Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
أوراق
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
في معلمة عبدالله عبدالجبار
فاروق صالح باسلامة

 

في معلمة عبدالله عبدالجبار أدب ونقد وفكر من خلالها رسم خطته الثقافية نشاطاً عقلياً وعملاً إنسانياً في خضم حركة الثقافة العربية. هو أديب وطني مخلص ومثقف عربي ومفكر إنساني.

خاض عباب بحر الأدب ونقده شعراً ونثراً وأبان مستويات الشعراء والكتاب النثريين جودة وريادة ورصانة.

أعماله دلت عليه ناقداً للأدب وذائقاً للشعر وعارفاً بالثقافة.

في (التيارات) نجده ذلك الأديب الذواقة والناقد البصير بهدوئه وشدته وسكونه وشجونه ولينه وعنفوانه. كل ذلك حباً منه لهذه الجزيرة الأدبية الشاعرة بأدبائها وشعرائها وكتابها وفنانيها المبدعين. مسح ميدانياً النتاج للفكر الأدبي في قلبها بتياراته وأقسامه وفروعه. وأعلامه ودواوينهم ومؤلفاتهم الشعرية والأدبية.

نظر الفكر الأدبي تنظير الأديب وبصره تبصير الذائق المفكر فجانب النقد من حيث أراده ولكنه لم يجانب فلسفة النقاد ورأي البصراء بالشعر وأهله والأدب ومشاهيره والفن النثري وكتابه.

هذه ميزة عبدالله عبدالجبار، هذه فكرته الثقافية ورؤيته الأدبية وتذوقه الفني.

اللغة وما أدراك ما لغة كتابته وأعماله؟ إنها من السهل الممتنع، إنها مبسطة في مفهوم اللغويين. سهل التناول لكنه مدرك بمعانيها الفصيحة وأسرارها البليغة. يكفي فيما كتبه من الأعمال الكاملة التي جمعها الأديبان محمد سعيد طيب وعبدالله فراج الشريف جزؤها السادس الحاوي لمقالاته المتعددة وليست كلها بطبيعة الحال. إقرؤوها تجدوا بصيرته اللغوية لا في تصحيحه لما يقرأ من آثار الأدباء الذين تناولهم بل من خلال الأسلوب المنساب على هذه المقالات لغةً وأدباً ورشاقة.

لا أقول جديداً عنه ولكنني أكتشفه متجدداً ومجدداً، لا من خلال التلقي الشخصي كما لاقيت - منذ شبابي: محمد سعيد العامودي، أحمد عبدالغفور عطار، طاهر زمخشري، محمد حسن عواد، عبدالعزيز الربيع، عبدالقدوس الأنصاري، ولكن من خلال هذه الأعمال الأدبية العتيدة التي من خلالها مؤلفاته العديدة وجدته ذلك الكاتب الأديب والناقد المثقف والشاعر الإنسان فيها.

عبدالله عبدالجبار كاتب فنان، وناقد ذواقة، ومثقف رفيع. هو صنو يوسف عز الدين من العراق، ومحمد عبدالمنعم خفاجي من مصر، وعلي عقلة عرسان من الشام، وعبدالكريم غلاب من المغرب، وأحمد الشامي من اليمن.

لا يكاد يخرج عن الخط الأدبي بثقافة الناقد فهو ينقد الأعمال الفكرية بأدبه وثقافته. يبصر أصحابها بالأفكار المطروحة تصحيحاً لجوهر العمل وفكرته بل ولغته وأسلوبه فيغدو مثقفاً وهو ينقد هذا العمل ويطرحه برؤيته فيقيمه ويصلح معوجه أو يقول لصاحبه أنت كتبت في الإبداع وكتبت في ثقافتك الأمر الذي يشي بالفكر أكثر من النقد وبالثقافة أطول وأعمق من الأدب.

هذا شأن تفكيره وثقافته ورؤيته التبصيرية أو التنويرية للأعمال التي يعرضها. ويوم كان في مصر ولندن واصل هذا التوجه وتابعه بل وغرق فيه حتى أخمص قدميه. لم يتوقف عبدالجبار عن التنظير ولم يتوان عن التفكير في هذا الاتجاه الفكري والثقافي وهو الأديب بثقافته والناقد برؤيته والمفكر بتنظريه فكتب وأسهب وألف واسترسل كما في المجلات الأدبية والثقافية هناك وكما في بحوثه (الغزو الفكري) وقصصه وبعض المسرحيات الأدبية.

هو أديب لكن بأسلوب المثقف، ومنظر ولكن بروح الفيلسوف ومثقف لكن بالمعرفة، ويوم قدم المقدمات للكتب حاشيته أن يقدم لكتاب إحداهن في إطار هذا العمل وأين منها هي من فكر الأستاذ؟ بل أين كتابها من حديث الكتب الذي عمله في (المقدمات). هذا رأيي. وللأستاذ أن يرى ويبدع. ثم هو في (الغزو الفكري في العالم العربي) الورقة المقدمة لمؤتمر الأدباء العرب في بغداد عام 1965م. في هذا العمل موضوع جاد وعمل موضوعي كبير رصده الأستاذ عبدالله عبدالجبار بفكره وذهنه قبل أدبه وثقافته الأمر الذي قالت عنه الشاعرة نازك الملائكة موجهة حديثها إليه:

(إن بحوث المؤتمر متكاملة وبحثك يعتبر مقدمة لها وخلفية لابد منها). وهذه شهادة فكر لا شهادة شعر - كما ترى -.

ألم أقل إن عبدالله عبدالجبار أديب بفكره ومثقف برؤيته ومنظر ببصيرته، وذائق بفنه ناثر كاتب مسترسل مسهب في الكتابة باحث ومؤلف، تعجبك ثقافته قبل تناوله الأدبي، ويلفت نظرك فكره قبل أدبه، وتنظيره قبل نقده وبصيرته قبل رؤيته.

أما والأمر كما بسطته لك فعمله فكري وأدبه ثقافي وفكره إنساني وثقافته واسعة في الأدب والشعر: دواوين ومؤلفات وكتابات وأبحاثاً.

كل ذلك لا يرمي من ورائه إلى جاه أو فخر أو منصب أو مديح، بل طرح ما طرح صراحة ومكشوفاً وجهاراً وتأليفاً. إنه الرائد الذي لا يُكذب أهله أو يهون من عمله أو يقلل من شأن نفسه فضحى بشخصه من أجل عمله ولقي مجداً من حيث لم يَسعَ إليه! وهذا ديدن الأديب المخلص والمثقف المفكر والكاتب الأديب، والمؤلف البصير.

عبدالله عبدالجبار أديب من طراز أصيل بين الأدباء والمثقفين والكتاب الحاذقين. صاحب قلم أسيل سيال المعاني والألفاظ والقيم والأفكار يكتبها بدراية وبساطة، وهذا سر النجاح في أعماله.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة