين لم تعتمدا للأداء من قبل فرق التشابيه بل ظلت تلك التشابيه ذات طابع إيمائي وتعبيري وارتجالي ودون حوار.

في مصر تبرز ظاهرة المسرح التجاري الكوميدي وأيضا مثل السينما بسبب عدد السكان فإن ثمة شريحة يستهويها المسرح كفيلة بتغطية عروض قد تمتد إلى شهر أو أكثر من شهر، ولكن فقط لمسرحيات هي أقرب إلى مجموعة من النكات والمواقف التي تستهدف إثارة الضحك دون حدود! إنها مسرحيات حوارية وكلام، سواء كان يعبر عن مواصفات وبناء شخوص أو دونها، وسواء له علاقة بفكرة أو دونها، وسواء أكان ذا علاقة بنيوية درامية أو دونها. أما المسرح الجاد فليس له مكان ومكانة بين الجمهور. وتبقى مهرجانات المسرح السنوية هي المكان الوحيد الذي تأتيه الذائقة من الجمهور، والذي لا يزال يعتبر الثقافة مثل خبز الحياة ولبنها.. ضرورة لقيمة الحياة.

ستبقى المسرحيات العربية والشرق أوسطية رهينة بتطور المجتمع واستتباب الأمن فيه. وطالما أن استقرار المنطقة محفوف بالمخاطر الحقيقية، وطالما أن العراق يغلي ولا أحد يتوقع طبيعة الانفجار وحجمه، ولا أحد يعرف نوايا المصالح والمجتمع الدولي؛ فإن ذلك ينعكس على عموم المنطقة وينعكس على الثقافة المرئية والثقافة الدرامية.. وكل شيء رهين بالمفاجآت.

نحن هنا في تقديري أمام مخاوف ثقافية حقيقية لو تأملناها بعمق وهي تحتاج ليس إلى مقالات بل إلى وقفة واعية وتحليل ومؤتمرات، وليست المقالات مثل ما أسطره الآن أو ما يكتبه الأصدقاء والزملاء من الكتاب، ليس سوى جرس الإنذار والتنبيه؛ فالواقع الثقافي الدرامي يتراجع، ولو أخذنا العراق مثلاً فإن كافة المسرحيين تناثروا في أنحاء الدنيا وتبعثرت قدراتهم واتخذت مسارات مختلفة وصار البحث عن فرص العمل والاستقرار بديلاً عن الإبداع وهموم الثقافة. ولبنان التي تدهور الوضع الأمني فيها تراجع المسرح بشكل واضح حيث في الحرب الأهلية اللبنانية كان المسرح ضرباً من ضروب المستحيل وما أن لملم جراحه حتى اشتعلت المشكلات السياسية والحروب الخارجية والداخلية. ونمو التيارات الأصولية وتناميها في مصر يؤثر سلباً ويشكل تراجعاً في الأعمال الدرامية المسرحية. المغرب العربي هو الأكثر استقراراً أو الأقل تدهوراً تنشأ فيه المسارح والمسرحيات ومهرجاناتها وتزدهر حركة المسرح التي تدعم أحياناً من قبل المؤسسات الثقافية الفرنسية. لبنان كان أيضاً يحظى بمثل هذا الدعم في تقديم مسرحيات لكنها ناطقة باللغة الفرنسية.

وفي بلدان الخليج ثمة حركة مسرحية تحاول أن تتلمس طريقها نحو مواقع الإبداع وتحتاج إلى خبرة أكثر لكي ترتقي بمسرحها، لكن مشكلة الخليج في تصوري تكمن في الجمهور وليس في فناني المسرح.

وفي إيران يتم تشجيع المسرح الديني والمسرحيات الدينية والإصلاحية بعكس السينما باعتبارها ثقافة مصدرة للخارج فيما المسرح ينظر إليه كعملية استهلاكية داخلية. وقد ظهرت بدايات لمسرح ديني يطلق عليه مسرح الحسينية يصار إلى تقديمه داخل بيوت العبادة التي يطلق عليها الحسينية، لكنها لم تحقق شرعيتها حتى الآن.

مما تقدم يمكن القول إن عامل الاستقرار وعامل الإبداع هما عمليتا جدل من الصعب تحديد أيهما أكثر تأثيراً بالآخر

*****

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب 7591 ثم أرسلها إلى الكود 82244

-هولندا sununu@wanadoo.nl


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة