Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
أفق
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
مقاربة
إبراهيم الوافي في روايته (رقيم)
مشاهد الفقد.. تتخلق في سيرة البطل (رقيم) وذكرى (فاتن)
عبدالحفيظ الشمري

 

تغوص رواية (رقيم) .. تلك الحالة السردية التي اختطها إبراهيم الوفي في دهاليز الحياة البسيطة، ليستنبط للقارئ مكنون مجتمع عبر إلى النسيان، لكنه يبدع في وصف الحياة الدقيقة حول الشخوص المحملين على روي واحد هو يتمثل بالبساطة والعفوية والبحث عن الذات في ظل متغيرات كثيرة.

(رقيم) البطل، أو الشخصية المحورية في العمل ينبع من المجتمع لا يناصبه العداء إنما يوقعه في معضلة البحث عن الذات مبكراً، لأنه قد عرف اليتم والفواجع باكراً، بل إن همومه في هذه الرواية التي تفنن فيها الوافي تصب في خانة أن يكون إنساناً في ظل غياب الإنسانيات، فذاك هو الملمح الجاد، والتقارب الموحي دائما بأن البطل لا يفترق عن الشخوص الآخرين إلا بمقدار حزنه وألمه، ومحاولاته ترتيب الحياة عن نحو يكفل لقصته أو حكايته الكمال والتمام.

فحكاية رقيم قد تجدلها الكثير من الشبه مع حكايات مجتمعية أخرى إلا أن الروائي الوافي برع في تأصيلها واستهداف حالة الوعي من خلالها لتكون شهادة غير عادية على المجتمع الذي ظل يعاني من فقد الهوية والهدى حتى مع أبسط حقوق الناس على نحو الفصل التعسفي بين الناس وصناعة تلك الطبقية التي تعرف عادة بصراع الإرادات، ليأتي السرد لدى (رقيم) مفعماً بخلاصة التجارب لشخصية عانت من اليتم وهاهي تصوغ من مفردة خطاب جمالي نابه.

ثنائية الشاعرية للمكان، والزمان هي رسالة عني فيها الكاتب الوافي وأتقن رسم تفاصيلها، حيث تمت سيرة شاعرية المفردة حتى تطال كل وصف يجسد مشهد الحب الذي ينبع من أعماق (رقيم) الذي أولع وهام بتلك الفتاة (فاتن) التي ظلت على حياد المشاعر وإن بادلته بعض الاهتمام إنما هو من عني بكل تفاصيل سيرة الوجد، لتجسد الرواية أو الحكاية عالماً مترامياً من مشهدية العاطفة الحادة .. تلك التي كونت شاعرية الموقف، لتبيت الفتاة (فاتن) في بؤرة الحدث الذي عني فيه رقيم ولم يشأ له أن يغادر أي صغيرة أو كبيرة في هذه العلاقة التي اتخمت في سرديات هذه الرواية.

تسير رواية (رقيم) نحو أحداث يتفنن الراوي العليم في تدوينها في العمل، فشخصية سالم وعائلته، وفاطمة، وأخته نجوى، ووالد فاتن (حامد) وزوجته ، وآخرين تتواتر شهاداتهم، أو حكاياتهم الثانوية في العمل لتكون هذه المشهدية الباذخة لصورة الحب الذي سجل حضوره الطاغي فبات هو المحرك الرئيس، فحكاية رقيم وورم (فاتن) الأليم جاء متأنقا بصور شعرية لا يقوى على صياغتها إلا من يدرك حقيقة الحب، حيث تهاوى الحلم بموت الفاتنة في عينيه (فاتن) لكن السرد لم ينته بعد، إذ ظل الفضاء الحكائي معبئاً بالكثير من الصور التي تدور على هذا النهج الإفصاحي المتواتر في الفصول الثلاثة من الرواية.

بين الشعر والخاطرة تذهب بطانة السرد إلى أقصى نقطة في الحضور المبهج، والهجس الفاتن، حتى أن القارئ يكتشف دون عناء أن القصة أو الحكاية محملة على ألق باعث الطفولة المتمثل بالوداعة والطيبة والعفوية .. فكيف بمقدور رقيم أن يبثها في شخصية (فاتن) الأثيرة لديه رغم موتها، ورغم ما استجد في حياته وعلاقاته على نحو مشروعه العاطفي مع (جاكلين) وخروجه عن نمط القرية إلى تخوم المدن .. في بيروت تحديداً حيث نسج الوجه الآخر لحكايته مع المرأة، ولم يلبث إلا أن غادر إلى القاهرة يدوي صوت الحياة المعبأة بالعاطفة والشوق، والبحث عن الذات في صوت سيدة تخاصره في المنبت حيث تقترب الجذور إذ هي من تخوم بلاده تلك المتمثلة في شخصية (منى) .

عني (الوافي) بسيرة أخرى ل(رقيم) حيث عكف على اقتفاء أدق تفاصيل الحياة التي يعبر فيها بطل حكاية الباحث عن ذاته منذ سيرة فاتن وحتى النهاية بشخصية (دينا) وما أكثر ادوار النساء في هذه الرواية التي حشد فيها الكثير من الصور فكان الحب والبحث عن الذات، وبناء مجد العاطفة هي من حكمت الرواية من ألفها إلى يائها.

* * *

إشارة:

رقيم (رواية).

إبراهيم الوافي.

دار الانتشار العربي بيروت 2009م.

تقع الرواية في نحو (246صفحة) من القطع المتوسط.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة