Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
حوار
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
أهميته تنبع من وجوده بالنص
محمد علي شمس الدين: المعنى ليس معيار الشعر

 

القاهرة مكتب الجزيرة - أحمد عزمي

ينتمي الشاعر اللبناني (محمد علي شمس الدين) إلى جيل السبعينيات، وهو يمتلك معرفة ترى العالم بخيال إنساني، ويمتلك الكثير من أسرار الشعر، والقدرة على قراءة التاريخ، أصدر (شمس الدين) إحدى عشرة مجموعة شعرية منها (قصائد مهربة إلى حبيبتي أسيان) و(يوميات الصمت) و(حتى الغيوم التي في الضواحي)...

وهنا نص الحوار:

ماذا عن مفهومك لقصيدة التفاصيل الصغيرة وكيف أصبحت تمثل متناً شعرياً؟

- التفاصيل الصغيرة موضوع من موضوعات الشعر، وهي قديمة قدم الإنسان، وكان (عمر بن أبي ربيعة) يركز على الأحاديث اليومية للنساء وعلى التفاصيل الحميمة التي هي جزء من معطيات الشعر، قديماً وحديثاً، إذ ليس بالضروري أن يهتم الشعر أو الشاعر فقط بالموضوعات الضخمة والمصيرية والأفكار الكبيرة. وفي كل الأحوال أعيد الاعتبار إلى نثريات الحياة اليومية والتفاصيل والسير الذاتية للشاعر مع عصور الحداثة في الغرب، مع الشاعر (رينيه شار) في فرنسا، وأهم من انتبه إلى هذه المسألة وكتبها في الشعر العربي الحديث (نزار قباني)، وقد انتبه كثير من شعراء الحداثة العربية للمعطى اليومي للكتابة، والنثري والهامشي، وابتعدوا عن الأفكار الكبيرة، وفي رأيي أنّ هذه المسألة، مهما كانت، تعيد رفد الشعر بالحيوية، إلاّ أنها ليست كافية للتسويغ الإبداعي، كما أنّ القضايا الكبرى لا تكفي لتسويغ إبداعي للشعر والشاعر، فالمعاني - كما قال الجاحظ - كانت ولا تزال مطروحة على الطريق، سواء كانت هذه المعاني صغيرة أم كبيرة، وفلسفية أم استهلاكية، هي موجودة كأفكار.

وما معيار الحكم على هذه التفاصيل الصغيرة؟

- ما يعول عليه في القصيدة صيغتها وحيلتها الشعرية وأسلوبها واللغة المستعملة، وليس المعنى بذاته، على الرغم من أن المعنى في بعض الشعريات الحديثة، يعتبر بمثابة معطى أخلاقي للقصيدة، كما يقول (رينيه شاره) لكن مسألة المعنى، سواء كان جليلاً أم عابراً استهلاكياً، ليس بذاته معيار الشعر، وربما أخذت المعاني أهميتها من وجودها في النص الشعري، وقد كان الشاعر اليوناني (يانيس ريتسوس) يكتب القصيدة بالفكرة التالية: (امرأة تغزل الصوف، وتجلس إلى النافذة، وتشرب الشاي) وهذا مشهد يومي من المشاهد المألوفة في كل منزل، لكنه يفجر المشهد الشعري بكامله حين يقول (فجأة انفتح مجرى سري من الشاي في الجدار)، إذن الضربة الشعرية تكاد تكون من الخصوصية بحيث إنها تصبح إرباكاً بشأن المعنى.

وماذا عن المعنى في الشعر كما تراه أنت؟

- إنه ليس ثمة بالمعنى المطلق، في كل قصيدة معنى خاص، وهو متغير تبعاً للأساليب والتقنيات والاستعمال اللغوي، والمناخ الذي يصنع فيه الشاعر قصيدته أو معانيه، هذا رأيي.

كيف تشكّلت شعريتك؟

- المؤثرات الأولى بالنسبة لحياتي الشعرية هي مؤثرات متصلة بطفولتي التي قضيتها في الريف الجنوبي، قبل وصول الكهرباء وأسباب المدنية إلى القرية، كان ثمة احتكاك مباشر بيني وبين عناصر الطبيعة، فالريح كانت تشكِّل حافزاً قوياً لمشاعري وأحاسيسي، والمطر والغيوم والثلج والعصافير والأشجار في البراري، كل هذا كان محفزاً لمشاعري وتأملاتي، كما أنّ مفارق الفصول كان لها أثر في تغيير أحاسيسي، وكان لقراءاتي الشعرية في مكتبة جدي أثر في تشكيل ثقافتي الشعرية، لقد قرأت باكراً في الثالثة عشرة من عمري أبا العلاء المعري، والشريف الرضي، وأبا حيان التوحيدي، وبدأت الكتابة بتقليد المعري، يضاف إلى ذلك المؤثرات السمعية، أصوات الماء والرعاة والرياح ونقرات المطر على الزجاج وأذان الفجر، وترتيل القرآن.

قلت في أحد الحوارات إنّ القصيدة على الأرجح تتعلّق بمكونات جينية كيف ذلك؟

- هناك استعداد يعود إلى الفطرة، فأنا ألاحظ أنّ الذين يدرسون الشعر في الجامعة ولديهم إحاطة معرفية واسعة به، حين يكتبون شعراً يكتبون نظماً، فليس لديهم الموهبة الفطرية التي هي من مكونات ربما جينية، وأشياء مغروسة في اللاوعي، وقد أسهم علم النفس وعلم الجينات مساهمة جزئية في تلمُّس أصول الشعر في النفس البشرية، ولكن لا أحد يستطيع أن يقول إنني اكتشفت سر الموهبة الشعرية، لأنّ أخوين من أب وأم في بيت واحد، ومن خلال تربية إنسانية وبيئية متشابهة، قد يكون أحدهما شاعراً، والآخر ليس له أية صلة بالشعر.

بدأت رحلتك الإبداعية كاتباً للقصة القصيرة ثم انشغلت بالرسم فكيف اتجهت إلى الشعر؟

- بدأت بكتابة الأمثال والقصص القصيرة، وكان لديّ طموح أن أكون موسيقياً، لكنني وجدت أن القصيدة هي التي يمكن أن تجيب عن أسئلتي.

ما عناصر سلطة القصيدة؟

- تتمثل سلطة القصيدة في قدرتها على التأثير والسيطرة، وأشبهها بالسحر، فالشاعر في سلطته كالساحر في سلطته، كلمات وإيقاعات تثير مناخاً نفسياً، كما تثير استيهامات حين يسيطر فيها الشاعر على الآخرين، وهناك نسب بين الشعر والسحر، ولا شعر بدون سحر، وبالتالي هناك ما أسميه سلطة الوهم، وسلطة القصيدة هي سلطة الوهم، أو إذا أردت فإنّ ساحة القصيدة هي ساحة الحلم والرؤيا في المنام، ففي الرؤيا يحدث كل شيء، قد ترى شخصاً ينبت له جناحان ويطير، وكل ما يمت للمخيلة يمكن أن تكون الرؤيا ساحته، وأنت حي تكون في قلب الرؤيا، تستطيع أن تدرك ذلك، لأنك تكون في حلم، وللحلم سلطته، وهي سلطة وهمية، كذلك القصيدة لها سلطة المتخيل أو الوهم، وهي حقيقية، إذ هي قادرة على التأثير في النفس البشرية، على الرغم من معرفة الناس أن المسألة مسألة كلمات.

وكيف تصف علاقتك باللغة؟

- لديّ ما أسمية الغريزة اللغوية، والمتعة اللغوية، وأكاد أحس تجاه الحروف ما كان قد قال به (ابن عربي): (الحروف أمم فيما بينها علاقات سلم وحرب، وتعاطف وجمال ومنافرة)، وهناك ما أسميه لغة بلا لغة، وهناك العبارة الصعبة عليّ، وأسميها لغة الصمت والفراغ، وحين أقول لك إنّ مجموعتي الشعرية الجديدة اسمها (اليأس من الوردة) فأنت تستطيع أن تدرك كم أنّ هذه العبارة تفتح لك أبواباً مغلقة في نفسك.

قلت: (لدي إحساس بديمومة أشعاري) .. ما الذي يجعلك تراهن على بقاء أشعارك؟

- الديمومة مسألة غامضة بالنسبة لي، حيث وصل إلى شعر الأقدمين، وأشعاري من خلال تثميني لها، لا تقل عن هذا الشعر الذي وصل إلينا.

هل يمكن أن يكون شعرك جزءاً من سيرتك الذاتية؟

- كل ما كتبت من شعر شكل من أشكال السيرة الذاتية الشعرية، وكل عبارة كتبتها تثراً وشعراً مفتاح من مفاتيح هذا الكائن الكتابي، الذي أسميه أنا.

بعد أن أصدرت إحدى عشرة مجموعة شعرية كيف تتأمل تلك التجربة؟

- هناك الديوان القادم (اليأس من الوردة) وهو يمثل تلك المحاولة المستمرة بين الصمت والإشارة، بين ما أريد وما لا أريد.

هل تعتقد أنّ الشعر لا يزال ديوان العرب؟

- لا أحبذ المقارنات بين الأجناس الأدبية، لأنّ كل منه لا يلغي الآخر، والمفروض أن تتعايش هذه الأجناس، وليست الرواية ديوان العرب، فالروائي الراحل (الطيب صالح) كان يقول (إنّ ما كتبته لا يساوي بيت شعر كتبه المتنبي)، فما يقوله الشاعر ويختزله في كلمات قليلة، يكتبه الروائي في آلاف الصفحات.

كيف ترى المشهد الثقافي في لبنان؟

- هناك سقف عالٍ للحرية في لبنان، وهذا السقف يسمح بالتنوع والحوار والانفتاح على الثقافات الأخرى، من دون قيود ولا حواجز، وهذه الحرية ليست وليدة اليوم وإنما هي ممتدة الجذور في تاريخ لبنان.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة