Culture Magazine Thursday  09/07/2009 G Issue 291
أقواس
الخميس 16 ,رجب 1430   العدد  291
حربهم خاسرة
د. أشجان هندي

 

حربُهم خاسرةٌ أولئك الذين يشدّونك إلى الحرب.. وتشدّهم إلى الحب. ويستميتون في سحبك نحو العتمة.. وتجهدُ في سحبهم نحو النور.

حربُهم خاسرةٌ، وجيشهم من المُظلمين فضلا عن الهامشيين والهوامش التي لا تنشغلُ بها المتون!!

حروبٌ يريدون لك خوضها مُكرَهاً؛ فإن جاهدوك على أن تدخلها فلا تفعل إكراماً لوعيك أولاً، ثم إكراماً لهم... ودعهم يخوضون ويلعبون.

أدعياءُ الثقافةِ والملتحفين - زيفا- بالإبداع ليسو بِدعاً في زمننا هذا، ولا أبناء وبنات شرعيين للألفية الثانية من عمر البشرية الذي اقترب من الشيخوخة. الحروب االملتبسة بالثقافة حروبٌ قديمة قدم الكلمة ذاتها. هذا ليس المهم: المهم هو ما تريده أنت.. أين تريد أن تكون من هذه الزوابع الترابية، وكيف تريدها أن تكون ردود أفعالك؟

حين تصمت.. فأنت تختار صمتَ الوعي لا صمت العجز. ومن ذا الذي يعجز عن الزحف صوب الصراخ والتشنج وانتعال الذم والقدح والهمز واللمز؟ جميعنا يستطيع ذلك.. فكلنا بشر. فضلاً عن أن هذا الصراخ لا يحتاج إلى ثقافة عالية، ولا إلى إمكانات إبداعية مميزة. فهذه حرفةُ من لا حرفة له إلا الضجيج المُعتم. وأخشى أنّ كلامي ينحدرُ إلى مستوى لا أرتضيه له إن قلت: إنها حرفة من يقلّب فيهم العقلاء أنظارهم باستغرابٍ حين يرونهم، ويصمّون آذانهم زهدا فيما يقولون حين يسمعونهم.

إذن هل عليك ألا تنشغل بتنامي أشواكهم؟ نعم.. وهل عليك ألا تكترث بازديادهم عددا وتناثرهم بددا؟ نعم.. وهل عليك أن تغض الطرف عن حضورهم الثقافي الهش.. وأن تصدّق إصابتهم بالسكتة الإبداعية؟ نعم.. وهل عليك أن تجعل عينيك مفتوحتين على ما تُنجزه أنت لا على ما يثيرونه حولك من ترّهاتٍ غير مسئولة؟ نعم.. لأن حربهم في الهامش خاسرة وأنت منشغلٌ بالمتن.

والمتنُ هو العمل على إبقاء جسد الثقافة صحيّا وصحيحا. إنّ ثقافةً لا تنهض بالروح والوعي والفكر والذوق العام.. ثقافةٌ مزيّفة لا ينشغل بها عاقل ولا صاحب رسالة حقيقية. دعك مِن الذين يسوقونك قسراً إلى ساحاتٍ للنزال المرّ.. فتلك ساحاتٌ وهميّةٌ داميةٌ مُظلمة لا يدخلها إلا هالك!! ولا يخرج من يتأملها إلا مثقلٌ بجروح الروح.. غارقٌ في حزنٍِ عميقٍ على ما يؤول إليه فيها وجه الإنسانية وجسدُ الثقافة من قبحٍ وتهالك.

لا تلتفت إليهم.. فإن صدّقوا جهلاً من عند أنفسهم واقتنعوا بعجزك حين لا ترد على ضجيجهم في كل مرة يتسلّقون فيها إلى نقاء روحك.. فصدّق أنهم جهلة، وأنّ ما لديك يزعجهم جدا وأنهم بذلك يهدونك اعترافهم بقيمتك من حيث لا يشعرون.

تحدّث إن تمادوا في غيهم لا فيهم بل فيما ينشغلون به من دمارٍ دون أن تسمّيهم؛ فهم يعرفون أنفسهم في كل مرة.. وليست مهمتك التشهير ولا القدح ما دمت تنادي بالوعي. أسأل الله السلام والطمأنينة لأرواحهم، ثم امض فيما أنت منشغل به من ضوء.

ابتسم في وجه نيرانهم كلما أشعلوا لهبا فإنها على طمأنينتك برداً وسلاما.. واختر الإسهام في بناء الثقافة لا هدمها.. ثم لازم الصمت المضيء فإنك إن خسرت مصداقيتك مع نفسك خسرت كل شيء.

جدة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة