عودة لماهية النقد؛ النقد الفني عملية تشمل العمل الفني والفنان كما أسلفت، وأيضا تشمل الوضع العقائدي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي بل يشمل حتى الطقس وجغرافية المكان، كعوامل تؤثر في ثقافة الفنان قبل أن تؤثر في مخرجاته الإبداعية لذا كان العمل الفني عبر العصور مصدراً تاريخياً صادقاً يصور لنا مجريات الأحداث لكل حقبة زمنية، كما أن عملية النقد الفني تتناول الفنان وتاريخه الفني، حيث يصعب تقييم فنان من عمل واحد بل يجب دراسة تاريخه الفني والاطلاع على تطوره لأن عملية النمو الفني لذات الفنان قيمة إضافية، وهو أيضا قاعدة لتقييم بعض الأعمال التجريدية دون غيرها حسب تاريخ الفنان الذي يفترض به أن يصل إليها عبر مراحل نمو فكرية وتقنية تعلل هذا التجريد وتفسره.

ويعارض البعض نقد المجتمع (التشكيلي وأفعاله تجاه الفن) في سياق النقد الفني جهلاً منهم بأن المجتمع هو أنبوب لون العمل بينما فكره هو فرشاتها، وأن أفعاله هذه تجاه الفنان قد يكون لها تأثير سلبي أو إيجابي وبالتالي يغير من اتجاه الحراك التشكيلي بناء عليه، كما أن مثل هذا النقد يساهم في تصنيف الأعمال الفنية وبالتالي تصنيف فنانيه، وهو أمر لا يستطيع فعله المتلقي أو حتى الممارس لأنه جزء من هذا النسيج الذي يضعه الناقد تحت مجهره لذا فالناقد المتابع للحراك التشكيلي هو أولى الناس باكتشاف وتحليل روابطه وتصنيف فنانيه مبتعداً عن الانحياز لاتجاه فني دون الآخر وما قراءاته إلا أداة تسعى لتوجيه الفن بما يتوافق مع النمو المنطقي حسب التطور الفعلي لثقافة الفنون عبر العصور.

وفي النهاية عملية النقد الفني عملية فلسفية جدلية قد تتفق مع رؤية الفنان وقد لا تتفق، كما قد تكون صائبة وقد تكون مخطئة، ولكنها في النهاية أبعد ما تكون عن ما يراه البعض من أنها هجوم شخصي على ذات الفنان أو الفنانة بسبب الحقد أو الغيرة أو غيره من الأسباب، ومن يدعي ذلك فهو من وجهة نظري ربما من الفئة التي يصفها المثل الشعبي المصري (اللي على راسو بطحا يحسس عليها) ولا أريد أن أكون متهكمة أو مبالغة لأقول إنهم من الفئة التي قال الله فيها (يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَة عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ).