Culture Magazine Monday  02/02/2009 G Issue 269
عدد خاص
الأثنين 7 ,صفر 1430   العدد  269
مفخرة وطنية
د. عبدالعزيز الخويطر

 

أبو عبدالرحمن صديق قديم، وأخ حبيب قريب من القلب، يدخل قلب من عرفه بدون استئذان، لما يتحلى به من خلق حميد، وحسن تعامل، ولطف محادثة، وحسن حديث، وحسن استماع، جاء هذا نتيجة طبيعية وسجية وفطرة، صُقلت بالعلم الواسع، وجمال التدبر، والمقدرة على الاستفادة عملاً بما يأخذه نظراً.

عرفت أبا عبدالرحمن منذ عام 1381هـ عندما تجاورنا في الملز، على ضفاف شارع المتنبي، طيب الله ذكره (قصدي ذكر الشارع!)، فعرفت فيه صدق الأخوة، وكمال الوفاء لأصدقائه ومعارفه، وأول من قدمني له كرمه ومكتبته، أما الكرم فكان لا يهنأ بوجبة إلا ومعه شريك على الأقل، أما على الأكثر فلا حد لذلك، وأما مكتبته فكانت عامرة بالكتب من كل صنف، فكان يختار ما يرى فيه نفعاً، ويلتهم ما في هذه الكتب التهام الصائم عند الفطار، وكان يعطي الكتاب حقه من القراءة والتدبر حتى إذا لم يكن المؤلف يسير على خط واحد مع قطار فكره ومعتقده، ولكنه شجاع وواثق من نفسه، ولو كان المخالف أمامه أقنعه بما رآه مخالفاً لفكره، ومعروف موقفه من عبدالله القصيمي.

لعل أبا عبدالرحمن الكاتب الوحيد الذي أحرص ألا تفوتني قراءة كلمة يقولها، أو يكتبها في مجلة أو صحيفة، ببادرة منه، أو على أثر سؤال يوجه إليه، أو مقابلة تجرى معه، لأنه رجل مبدع، ويأتي منه من الآراء السديدة ما لا يتوقعه المتابع، وهذا يدل على أنه مستقل في رأيه، وينطلق فيه من عقيدة راسخة بنيت على ثقافة عميقة وواسعة، وعلى تجربة طويلة، استفاد من كل وحدة فيها.

أبو عبدالرحمن مفخرة وطنية، ولا أغالي إذا قلت إنه لا يوجد له مثيل في العلم والثقافة في زمننا هذا، وقد استوعب كثيراً من علوم الشرع، وعلوم اللغة، وحقب الأدب، وجاء هذا الادخار في العلم من المتابعة والتقصي والإحاطة الكاملة بما يتجه إليه، وبما يعطيه العناية، مما يعرف أنه حقيق بالخزن والاستيعاب، ببصيرة ثاقبة، وفكر منير.

من حسن حظه أنه، وهو شاب، بدأ صلته بابن حزم الظاهري، فأخذ منه آراءه، وتعلم منه الاستقلال بالرأي المبني على التبصر، يعضد هذا حسن قصد، وسلامة نية، واتباع لما يمليه الفكر الخير، والقلب الواعي، المملوء بتقوى الله، وطلب رضوانه، والاتجاه إلى الأندلس اتجاهاً لم يتم إلا لقليل من الناس الموفقين، سواء في الآراء الدينية أو الأدب أو التاريخ، فابن حزم وأمثاله من أصحاب الأفكار السليمة، والإبداع في الاستنباط، والمقدرة على الاستنتاج، أضاءوا طرقاً ليت المشرقين الحاليين التفتوا إليها التفاتة أبي عبدالرحمن، ومثل هذا يقال عن ابن خلدون، وما خطه من طريق موصل إلى تنقيح التاريخ، وتقويم معوجه، وفي الأدب ما يغري بالالتفات إلى ما تميز به أدب الأندلسيين.

ومن حسن حظي أني تعرفت على هذا الأدب المتميز وأنا في المرحلة الثانوية بقراءتي لكتاب (نفح الطيب) للمعري، ومنذ ذلك الوقت والأدب الأندلسي له مقام واسع ودافئ في نفسي.

في ختام كلمتي المختصرة هذه عن أبي عبدالرحمن بن عقيل أقول إنه كاتب ذو أسلوب جذاب، وفكر عميق، وآراء متجددة، مع عمق في البحث، ومتابعة، مستمرة، وكأنه يطبق القول: (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد) يفاجئك بالخروج عن المألوف، ويضعك في موقع تحمده، وتقول: كيف لم أتنبه لهذا، يسير في أحاديثه على سجيته، لا يتكلف، واستطراده مقبول، بل ومقدر، وهو أحد جوانب جاذبيته، وقد يأتي من الاستطراد فوائد يجد القارئ أنها تزن الحديث الأصل الذي بدأ به، أو سئل عنه.

يفاجئ القارئ أو السامع بتطرقه إلى أمور يُظن أنه وأمثاله لا يجيدونها، فيأتي بالعجب العجاب، مما قد تفغر الأفواه تعجباً منه وإعجاباً، وهذا لا يستغرب من عالم قضى سنوات من عمره وهو شاب يلتهم ما يقع تحت يده، ولا يرى أن هناك كلمة خطت على الورق لا تستحق أن تقرأ، وأن يتمعن فيها.

آخر جهود أبي عبدالرحمن إنشاؤه مجلة (الدرعية) وهي مجلة موثقة، وتؤدي دوراً بارزاً لا يؤديه إلا هي، ولا شك أن فكرة إنشائها كانت أمراً محموداً، جاء نتيجة تفكير عميق تجاه الغرض الذي سوف تخدمه.

هذا قليل من كثير مما يمكن أن يكتب عن أبي عبدالرحمن، وما هذه الكلمة إلا مشاركة سريعة فيما سيكتب عنه في الثقافية.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة