Culture Magazine Thursday  02/04/2009 G Issue 277
فضاءات
الخميس 6 ,ربيع الثاني 1430   العدد  277
إسماعيل فهد إسماعيل.. مسرحياً
قاسم حول

 

قرأت مسرحية (للحدث بقية - ابن زيدون) كتبها الروائي إسماعيل فهد إسماعيل. لم أشتر الرواية من المكتبة لعدم توافرها حيث أعيش في هولندا، ولم يرسلها المؤلف لي بالبريد، بل أهداني إياها وأنا أزور مكتبه لأول مرة في الكويت بتاريخ الثلاثين من شهر يناير من هذا العام 2009م.

أظن أنه العام 1957 عندما كنا في رحلتين متجاورتين في المدرسة وفي صف واحد في مدينة البصرة وعملنا في ورشة النشاط الفني معاً. كان معجباً بلوحات الرسم التي أرسمها بالألوان المائية. هكذا ذكرني وكنت أمثل أدواراً مسرحية في الورشة قبل أن أنقل نشاطي إلى خشبة المسرح.

لم تمر سوى سنوات بعد أن غادرت البصرة للالتحاق بمعهد الفنون الجميلة في بغداد ثم أؤسس فرقتي المسرحية وشركتي السينمائية ومجلتي السينمائية وكلها تحمل اسم اليوم مسرح اليوم وسينما اليوم وأفلام اليوم. أنتجت فيلم الحارس. كتبت قصته ومثلت فيه لأجد في المكتبات مجموعة قصصية تحمل اسم (البقعة الداكنة) وعلى الغلاف اسم صديقي إسماعيل فهد إسماعيل؛ فأدهشتني تلك القصص القصيرة.

وعندما غادرت العراق مجبراً إلى بيروت عام 1970 وعملت مع الكاتب الكبير غسان كنفاني في بيروت وتسلمت القسم الثقافي في مجلته (الهدف) وجدت على مكتبه ذات يوم رواية المستنقعات الضوئية لإسماعيل فهد إسماعيل. حدثني غسان عن موهبة روائية جديدة بزغت في الوطن العربي وكان معجباً بأسلوب الرواية. قال لي في هذه الرواية إشارة إليك. قلت: أين وكيف؟ مع أن الكاتب صديقي وزميل دراستي ونحن عملنا مشترك في الورشة الفنية للمدرسة. قال لي: ألم تكن أنت صاحب فيلم الحارس؟ قلت له: نعم، قال: في الرواية إشارة لهذا الحدث الثقافي في أحداث الرواية.

قرأت الرواية وأعجبني أسلوب التداعي فيها والصيغة السينمائية التي تقترب من السيناريو دون أن تفقد مفردات لغة التعبير الروائية.

لم أقرأ لصديق الصبا عملاً مسرحياً بل قرأت رواياته وقصصه، لكنني تأملت كثيراً مسرحيته الجديدة (للحدث بقية - ابن زيدون) وهي عن محاكمة ابن زيدون، صدرت عن (الدار العربية للعلوم ناشرون) مشاركة مع دار الاختلاف؛ فالمسرحية التي عنونها (للحدث بقية) هذه البقية هي العلاقة بين التاريخ والمعاصرة حيث لا يزال ألف ابن خلدون يحاكم اليوم وهذه هي بقية الحدث.

المسرحية مشوقة وتداخل أحداث اليوم ولغة اليوم وإسقاطها على التاريخ كما أن أحداث التاريخ مسقطة هي الأخرى على ما يجري اليوم جاءت دون أن تخدش الحدث التاريخي الذي هو امتداد لما تبقى من الحدث لما يحصل اليوم للمثقفين الذين يحاكمون أو يصار إلى اغتيالهم. طريقة اللغة الحوارية تنسي القارئ أحياناً أن الأحداث تجري في قرطبة في العام 394 هجرية 1003 ميلادية وتضعه في ما نعيشه اليوم.

هنا في هذه المسرحية لا يكتفي الروائي إسماعيل فهد إسماعيل بكتابة المسرحية أدبياً بل هو يعمل في كتابته لكي يكون مخرجاً للمسرحية على الورق. وفي ذلك شبه تحديد لمهمة المخرج أو ربما إحساس من الكاتب أن المسرحية سوف تقرأ أكثر مما تشاهد؛ فحظ المسرحية العربية قليل على المسارح لانحسار ثقافة المسرح؛ ولذلك ربما أراد أن يضفي ثقافة فنية للمتلقي، إضافة إلى الثقافة الأدبية. بالنسبة إليَّ كنت أتمنى أن لا يضع الكاتب ملاحظاته الأدائية لشخوص المسرحية ويكتفي بالحوار سوى عندما تقتضي الضرورة ذلك؛ فالحوار نفسه وطبيعة المفردة وتكوين الجملة وثيمة المونولوج والديالوج تعطي بالضرورة شكل الأداء ويتداخل معها موقف المتلقي ورؤيته الذاتية للحدث ولشخوص المسرحية، ثم إن الأداء والإخراج هما رؤية ذاتية؛ ولذلك لا يتشابه ممثلان ولا مخرجان في الدور الواحد والمسرحية الواحدة، خصوصاً أن المؤلف راح إلى أبعد في تحديد رؤية ما كان عليها الإيحاء بها كأن يقول مثلاً تصمت الجوقة لثانيتين أو تقول الشخصية الفلانية حوارها بفخر أو بتململ. إن طبيعة المشهد والحوار وتنامي الشخصية والحدث هي التي تحدد شكل الأداء وهو ما نطلق عليه (بين السطور) في تحليل المسرحية وشخصياتها. هذه الملاحظة شكلية لصديق مبدع وحنون متألق في إبداعه ولا تقلل من أهمية المسرحية وجمالها.

في أحداث هذه المسرحية التي تدور قبل أكثر من ألف عام نسمع في المسرح صوت فيروز ولكن وهي تغني: (والله ما علقت نفسي بغيركم ولا اتخذت سواكم في الهوى بدلا)؛ فيقول ابن زيدون: (الصوت أجمل من الشعر)، كما تتداخل ألفاظ متداولة باللهجة المحكية في حوار لحدث كلاسيكي ولكن بطريقة انسيابية مثل نسمع كلمة متداخلة في مثل هذا الحوار (على الريحة).

لقد لمست وأنا أقرأ المسرحية وأتذكر عملنا في ورشة المسرح والفنون الأولى في حياتنا المدرسية أن صيغة سلسة من البنية المسرحية جعلت الأحداث تسري في الرواية وتتطور بحيث يتمتع فيها القارئ قبل المشاهد؛ فالمسرحية لعامة القراء هي قليلة التداول بل هي للمسرح ولنخبة المسرحيين والمثقفين، أما القارئ فهو أكثر ميلاً إلى الرواية من المسرحية، ولكني شعرت بأن القارئ يتمتع بهذه المسرحية كما لو كان يقرأ نصاً روائياً، وهذا ما جعلني أتوقف وألوم عند كتابة الملاحظات الكثيرة ذات الطابع التعليمي في الأداء. لم أكن أشعر بأن المسرحية كانت بحاجة إلى كثير من الملاحظات. لو اعتمدت وصف المشهد مع سلاسة الحوار الذي كتبت فيه لكانت أكثر قرباً إلى القارئ؛ فهذه الملاحظات ذات الطابع الأدائي لا تخدم النص.

وهنا يأخذني الحديث إلى ما يتعلق بسيناريو كتبه إسماعيل فهد إسماعيل ويريد طباعته؛ فشاهدت وأنا أتصفح النص الذي لم يطبع بعد تعبيرات تقنية سينمائية شبيهة تقريباً بتلك التي قرأتها في النص المسرحي. لقد نصحه المخرج التونسي الزميل رضا الباهي بأن ينشرها كما هي في رغبة منه بنشر الثقافة السينمائية لدى المتلقي؛ حتى يعرف القارئ معنى السينما ومعنى السيناريو السينمائي. هذه التعبيرات - من وجهة نظري - هي خاصة بما نطلق عليه الديكوباج؛ أي النص المعد للتصوير بلقطاته وأحجام اللقطات وزوايا الكاميرا وطبيعة النقلات. من حق كاتب السيناريو أن يوحي للمخرج بمثل هذه الانتقالات ومفردات لغة السينما، ولكن ذلك ضمن سر الكتابة والديكوباج، القارئ غير معني بها بل هي تتعبه أحياناً. وهناك طريقتان لنشر النصوص السينمائية، الأولى ذات طابع أكاديمي مدرسي بمعنى أن يفرغ الفيلم كما هو على الشاشة وينشر في كتب ومجلات متخصصة تعني طلبة السينما وصانعي السينما، وهناك طريقة لنشر السيناريو متخلصاً من هذه المفردات والتقنيات؛ فيصبح النص مثل الرواية يغري بالقراءة ويتمتع المتلقي بثقافة سينمائية روائية، وهذه صيغة من صيغ الثقافة الأدبية والفنية لم نعتد عليها بعد في عالم الثقافة في بلداننا.

وعودةً إلى مسرحية (للحدث بقية - ابن زيدون) الذي شكلت مطولته (أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا.. وناب عن طيب لقيانا تجافينا) عموداً فقرياً أو فقرات في عمود بناء المسرحية واستقامتها، تأتي هذه القصيدة لتمسرح لنا حدثاً في التاريخ يوم سجن ابن زيدون على يد ابن عبدوس من بطانة أبي الحزم بن جهور، ويتم تهريبه متزامناً مع موت ابن جهور وتولي أبي الوليد الخلافة. من خلال هذه الحادثة يقرأ الكاتب إسماعيل فهد إسماعيل التاريخ وواقع الثقافة والناس والحرب التي اشتعلت في الكويت وتحريرها من خلال الأفرنجة للتداخل بين الماضي والحاضر.

تمتعت بقراءة النص كثيراً وقادني هذا النص إلى افتراقنا في البصرة حيث التقيته في الكويت بعد كل هذا البعد ثم ذهبت إلى البصرة لأرى مدينتي والأهل بعد غياب أكثر من ثلاثين عاماً بعد أن أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا!

***

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«7591» ثم أرسلها إلى الكود 82244

هولندا sununu@ziggo.nl

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة