Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
فضاءات
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
حجب.. ومنع.. وبدون سينما؟!
علي محمد العمير

 

يمكنني القول - على مسؤوليتي بالطبع - أن من بين أهم أسباب تخلفنا، أو عدم تقدمنا في مجالات عديدة.. أخص منها بالذكر تحديداً المجال الثقافي، وما إليه من استنارة فكر، وإضاءات رأي، وحفز ملكة، وصقل موهبة، وهو ما عانيناه في ماضينا، وما زلنا نعانيه في حاضرنا إلى ما شاء الله!!

وأرجو ألا يكون الأمر كذلك في مستقبلنا من عدة نواح غير مبررة.. ليس أدناها سوط الوصاية الفكرية أو سيف الرقابة المصلت، أو ممارسات الرفض، والحجب، والمنع لغير ما سبب معقول، ولا بناء على قاعدة ثابتة معروفة مبررة مقنعة!!

ولئن كان ماضينا قد سمح بكل ذلك.. فإن حاضرنا بكل ما فيه من جموح تقنيات، وفضائيات، وإلكترونيات، وما إلى ذلك مما يكشف كل محجوب، ويبيح كل ممنوع ويتيح كل مرغوب دون عناء.. بل بمجرد لمسة زر!!

وهو الأمر مما لا يمكن معه استمرار وصياة أو سياسة تحكم فيما ينبغي، أو لا ينبغي قراءته، أو سماعه، أو مشاهدته!!

ومن ثم فإن قيام (رقابة) بمنع كتاب مثلاً.. لا يمنع وجوده بذاته، أو أهم منه على شاشة كمبيوتر، أو ضمن قرص مدمج.. فضلاً عما يتاح في مواقع الإنترنت مثلاً من تلخيص، أو استعراض، أو دراسات نقدية.. مما قد يغني عن الكتاب نفسه في كثير من الأحوال!!

وأما منع وجود صالات سينما عندنا، وهو ما ننفرد به من بين سائر عباد الله في شتى أنحاء العالم.. بما في ذلك العالم الإسلامي، وإن كنا الآن على مقربة من وجود (سينما) لدينا.. ولكن بعد أيه.. بعد أن أصبحت حتى غرف نومنا ذاتها، وليست مجالسنا فحسب قد تحولت بالفعل إلى ما لا يحصى من صالات سينمائية.. بل إلى ملاه ليلية، ونهارية أيضاً!!

فلا يبقى - بعد ذلك - سوى حرية الاختيار، ومجرد الضابط الفردي، أو الذاتي لهذا الاختيار، أو ذاك من غير أدنى وصاية، أو رقابة، أو حجب، أو منع بالإكراه!!

وذلك فضلاً عن كون المنع يمثل قوة إغراء في حد ذاته.. وهذا ما لا يدركه أصحاب المنع أنفسهم، وإلا فلو أنهم أدركوا هذه الناحية ما يدركه غيرهم - بكل بساطة - لكفوا عن ميولهم الإقصائية هذه!!

ومن عجب حقاً أن كثيراً مما يمنع من الكتب مثلاً.. لا يجد فيها القارئ متى حصل عليها، وقرأها ما يوجب أدنى سبب لمنعها.. بل ربما لا تختلف في قليل، أو كثير عن الكتب عند المانعين أنفسهم!!

بل.. ومن عجب شديد أيضاً أنه - ربما - لا ضير منها مطلقاً ولم تمنع إذا منعت إلا نتيجة لرقابة غير واعية، ولا مقنعة!!

بل هي مجرد اجتهادات تمعن في احتياطاتها كثيراً، أو هي إنما تصدر أصلاً عن مجرد جهالة عند الرقيب نفسه!!

ولطالما صادفت الكثير من الأمثلة على ذلك طيلة سنين عديدة، مديدة، مضت خلال تجاربي مع شراء الكتب، أو ارتياد المكتبات حيث كثيراً ما حدث، وما زال يحدث لي أن أشتري كتاباً بذاته من مكتبة شهيرة فأفاجأ بعد ذلك بكونه ممنوعاً، أو العكس بالعكس تماماً!!

ومن ذلك - على سبيل المثال ليس إلا - روايات (نجيب محفوظ) كلها أو بعضها، وكذلك بعض، أو كل مؤلفات (توفيق الحكيم) الخ.. الخ.

ولا يمكن أن ننسى هنا ما حدث في معرض الكتاب خلال العام الماضي حيث صودر من جهة غير مختصة العديد من الكتب المتاحة، المباحة، الموجودة في الأسواق بعدة طبعات!!

ومن غريب ذلك، وعجائبه أنني قرأت - حينذاك - موضوعاً مطولاً للغاية في أحد مواقع (الإنترنت) الإسلامية يندد بوجود كتب معروضة في (معرض الكتاب) ذكر بعضها بالاسم، والعنوان!!

فعجبت كثيراً جداً من ذكره لكتب بعينها.. أعلم يقيناً أنها متاحة للبيع علناً، وجهاراً نهاراً في مكتباتنا المحلية!!

وأعلم يقيناً أيضاً، ومن واقع خبرة أن ليس في تلك الكتب ما يوجب المنع قط!!

بل الأغرب أكثر.. فأكثر أن ذلك الموضوع، المحسوب - زوراً وبهتاناً - على المفهوم الإسلامي قد ذكر أيضاً كتاب (كفاحي) ل(هتلر) وندد به تنديداً هائلاً، ومشيراً في معرض تنديده بكونه ممنوعاً منعاً باتاً في عدد من الدول العالمية الغربية التي عددها بالاسم رغم كثرتها!!

ولكن ما فات كاتبه أن كتاب (كفاحي) كان ممنوعاً بالفعل في سائر تلك الدول العالمية، ولكن ليس لأسباب دينية، أو حتى (أخلاقية)!!

بل كان منعه في تلك الدول بسبب كونه (معاديا للسامية).

وتقوم (إسرائيل) كما هو معروف بملاحقته بكل ما أوتيت من قوة بالعمل على منعه على المستوى العالمي!!

وأما نحن هنا.. فلا شأن لنا بما يسمى (معاداة السامية) ولا يعنينا أيضاً مراعاة الرغبات الإسرائيلية بطبيعة الحال!!

ولذلك كان كتاب (كفاحي) مسموحاً، متاحاً، مباحاً.

وأذكر - علم الله - أنني قد اشتريته - منذ زمن بعيد - من مكتبة شعبية في سوق (البطحاء) بالرياض وهي واحدة من مكتبات كثر متخصصة تقريباً في عرض، وبيع الكتب الدينية.. ولا أدري كيف وجدته هناك بالتحديد!!

وما دام الشيء بالشيء يذكر - كما يقال - فإنه يسرني حقاً أن أتحفكم بطرفة - من هذا القبيل - ظريفة، نادرة، وهي: ما أذكره من هذا القبيل، وهو أن (وزارة المعارف) سابقاً والتي هي الآن (وزارة التربية والتعليم) كانت قد استحسنت كثيراً - على ما يبدو - كتاب (الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة) لابن بسام، تحقيق إحسان عباس!!

ولاشك أن قد قرأه سلفاً عدد من خبراء الوزارة، ومستشاريها، وفطاحلتها قبل أن تقرر - أي الوزارة - طبعه على نفقتها في سبعة مجلدات ضخام، واضعة اسمها، ومسمى (إدارة المكتبات المدرسية) على رأس كل مجلد تأكيداً على حسن الاختيار ودقته!!

بل وصلاحية تعميمه - بمجلداته السبعة الضخام - على جميع، ومختلف أنواع المدارس في شتى أنحاء المملكة.. فضلاً عن إهداءاتها الكثر منه، وفضلاً عن اقتناء معظم موظفيها له!!

وذلك يعني أنه قد طبعت منه كميات ضخمة للغاية فانتشر بذلك أوسع انتشار وقد تكبدت الوزارة مبلغاً ضخماً في الإنفاق على طباعته، وشراء حقوق تحقيقه، ونشره إلى غير ذلك من نفقات تخزينه، وتوزيعه الخ.. الخ.

ولكن.. ولكن فجأة.. فجأة وبعد حوالي (25 عاماً) أي ربع قرن بالتمام والكمال تقريباً (طبع الكتاب عام 1399هـ) اتضح للوزارة الجليلة، أو لجهة رقابية أخرى وجود رواية واحدة، أو خبر بمفرده ليس على ما ينبغي.. فكانت النتيجة.. النتيجة المهولة هي مصادرة جميع نسخ الكتاب بمجلداته السبع الضخام من جميع المدارس في شتى أنحاء المملكة!!

ذلك كله والكتاب بأكمله مجرد كتاب أدبي بحت.. لا تزيد أية رواية، أو أي خبر فيه مهما كان سوء الرواية، أو الخبر عن أدنى رواية، أو خبر في أيّ كتاب من أمهات كتب التراث الأدبي التي لا تكاد تحصى!!

ولقد حرصت على معرفة تلك الرواية، أو ذلك الخبر في الكتاب فلم أوفق، ولا حتى عن طريق إعادة قراءتي له بكل تمعن، وتحر، وروية!!

ولله في خلقه شؤون!!

جدة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة