Culture Magazine Thursday  02/07/2009 G Issue 290
الملف
الخميس 09 ,رجب 1430   العدد  290
الواقعية في فلسفة عابد خزندار
فاروق با سلامة

 

ليس مقالي انتقادا للأستاذ عابد خزندار - ونحن نكرمه مع مكرميه - بقدر ما هو تذكير كما قال الرافعي قي كتابه حول القديم والجديد: فإذا جاء هذا التحديد من طه حسين اليوم فإنه قد يأتي يوم يكون من آخر فلسنا نلوم طه بقدر لومنا من يأتي بعده.

يعد عابد خزندار أستاذا في الحداثة وفيلسوفا في الحب، وكاتب هذه ملامحه الأدبية وسماته الثقافية فإنه يغرق في النقد بكل كلكله ورجليه لأنه فيلسوف بلسانه ومتحدث بقلمه ومجدد بفكره.

لكنني أختلف معه في واحدة من مسائله الفكرية حينما يمسك بالعقل ويجعله المعيار الأوحد للكلام سواء في قراءته للحب أو في معنى المعنى وحقيقة الحقيقة أو حتى في موت الشعر.

(قراءة في كتاب الحب)

يصر الأستاذ عابد على أن يكون الحب واقعا إنسانيا محضا لأنه - كما في نظره - واقع لا بد منه بشتى الطرق وفي جميع المنحنيات الدنيوية، والمستغرب أنه يجعل الحب لصيقا باللغة مع الواقع وفي ذلك من المجازفة في النقد بما لا يحتمل! والأغرب من هذا وذاك جعله ذلك كله قراءة للحب في كتابه الكبير.

ومعروف أن الشعر الذي طالما حدثتنا الإنسانية به عن الحب إنما يعبر به عن الحب كهيام. ألم تسمع عبد الملك بن مروان حينما سأل كثّير عزّة عن الدّين الذي وعدته إياه في قوله:

قضى كل ذي دين فوفي غريمه وعزة ممطول معنى غريمها

فأجابه ذلك قبلة لم توفنيها!!

فانظر إلى هذا البيت وقوة ودقة سبكه من أجل أمر لم يقع!!!! ومع ذلك عبر به وهميّا وليس واقعيا باللغة كما في كتاب الخزندار وهو يقرأ كتاب الحب!! لأن الحب معنى ملفوظ وليس بالضرورة واقعيا. ومؤسف أن يجعل الحب عابد ثالوثا مع الواقع واللغة في حين أن الحب تعبير جميل عن الهيام والغرام ليس إلا. دع عنك ما يقال من أن أعذب الشعر أكذبه فذلك ما لم نبغه!! فالحب فلسفة وفكرة وحلم وليس لفظا وواقعا وحبا فحسب، بل إن الحب دين وإيمان أيضا. لذلك كان من رأي الرافعي:

الحب سجدة عابد ما أرضه إلا جبينه

الحب أفق طاهر ما لم يدنسه خؤنه

قلبي يحب وإنما إيمانه فيه ودينه

ولئن تبينت فلسفة الخزندار كواقع فعلي حبا ونعة وحسا وتجلت في حديثه عنه وقراءته في كتابه، فهذه ظاهرة نقدية عند كثير من النقاد الذين تأثر بهم أمثال: بارت والفلاسفة أمثال فرويد والحداثيين أمثال جابكسون، ومع تأثره الشديد بعبد القاهر الجرجاني فإن عابدا جحده، وهنا أتذكر تفسيره للآية الكريمة في قوله تعالى (قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين) قال: العابدين هنا جمع عابد بمعنى جاحد!!!! والجحود الخزنداري لعبد القاهر الجرجاني مرده غرقه في النقد الحديث واستغراقه في دراساته عن الحداثة والحداثيين، وهذا ما شغله عن أبي البقاء الذي لم يعرفه زاعما ذلك في (مستقبل الشعر..موت الشعر) حينما ذكره الشيخ محمود شاكر ويقصد به الإمام أيوب بن موسى الحسيني الكفوي صاحب كتاب الكليات الذي لم يقرأه فيلسوفنا وهذا مؤسف، ولست بمستطع أن يكون صاحبنا اطلع عليه لأنه يملك ثروة تراثية ولكن (فوق كل ذي علم عليم) فالخزندار قاريء تراثي صميم فوق قراءاته الحداثية والعصرية ولو أن وجد في جيل بعد جيله أمثاله من القراء التراثيين لما غلبتهم الحداثة بقضها وقضيضها، ولكن إرادة الله التي ليس لها من مرد. فأنا أشتغل في مكتبة للقراءة لا يأتيني فيها من جيل اليوم من الشباب إلا صغارهم بدعوى قراءتهم في النت وإذاجاءوا كثيرون جاؤوني ليستعيروا كتابا ليأخذوا سطرا منه في البيت ثم يعيدونه أولا يعيدونه وهذا يعني إفلاس العلم لا الكتاب وانعدام الحداثة لذائقة الأدب والعلم والتفكير المنطقي!!!!

(والذين يمسكون بالكتاب) صدق الله العظيم

على أن مؤلفات الخزندار يمكن وصفها بموسوعة الحداثة الجديدة بعد أدونيس على أقل تقدير إذ أنها تشكيل التعبير عن إشكاليات وقضايا الحداثة المعاصرة ولا يغيب عن البال ثقافته الأدبية الواسعة العربية منها والغربية سواء الانجليزية أوالفرنسية ومع ذلك انظر إلى كتابه (مستقبل الشعر.. موت الشعر) ففيه ما يدل على وسع ثقافته العربية القديمة بالذات. فهو يطرح اللغة والشعر كأساسيين للأدب الإنساني سواء كان هذا الأسلوب غربيا أو عربيا، قديما أو حديثا وذلك إلى إضافة (معنى المعنى وحقيقة الحقيقة) ككتاب يفلسف معنى الأدب بمفهوم الناقد المحب والفيلسوف المنطقي والمفكر المجدد.

فلسفة عابد لا تنحصر في الحب الذي ورد في الشعر أو في نقده للأدب بل هي فلسفة فكرية كتابية واقعية يكتبها في كل مكان يستطيع وفي الأزمان التي عاشها شرقا وغربا، يقرأ كتاب الحب ل يفلسفه وينقد أدب الكتاب ليفكر القاريء به فيصحو فكر القاريء بأعجوبة ويفهم هذا القاريء بوعي.

فأي فيلسوف حداثي مر علينا مثل هذا العابد وهذا الخزندار العجيب!!! إنه حداثي غير تقليدي بل مؤصل وهو محب غير كاذب بل صادق في حبه وعندما يفلسف ذلك يأتي بقلمه فيأتي بالغرائب والعجائب.

إنه يذكر بأدونيس تارة وبكولن ولسن تارة أخرى مع الفرق في الرؤية والانتقاء، ومع فوارق الهوية والانتماء، فهل هو فيلسوف ناقد أو كاتب مفكر أو محب وشاعر؟

الواقع أن عابدا كل في ذلك وأهل لهذه الصفات والمزايا التي تعطينا إشارات إلى تفكيره الأدبي وثقافته النقدية وحداثته الكتابية فهو في ذلك كله يعطي أكثر مما يكتب وله فضل كبير على أهالي الحجاز اليوم بمكتبة الخزندار في جدة التي يوفر لهم فيها الكتب والصحف الأجنبية التي لا تتوفر في كل جدة سواها.

فهذه إضافة ثقافية لعابد تعتبر عملية الواقع لكنها ثقافية المبدأ.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة