Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
مراجعات
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
استراحة داخل صومعة الفكر
تماثل..
حسن محمد حسن الزهراني
158 صفحة من القطع المتوسط
سعد البواردي

 

التماثل يعني التشابه، هذا ما يوحي به العنوان.. ويبدو من كلمات الإهداء انها الصلة بين الحزن والشجن.. بين الآهات والأنين.. بين الشقاء والمعاناة.. لا أجد تماثلاً أكثر من هذا.. ولهذا سأدع الديوان يتحدث عن تماثله من خلال الغوص في أعماق شعره ومشاعره التي طرحها.. وباحت بين سطور ديوانه.. فسرها شاعرنا بهذه الأبيات:

تماثلت. للمنطق. للموت. والعشق

فالمنطق موت الحقيقة.

والنطق موت الحقيقة.

والعشق أولى خطا الخلد في ساحل المنطلق..

لننطلق مع فارس رحلتنا على بركة الله متسلمين منه بوحه الشعري.. كيف يصف.. وإلى أين يقف؟

أفق لم تمت أنت أن الذي مات صوتك

فاركض بحنجرة خلفت من رحيق البلابل

والمنصتون من الصم.. والغاضبون من البكم

فأربا كلمك أن ينتظر نورس الفجر

والشمس مشلولة الضوء في هندسي الدجى لم يجدها الفلق

شاعرنا لم يبق لنا معه إلا العتمة.. لقد طوى أجنحة النهار باقتدار.. وتركنا معه نتلمس مواضع أقدامنا.. وخطوات إقدامنا في حيرة.. ولأن الشاعر رسم لنا لوحة شعره:

الشاعر الحق من صحت نواياه

وثبت الحب والإحسان كفاه

ترى محياه حيا في قصائده

وكفراً الشعر جبهاً في محياه

يشدو والآمال كل الناس تؤلمه

وجدول الحزن يسري في حناياه

يسعى لإسعادنا في كل قافية

وخافق الشاعر الحيران اشقاه

يا عزيزي الحيرة لا مكان لها في مشاعر الشاعر.. الشعر طرح لاهب يستجيب للحالة دون تردد.. انه صوت يقظة عندما يولد حيا..

(صمت الصور) عنوان ناطق بصمته..

توكأ حلمي على خيزران من الصبر

سد اتساع الطريق الذي سار بي

في حقول العقول التي يبست كل أشجارها

ذبلت كل أزهارها..

خفتت كل أنوارها في صباح المطر..

مقاطع من قصيدة طويلة متحررة ترسم ظلال الشكوى والمعاناة في أفق ملبد بالتشاؤم.. والرغبة يف أفق يحمل شيئاً من الضوء:

أعيدوا إلى أفقي بعض أشلائه ربما يتنفس..

يركض خلف القطار الذي حمل النور

من ذا يعيد الأشلاء؟ لا حياة لميت.. ولا ركض خلف قطار لا يقوده مبصر..! هكذا غرفت أدبيات الحياة..

(غابة الأربعة):

غابة كل أبوابها مشرعة

كل أكوابها بالأسى منزعة

يستغرق في رسم مشاهد غابته.. لا وفاء وإنما جفاء.. أشجارها تهمهم داخلها الضباع والسباع.. وأضيف أيضا الضياع.

الظلام يلفها.. بهذا الموجع ومع هذا الموجع يسترجع شريط ماضيه:

كان في جنة روحها مبدعة

عطرها عالق وردها عاشق

وجهها يشبه الشمس ما أنصعه

ويختتمها هذا الشطر البائس.. إن لم أقل اليائس:

جنتي أصبحت غابة مفجعة..

الجنة يا عزيزي لا تصنع نفسها.. إنها نتاج إرادة تغرس أشجارها.. وتطرد عنها أشرارها.. البكاء لا يعيد ربيعاً ذبل..

والنساء.. النساء قال عنهن فارس رحلتنا الشيء الكثير والمثير.

لا يسوس الرجال غير النساء

هن خلفه الرعاع والعظماء

كيدهن العظيم بركان غدر

يقذف الهم في رحاب الشقاء

كم تحلت ثوب النعومة أنثى

وهي أعدى حية رقطاء

كم توارت من فرحة المجد أنثى

وهي أولى من غيرها بالثناء

(فرحة) هنا لا تعطي المعنى المطلوب.. أفضل أن تكون (صفحة) أو (لوحة).. هذا ما قاله عن حواء.. امتدحها.. وهجاها.. ولكن.. ماذا عنه أدم الرجل؟ أنه دونها حباً.. ووفاء.. وتضحية.. وتحملاً.. هذا ما يجب أن نعترف به..

من (المرأة) إلى (ابن المرأة) الذي غرست في وجدانه حب الحياة.. وعشق الوطن.. غدر به أعداء الحياة وخصوم الوطن.. إلى (محمد الدرة) ذلك الطفل الفلسطيني الشهيد:

هل زلزل الأحرار رجع بكائي؟

هل شاهدوا فوق الرصيف دعائي؟

المشاهد بالعين.. والدعاء بالسماع.. أحبذ إبدال كلمة شاهدوا بمفردة (حاولوا)

هل شاهدوا يوم الفجيعة والدي

يبكي يحاول جاهداً إخفائي؟

وأموت بين يديه.. أي مصيبة

تهوى على عينيه.. أي بلاء؟

وتجيء أمي.. كي تراني جثة

وتعب أدمعها على أشلائي

هكذا وبلسان الدرة رسم الموقف الحزين.. ولكن.. مئات آلاف الدرة يساقون إلى الموت بآلة الموت في فلسطين، ولبنان، والعراق، وأفغانستان.. دون أن يذكرهم أحد.. ولا يرثيهم أحد.. لأن ضمير الشعر مصاب بالعمر، ومداده مصاب بالجفاف والتصحر..

(غبار الدموع) أهداها شاعرنا لطفلة فيصل يوم مولده.. اجتزئ منها هذه المقاطع:

ولدي فديتك جئت والدنيا على

كف الفجائع والهموم تزلزل

فتحجرت قطرات دمعك حسرة

فطريقها منذ الولادة مقفل

عيناك يا ولدي رأت ما لم تر

أبصارنا والأمر حقاً مذهل

أبصرت حال المسلمين وما جرى

من ذلهم، والذل سهم يقتل..

القصيدة معبرة.. فقد ملاحظتان.. تحجر الدموع في العينين يحتاج إلى طبيب عيون يعيد إليه ولنا البصيرة قبل البصر.. ثم من المبكر على وليدك إبصار ما يجري لعالمه.. حين يكبر سوف يبصر الأشياء كما هي.. ربما يعيد صرخته ثانية وقد أطلقها لحظة مولده..

(تهد) مقطوعة أهداها إلى أعمدة النور المظلمة..

أتعهد وأقر الآن في أبراج إحساسي

وفي أوراق أنفاسي.. وكاسي..

إن من يخدع بالسحنات بعدي عن طريق الحق ناكب

إن سور الوهم خلفي، وأمامي كان أعلى

من عنان الواقع المر عنانا

ثم أردته أعاصير التجارب..

كنت مخدوما فجاءت مقلة النور

تريني موقع الخفاش في كهف الغباء.

إذا أنت أبصرت.. وانتصرت ولو بالقصيد على أعاصير التجارب وعلى أسوار الوهم الأمامية والخلفية.. شيء مطلوب.!

نتجاوز سوياً بعض قصائده المتمثلة في وجعها وفي فجيعتها (مساء الموت) و(رهبة البعد) ونتوقف أمام زئبقيه على ضفاف جرحه.

تصاعدت من ربي البلقان أنات

وما درى عن أسى إخواننا (الناتو)

ليل اللظى جاثم نجد ظلمته

أحلامهم والمدى خوف وإنصات

(آهات) أنسب من كلمة إنصات

تسابقت طائرات الحلف غاضبة

وتابعت ساحق الغارات غارات

ابدوا لنا حسن قصد في تعاطفهم

وهم لهم في دجى الغايات غايات

ويستعرض المشهد الدامي متسائلاً:

يا مجلس الأمن أين الأمن في زمن

تضاعفت فيه للعدل الإساءات

سل اليتامى عن الآباء إذ نحروا

وهم يرون.. ولم تجد النداءات

سل الثكالى وقد شاهدن في ألم

أكبادهن تمزقها الرصاصات

سل العفيفات عن ليل لبسن به

عاراً تحز له في الوحل هامات

يا مجلس الأمن أمن المسلمين غدا

خرافة فوق ما تروي الخرافات..

البلقان الدامي ما زالت جراحة مفتوحة تنزف دماً.. مجزرة سبرنيتشا تحولت إلى مجرد ذكرى.. اللاجئون خارج وطنهم يعيشون الغربة.. حتى مستقبل البوسنة والهرسك ما زال غامضاً.. أما مجلس الأمن الدولي فنه مجلس الأمن الغربي.. والعبري.. لا وجود على خريطته الأمن العربي ومن حزن إلى آخر متماثل: هذه المرة مع (سجدة فوق رمال الحزن)

الليل يشرب سحنة الأيام

في وضح الفجيعة.. وهولاه

والفجر يلفظه كل أنفاس الضياء

بكف داهية الدواهي

وعباءة الخنساء أشلاء تمزقها

مخالب غضبة الأيام في كل اتجاه

دوي ندائي في بحار الحب

لم يسمع.. ولم يفهم..

وعادت كل أشرعة النحيب إلى مرافئها على شط انتباهي

المهم أنها وجدت المرسى الذي تحتضنها ويكفكف دموعها بدلاً من أن تغرق..

(شهد المنى) شاهد على شيء من التحول في مسار الرحلة الحزينة المتماثلة.. هكذا أتخيل.

ما بال قربك زادني ودا؟

وسقى القوافي بالمنى شهدا؟

أدنو بلهفة عاشق وله

فأزيد يا محبوبتي وجدا..

أدنو لأطفئ شوق أوردتي

فأراه عند القرب مشتدا

جميل هذا البيت الأخير..

فهؤلاء يا محبوبتي شجن

مد الحياة بمهجتي مدا

غيث من الآمال يسكنني

فيزيد وجد مسرتي سعدا

قولي لنهار الشوق في كبدي

كوني على مضى الهوى بركه

ضمي بأهداب الرضا قلبي

وضعي لطول تلهفي حدا

مقطوعة وجدانية جميلة ومعبرة أنستنا هموم الرحلة المجهدة بتداعياتها وإبداعاتها رغم مرارة الشكوى.. وحرارة الجرح.. ماذا قال شاعرنا عن (زامر الحي الذي لا يطرب)؟!

في كل حي زامر لا يطرب

ولكل قوم مخلص لا يعجب

هامت بتلفيق القريب عقولنا

فهنا محب للهراء ومعجب

وبوجه إبداع القريب تجهمت

جل الوجوه فمقتها يتلهب

المبدعون هنا محل تهكم

والمبدعون هناك ناج ينصب

تلك هي إشكالية عالمنا المتخلف.. عقوله تهجر.. أو تهجر.. أو تهاجر.. لا تجد في أوطانها أرضية صالحة تزرع فيها طاقاتها ومهاراتها.. ومع هذا أحس بأن شيئاً ما بدأ يتغير على الخريطة.. ولو بشكل نسبي.. لعله البداية المنتظرة..

(تراتيل المسيرة من البحر الميت إلى شيكاغو):

مات بحر على وجه خريطة الأرض

من ذا الذي بعث الروح فيه؟!

من ذا الذي زلزل الكون؟!

واكتظ حجر الخطيئة في وجنيته

وشيكاغو استنسخت من تراتيلنا

الصخر والعرعرة فمن يا ترى

علَّم الظبي.. والمقبرة؟!

بيع شمس الضحى للمخبين في عتمة الظلم

بحثاً عن المقبرة؟!

لا تسلني.. لا تسلني..!

لن نسألك.. سنترك السؤال مطروحاً دون جواب.. ومن بحره الميت إلى نهر عشقه الحي دول إلهامه..

سلي دمي من رفيق البرق وابتسمي

وكوثر بني بعذب الشعر واحتدمي

ولحني همسات المزن ملحمة

تراقص الريح من مستعذب النغم

يا أنت يا منتهى شوقي ومبدأه

ينهي كما شئت أن الصبر من شيمي

يا أنت إني وقد شاخت جفون غدي

مازلت أهواك من رأسي إلى قدمي

مازلت نجوى شجوني وجد يوصلني

مدار عمري رؤى روحي أريح دمي

لم تترك لغيرك شيئاً إلا قلته.. اجزم أنها سوف تبتسم لك وستكوثرك بعذب الشعر كما كوثرتها أنت.. واحدة بواحدة والبادئ أكرم..

(السامري) ما قبل الأخير سأصطفي منها بعض المشاهد:

يا سامري العصر كيف قبضت

من اثر الخيانة قبضة وصنعت عجلا؟

يا طائر الأحلام حلق بي على بغداد..

ليست هذه الحبلى بأنواع الهزائم

بل.. على بغداد.. بغداد الرشيد

حلق على كابول.. حلق لي على البلقان

طوف به طائر أحلامه إلى حيث توجعه آلامه.. إلى الهند وكشمير. إلى الصين.. إلى فلسطين.. إلى نجازاكي وهيروشيما.. إلى كل أرض حل بها دمار دون أن يحط به طائر خشية قناص يأخذ أجله.. أخيراً مع (التوأمان):

التوأمان.. الشعر والفقر

سران لا يخضهما سر

سهمان فتاكان ما اجتمعا

الا تمزق منهما الصبر

قاما على أنقاض مملكة

من مهجتي وتسابق العسر

وعلى حدود مسرتي نصبا

فحطا فجف الروض والنهر

سجني وسجاني هما وأنا

طير يكبل شدوه القهر

هيهات ما لي من عذابهما

بد.. وما لتظلمي عذر

نفسي على غصنيهما نغم

يهوى النشيد وماله ثغر

ويتحدث عن خصميه الشعر والفقر:

خصماه فتاكان سعدهما

تعذيب وكلاهما مر

أراده في أوهامه الشعر

وقضى على أحلامه الفقر.

هذا ما يقوله عن نفسه.. أقول له متى كان الشعر المعبر عن خلجات النفس قحطاً يجف به الرد عن النهر.. ومتى كان الفقر أيضاً رغم بؤسه ومرارته سجناً يكبل إيحاءات البوح والإبداع.. فقرك وشعرك شهادة بقدرتك على الطرح الجميل والمعبر..

أقول لشاعرنا حسن محمد حسن الزهراني لقد قرأنا بصحبتك ديوان تماثلك.. كانت رحلتنا واستراحتنا معك غنية وثرية وممتعة..

وإلى حلقة جديدة إن كان في العمر بقية..

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب «5013» ثم أرسلها إلى الكود 82244

الرياض ص. ب 231185 الرمز 11321 فاكس 2053338

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة