Culture Magazine Thursday  07/05/2009 G Issue 282
قراءات
الخميس 12 ,جمادى الاولى 1430   العدد  282
حرية الفكر وشبح الزعيم
فريال الحوار

 

(حيثما يكون العالم لم يتمزق بعد إلى كسرات بأسوار محلية

ضيقة ..

حيثما يكون مجرى العقل الواضح لم يفقد طريقه في رمال الصحراء الجافة للعادات المميتة..

في تلك السماء من الحرية يا أبي دع وطني يستيقظ)..

تلك كلمات لطاغور كتبها في قصيدة من مجموعة جيتنجالي، وكأنه يلامس أدق ما يحدث اليوم في ساحات أوطاننا، ويسكب الملح على الجرح النازف فينا، ويحرك نبضاً حالماً بإحدى مستلزمات وجودنا الروحي والفكري،كي ننجو من عراك المادة وخفافيش الظلمة وأسوار الظلم، لنعتق الروح التي تمتلكنا في الأصل، ولا نملك لها سوى إزاحة العناء عنها كي تفخر وتزهو بنفسها لأنها نفحة نورانية مقدسة، لقد عبر هذا العجوز المتصوف والعظيم عن اختلاجات الروح وما يعكر صفاء الفكر فيها من خبث الطواغيت التي لا تحمل بين أجنحتها سوى مفاصل الإظلام لتُعَمّد بها جنبات المعرفة والفكر الحر، وتكرس الخوف والترهيب بسياط مواثيق تطل علينا بين الحين والآخر كفجيعة جديدة، لا تحمل سوى تأويل واحد (توارث القمع واستنساخ الجهل لفكر خلقه الله حراً).

وإن كنا أقواماً تحمل وزر الارتباط المفصلي والنفسي بأجواء العادات القديمة المميتة، ونلبسها في كل عصر ما يتوازى مع ألوانه ونجدد الثقة بها والبيعة لها بكل ثقة واعتزاز وذلك ليس سوى ضرب من ضروب التحايل النفسي على مقتضيات الحال والواقع المر بكل أشكاله الذي يقوض الفرص المباحة للهرب من وطأة أسوار الماضي المميت بتلك العادات، بل كادت تشتد الحاجة إلى الارتباط بها كلما اشتد حد السكين في لمعانه فوق الرقاب. وبات الهرب إلى جحورها نوعا من التعويض عن رحاب مفتوحة ومطلقة الاتساع دون أية روابط أو ضوابط تحكمها على رغم عناوينها المفخخة التي ترتفع في فضاءات صناعية يتحكم فيها ذوو المنفعة والجهل في آن واحد، ولا يتبقى سوى الخوف لأبناء الوطن الرابض في المخيلة يستنسخ أصالته في كل يوم وحقيقته أيضا، بينما المحاولة للخروج من عباءته لا تكون إلا للمنتحرين ( كما يصفهم الواقع اليوم )، بينما هم في الحقيقة مغردون خارج سرب يجول في تلك الفضاءات المصنوعة على غير هدى، غير محصنين وغير مؤهلين للإنفراد بتحليق حر، منزوعة عنه قتامة سحب الخوف العاقر من إخصاب لتلك المخيلة والخيال المفطور عليه القلب ورافده الإحساس. لا سيما وان الطواغيت تزيد من سرعة ريحها وعبثها بمنظومة الخالق، وتستبيح حتى زغب الحواصل.

ولطاغور أيضا مغزاه فيما يتعلق بهكذا محور في حكاية عميقة ومسلية في ذات الوقت، لها دلالاتها على ممر العصور السابقة والحاضرة والمقبلة أيضا، تتجلى فيها سطوة الماضي واستباحته لأي محاولة لانطلاق غير مؤهلين له دون دليل ودون نماذج في خرائط جديدة مشوشة لهذا العالم المستحدث بطواغيته الجاثمة فوق الصدور، والتي هي أساس الإعاقة لتلك الانطلاقة. وعلى عكس تلك النماذج الجافة يسوق لنا طاغور نموذجا لزعيم عبقري مخصب، وللحراك المتقدم، في حكايته المسماة (شبح الزعيم)، والتي يكون فيها الزعيم المقدس على وشك الموت، فيطلب منه شعبه الذي أصابه الخوف أن يبقى بعد مماته كي يخبرهم بما يفعلون، ويوافق الزعيم، لكن أتباعه يجدون حياتهم حافلة بطقوس وقيود في سلوكهم اليومي، وغير قادرين على التنامي والتعايش والتواصل مع مجريات العالم الجديد، ليلجؤوا إلى زعيمهم المبجل طالبين إنقاذهم، وعندها - فقط - يذكر لهم أنه لا وجود له إلا في مخيلتهم!.

- الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة