Culture Magazine Thursday  09/04/2009 G Issue 278
منابر
الخميس 13 ,ربيع الثاني 1430   العدد  278
الحوار وجدلية الثنائيات
د. إبراهيم عبدالرحمن التركي

 

(1)

(أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

(2)

اجتمعنا قبل عامين

وها نحن نعود

نكرم من حقُّه الاحتفاء

ونتحاور دون استعداء أو استعلاء

ونؤمن أن الثقافة لا تعرف الاحتواء

والمثقف لا يبلغ الاكتفاء

ولا يرضى بالانكفاء

نختلف ونأتلف

وننأى لنكتشف

دون أن ننحرف أو ننجرف

(3)

إلى (الشرق) إن شاءت الريح عصفاً

أو (الغرب) إن طلّ فجرُ وأقفى!

(شمالاً فهيّا)

(جنوباً) فأهلا

يرى فوق ما قيل

أو

دون ما قيل

وصفاً

ورصفاً

وعطفاً ولطفاً!

إذا كَلّ مَلَّ

وإن مَلَّ كَلَّ

وإن أنزلتُه السنونَ أقلاّ

ألا أيقظوه

فإن المدار يسير

ودرب الحقيقة دربٌ عسير

وصُبح (المساءات) يُشرق ظِلاّ

ويرتدّ كهلا

يفيء بنوء الهوى والضجر

فلا غيمَ

لا برقَ

لا رعدَ

أو قطرةٌ من مطر

(4)

(العلم) ليس (الخرافة)!

و(الجسد) سوى (الروح)

و(أنا) غيرك (أنت) !

لا تستطيع إذابة (الآخر) في (ذاتك)!

ولا تودّ إذابة ذاتك في الآخر!

ولا يأتي (هو(ليتوسط المسافة بين (الأنا) وال(أنت) !

وفي الخطاب الفلسفي المعاصر هموم ثلاثة: معرفية، وتحليلية، وأيديولوجية.

وبين (الثنائية) و(الثلاثية) و(غير المنتهي)

تتحدد ملامح

وتغيم صُوَى

وتضيع دروب !

(5)

تبدو (الجدلية الثنائية) مفهوماً هلامياً ذا نفوذ سلطوي يخترق مسافات التفكير العربي ليؤثر في تقدير الفرد (للحقيقة) و(المعنى)، وهو ما يطرح إشكالاً معرفياً وفلسفياً يهدد البناء المتوازن للشخصية العربية!

ف(الأبيض) و(الأسود) يمثلان حدّين طرفيين متضادين نتصور أنهما المعادلان المعقولان للمواقف الشخصية في تعاملاتنا اليومية، أو في مدركاتنا الثقافية، ومواقفنا السياسية والاجتماعية.

وفي هذا منطق دون شك، إذ يبدو (اللون الرماديّ) هنا متميّعاً بين أن نكون أنفسنا أو نكون سوانا، فنحن لا نستطيع –مثلاً- أن نقتنع بتوجهين أو نمارس فعلين، دون أن نظهر - أمام ذواتنا بدءاً، والآخرين منتهىً- بوجهين ولسانين وصورتين.

(6)

تتجاوزُ بنا الثنائية تعادل الليل والنهار، والبياض والسواد، والشمس والظل، والحياة والموت؛ فقد اعتدنا أن نحسم القضايا الخلافية بمبدأ المعوية والضدية دون ثالث بينهما، أو رابعٍ خلافهما، وفي الحوار المتصل حول: الأنا والآخر)، ظنّ كثيرون أن المراد بالآخر: النائي أرضاً ونسباً ودماً ولغةً وديناً، فمنطقُ البدايات يشير إلى شعار بعض التنظيمات، غير أن تداعي النهايات قد أوحى أن الآخر هو المماثل أرضاً ونسباً ودماً ولغةً وديناً.

(7)

ظهرت أصواتٌ تنادي بتماهي الأنا مع الأنا، وفي غايتها أن نعيد إنتاجَ ذواتنا باستنساخٍ بائسٍ؛ فإذا كنتُ أنا أنت، وهم نحن، فتكفي أنت، ويكفون هم، وليذهب البقيّة إلى حيث لا يتكررون..!

كان الأجدى ألا نتحاور إذا كانت الغاية أن نتماثل، فما هي الإضافات التي يحقّقها التشابهُ غير تبسيط القراءة والقيادة ؟! وما جدوى التقليد سوى الترديد..؟!

(8)

لو سألتَ معظم (المستنسَخِين) عن أسباب عداوتِهم للآخر –الذي حقُّه الأنا- لأجاب إجابات عامة، فإن كان من الإسلامويين فسيقول إنهم حداثيُّون (ليْبراليون) عَلْمانيون وما في دائرتها من مصطلحاتٍ ثقافية تحولت إلى تهم استعدائية، وإن كان من التيار المقابل فستجد ردّه مموهاً بعبارات، التخلف، والرجعية، والظلامية، والتزمت، وما يتساوق معها..!

(9)

الفريقان يكتفيان بالعناوين العريضة ولا يدخلان في التفاصيل، ويُعجب الأولون بمن يتشابه معهم شكلاً، ولا يتجاوزُهم فكراً وإن كانت حقيقتُه على النقيض، ويقابلهم الآخرون بتصنيمٍ يغالي في تلقّف من تبدو آراؤه حديّة، ولو كان ذا ممارسةٍ وصوليّة وسلوك مشين..!

ليتنا نقتنع أننا لسنا الناس بل نحن جزء من الناس، وأن في بن عمنا ضراغم وخضارم، وأن حبّ الذات لا يعني إلغاء الآخر، وأن بإمكان من يبكي واقفاً على (الرّسم) أن يجلس دون أن يُضار..!

فينا وفي غيرنا خيرٌ وشر، وعابدون لله ومفتونون بالوثن، ومنطلقون إلى الآتي وناكصون إلى الوراء ..!

(10)

لكل الحق في أن يختار ما يظنُّه في إمكاناتِه أو ضمن ملكاته وممتلكاته، وليس له بالتأكيد أن يصنف الناس حسب اقتناعهم باقتناعاته أو سيرهم ضمنَ مساراته، ولا أحد يستطيعُ مصادرة اعتقاد أو ممارسةٍ لم يقرّر صاحبُها بنفسه، وحين يُقسر الآخرون عليها فإن التحول عنها آتٍ لا محالة، ربما بردةِ فعلٍ، والتجاربُ الثقافية المجتمعية المعاشة تثبت خطورةَ مثل هذه التبدلات الحادة التي يُولدها (العنفُ) المؤدلج ويتلوها الصِدام الأهوج..!

(11)

في اقتناع الفلاسفة أن لا شيءَ يظلُّ ثابتاً، فالساكنُ واقفٌ حتى يجد ما يحركه، والمتحرك يحتاج إلى من يوقفُه، ويخلصون إلى أن لا شيءَ يستطيع تغييرَ نفسِه بنفسه .!

ليكن ذلك كذلك ؛ ليبقى العامل الأهمُّ المؤثرُ في التغيير وجود الرغبة والإرادة والرؤية والتخطيط والإجراءات، وحين يبدأُ التنفيذ فإنه قادرٌ على الإيقاف والتحريك وفقاً لما سبق إقرارهُ بالتعاقد المجتمعي أو بالعمل المؤسسي أو حتى بالسلوك الفردي..!

(12)

تحركت سواكن وسكنت متحركات في المجتمعات الإسلامية، ولم يستجب الناس مثلما الأفكار مثلما التقنيات لفروضٍ وواجبات ومباحاتٍ ومحرمات استلهمتْ تفسيراً واحداً أو رؤيةً محدودة..!

وإذا كان هناك من حرَّم قيادة الدراجة العادية واستخدام مكبرات الصوت وتعليم الفتاة وإدخال التلفزيون فإنه لم يستلهم الإسلام بدءاً فلم يقف عنده المجتمع منتهىً، وتكفل الزمن بالحل..!

ستبقى المشكلة في جهل أو تجاهل الواقع، ورؤية جانب من الصورة وإغفال جوانب أخرى، وقسر الناس على فهمٍ اجتهادي، وإغلاق المنافذ أمام الرؤى المشروعة الموازية، فيندفعُ الناسُ إلى الاتجاه المعاكس..!

طال التيه وسيبقى الإسلام؛ ففي منائره تحرير الإنسان من عبوديّة البشر وإخلاص العبادة لربِّ البشر..!

(13)

الصراع الثقافي هو صراع الساكن والمتحرك من جانب، وهو ذاتُه صراع الفكر الباحث عن الشهرة والانتشار والمريدين مع الفكر المتعمِّق في الكينونة والصيرورة والإرادات، وهو صراعُ آليات ومواقع ومواقف، ولن يضير الباحث عن الحق إن وجد نفسه دون تابعين، وسيضير سواه إن صار تابعاً رغبة الناس وشهوة النجومية ثم توهم أنه متبوع..!

(14)

وفي قضايانا الاجتماعية الثقافية التي تحولت إلى تبادل تهم وتهديد واستعلاء سيبقى الحوار العلنيُّ الصريح المباشر وحده هو الحل، مع الحاجة أحياناً إلى اتخاذ قرارات لا تنتظر الإجماع أو الاتفاق.

تقود سيادة العقل الأمم الواعية إلى التفاعل مع الحياة، والبحث عن مساقط الضوء في دهاليز الإعتام ؛ فتهتم بمأسسة العمل، وفرض النظام، وتحقيق العدالة، وضمان الحقوق، وتعميم التعليم، وإطلاق الفكر، وخلقُ مناخٍ للحوار، ونبذ المدارس الطائفية والمذهبية والإقليمية والعنصرية، ورفض المزايدة على الوطنية والانتماء عبر أي متمحجج أو متدجج، فهذا هو سبيلنا للإسهام الحضاري الفاعل في الحراك المعرفي والتنموي والإبداعي العالمي..!

(15)

خلال معركة (صفِّين) روي أن (عليّ بنَ أبي طالب) –رضي اللهُ عنه- سمع أناساً من مُناصريه يتحدثون بسوءٍ عن جماعة (معاوية بن أبي سفيان) رضي الله عنه فقال:

(إني أكرهُ لكم أن تكونوا سبابين، ولكن هلاّ وصفتُم أعمالهم وقلتم: اللهم احقنْ دماءَنا ودماءهم، وأصلحْ ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم حتى يعرفَ الحقَّ من جهله، ويرعوي عن الظلم والعدوان من لهج به..).

(16)

في كتابه الإسلام دين العلم والمدنية قال الشيخ محمد عبده: إذا صار قولٌ من قائل يحتملُ الكفر من مئةِ وجه، ويحتملُ الإيمان من وجهٍ واحد حُمِل على الإيمان ولا يجوزُ حملهُ على الكفر.

(17)

سأله:

أين نقف الآن؟

أجابه:

حيث نحن (أمس) !

قال: فهو (الثبات) النائي عن (التطور).

ردّ:

أو (التطور) المتنكر للثوابت.

واتفقا أن (الخلل) فعل (ماض ومضارع)

و(اسم مكان)

و(ظرف زمان)

و(مزاج إنسان) !

(18)

(غامت الدائرة البيضاء)

هاج البحر

ملّ الصبر

شاخ الفجرُ

في أهداب طفلٍ

ظلّ يرنو

ثم يرتدُ

وراء الغيمِ

نحو الهمِّ

لا يرجو مجيراً

(19)

طاب السُّرى

هذا الطريق إلى الذُّرى

وإلى التآلف للورى

وإلى الفضاء الرحب

صوت الجمع يعزفه الحوار

يمضي به نحو المدار

فيمدُّ بالوعي المسار

ونرى بعين الانتصار

كلمة مهرجان عنيزة الثقافي .. ألقيت في افتتاحه يوم الأحد 22/3/2009م

في الكلمة اقتباسات من كتابي الكاتب: (ما لم يقله الحاوي) و(كان اسمه الغد)

* * *

لإبداء الرأي حول هذا المقال، أرسل رسالة قصيرة SMS تبدأ برقم الكاتب«6745» ثم أرسلها إلى الكود 82244


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة