Culture Magazine Monday  28/04/2008 G Issue 245
فضاءات
الأثنين 22 ,ربيع الثاني 1429   العدد  245
 

العلاقات الثقافية بين العرب وتركيا«3-3»
السعودية وتركيا نموذجا
د. أحمد الطامي

 

 

ما ذكرته في الجزأين السابقين يمثل الأسس الثابتة والمصادر الكامنة التي يمكن استثمارها لإقامة علاقة ثقافية قوية وفاعلة بين البلدين.

لكن هذه العوامل بحاجة إلى وسائل فاعلة لاستثمارها، وتفعيل دورها في علاقات ثقافية قوية ومثمرة. ووسائل تعزيز العلاقات الثقافية كثيرة. ويمكن تحديد عدة وسائل أرى أنها ستسهم بفعالية في إقامة علاقات ثقافية ناجحة بين البلدين. من هذه الوسائل:

1- تشجيع الترجمة بين الثقافتين

العربية والتركية

يشكل اختلاف اللغة أكبر عقبة بين أي ثقافتين. وحركة الترجمة بين اللغتين العربية والتركية ضعيفة، وغير مؤثرة، وتعاني من فقر شديد. والباحثون والعلماء في البلدين لا يضعون الترجمة بين اللغتين في اهتماماتهم. ويكفي أن نستعرض الكتب المترجمة إلى اللغة العربية من اللغات العالمية لنكشف ضآلة الترجمة من التركية إلى العربية. وقلَّ مثل ذلك من العربية إلى التركية. وهذه ظاهرة ليست خاصة بين اللغتين العربية والتركية، بل هي عامة بين لغات الشعوب الإسلامية الأخرى. فقد استأثرت اللغات الأوروبية - للأسف - بجهود الترجمة في الثقافتين التركية والعربية. وقد حرم ذلك الشعوب الإسلامية من الاطلاع على كنوز ثقافية تختزنها ثقافات الشعوب الإسلامية. لقد آن الأوان أن نستثمر الثراء الثقافي للعالم الإسلامي في بعث حركة ترجمة قوية سيكون أثرها إيجابياً على المستويين الإسلامي والعالمي.

إن الترجمة يجب ألاّ تعتمد على الجهود الفردية والاجتهادية، فالترجمة تحتاج إلى عمل مؤسسي مدعوم دعماً سخياً من القطاعين الحكومي والأهلي. كما أن اختيار الأعمال المترجمة يجب أن لا يخضع للاجتهادات الفردية، بل من خلال المؤسسات الثقافية التي يجب أن تختار ما يبرز الوجه الثقافي والحضاري والإنساني.

2- تكوين مشروعات ثقافية مشتركة

إن تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين لا بد له من برامج وخطط ومشروعات تضطلع بها المؤسسات الرسمية وغير الرسمية. فالمبادرات الفردية تزول بزوال أصحابها، أما العمل المؤسسي فيفترض له الاستمرار والنمو. لقد أشرت قبل قليل إلى غياب الترجمة بين الثقافتين. ويمكن أن تكون الترجمة مجالاً خصباً وواسعاً لمشروعات ثقافية لتبني أسساً ومنطلقات للعلاقات الثقافية. إن ترجمة الإبداع الأدبي شعراً ورواية وقصة قصيرة، وترجمة الفكر النقدي الأدبي، وترجمة الفكر الإسلامي، وترجمة الدراسات الإسلامية، والدراسات السياسية، والتاريخية، وغيرها، كلها مجالات رحبة لمشروعات ثقافية ناجحة تحتاجها الثقافتان العربية والتركية.

ومن أهم المشروعات الثقافية التي تنتظر الاهتمام والتخطيط والتنفيذ إظهار التراث العربي المخطوط في المكتبات التركية وتحقيقه وإتاحته للدارسين والباحثين. إن في تركيا كنوزاً من المخطوطات العربية تكونت وتراكمت إبان الفترة العثمانية. وفي تركيا عدد من المكتبات تحوي بين جدرانها عشرات الآلاف من الكتب العربية المخطوطة. أذكر على سبيل المثال المكتبة السليمانية، ومكتبة طوب قابو (الباب العالي)، ومكتبة سراي يلدز، ومكتبة سراي ضولمه باغجه، ومكتبة السلطان محمد الفاتح، ومكتبة السلطان أحمد، ومكتبات عاطف أفندي، وحاجي سليم آغا، ونور عثمانية، وراغب باشا، وغيرها.

وتعد تركيا من أغنى البلدان في المخطوطات العربية. والمخطوطات التي تختزنها المكتبة السليمانية مثالاً على هذا الثراء. يُقدر عدد المخطوطات فيها بـ 125 ألف مخطوطة عربية وعثمانية وفارسية، وخمسين ألف كتاب مطبوع. وقد تحولت هذه المكتبة في عام 1957 إلى مكتبة عامة. وتشكل الكتب والمخطوطات العربية الغالبية العظمى من مقتنياتها إذ تُقدر في حدود سبعين إلى ثمانين ألف مخطوط وكتاب، بينما تتراوح المخطوطات والكتب العثمانية ما بين 30 إلى 40 ألف، والفارسية في حدود 10-12 ألفاً.

وفي المقابل، يوجد في العالم العربي الكثير من الآثار العثمانية. وفي المملكة الكثير من هذه الآثار المعروفة والمطمورة. إن دراسة هذه الآثار وكشفها يشكل كذلك مجالاً خصباً لمشروعات ثقافية مشتركة.

3- تنظيم الفعاليات الثقافية بين البلدين

بادرت المملكة إلى هذه الوسيلة في شوال 1428هـ- أكتوبر 2006م، حين نظمت الأيام الثقافية السعودية في أسطنبول وأنقرة. وكان لي شرف المشاركة فيها بمحاضرة عن الأدب السعودي. وقد لاحظت مدى أثر هذه التظاهرة واستقطابها لآلاف الأتراك الذين جاؤوا برغبة الاطلاع والتعرف على بعض أوجه الثقافة السعودية. إن مثل هذه الفعاليات تسهم بشكل إيجابي في إثراء العلاقة الثقافية بين البلدين. والأمل أن تستمر مثل هذه الفعاليات بين البلدين.

4- التعاون بين الجامعات

الجامعات قلعة من قلاع الثقافة في كل بلد. ولا يمكن تجاهل أي نشاط ثقافي دون دور فاعل وأساسي للجامعات. وفي البلدين عشرات الجامعات التي يمكن لها أن تقوم بدور أساس في تعزيز العلاقات الثقافية. وهذا المجال يحتاج إلى مشروع اتفاقية بين الجهات المسؤولة عن التعليم في البلدين لوضع الأطر المنظمة للتعاون الثقافي بين الجامعات. من أبرز مجالات التعاون الثقافي بين الجامعات السعودية التركية تبادل زيارات أعضاء هيئة التدريس في الجامعات، والاهتمام باللغتين العربية والتركية، ومشروعات الترجمة المشتركة، والاهتمام، وتوجيه بعض تخصصات الدراسات العليا للآداب والعلوم الخاصة بالبلدين، وغير ذلك.

5- إعادة قراءة تاريخ العلاقات

التركية العربية

وخاصة فيما يتعلق بتاريخ الدولة العثمانية والدولة التركية الحديثة، وقراءة هذا التاريخ قراءة موضوعية صرفة تستفيد من إيجابياته بتوظيفها لدعم هذه العلاقة، وتفحص السلبيات بغية تلافي إسقاطها على الواقع الجديد الذي يربط الشعبين العربي والتركي.

6- القنوات الفضائية

لقد أصبح البث الفضائي وسيلة ثقافية هامة. إذ إن المشاهد العربي تتوفر أمامه عدد من القنوات باللغة العربية من عدة دول غير عربية، تهدف إلى التعريف بثقافات بلدانها. فعلى سبيل المثال نجد كلاً من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة لديها قنوات عربية موجهة للمشاهد العربي. نتمنى أن نجد قناة تركية باللغة العربية تنقل لنا الثقافة التركية. وفي ذات الوقت، نتمنى إنشاء قناة عربية باللغة التركية موجهة للمشاهد التركي تنقل له الثقافة العربية. إن مثل هذا المشروع سيسهم بفعالية في زيادة التقارب بين العرب والأتراك على المستوى الثقافي والشعبي والسياسي.

هذه مقترحات مشروعات ثقافية أزعم أنها ستثري العلاقات بين العرب وتركيا، وفي الأفق مشروعات كثيرة لا يتسع المقام للخوض في مجالاتها واحتمالاتها.

وخلاصة القول إن العلاقات الثقافية السعودية التركية ينتظرها مستقبل واعد مشرق إذا تهيأ لها ما يفعِّلها ويستثمر إمكاناتها. إن هذه العلاقة الثقافية لن تكون سعودية تركية فقط، بل ستكون عربية تركية. فالمملكة العربية السعودية تظل بلداً عربياً مسلماً، واللغة والدين ركنان أساسيان من أركان الثقافة.

لقد آن الأوان لعودة العلاقات التركية العربية إلى الحميمية والتكامل، وتجاوز السلبيات التي شابت هذه العلاقة طيلة أكثر من قرن. إن ما بين العرب والأتراك من القواسم المشتركة وعناصر التقارب والهموم المشتركة أكثر بكثير من عوامل الفرقة والقطيعة.

- بريدة


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة