Culture Magazine Thursday  11/06/2009 G Issue 287
أوراق
الخميس 18 ,جمادى الثانية 1430   العدد  287
مشرق اليمن السعيد
بانوراما إنسانية لحضارة شعب
أحمد المهندس

 

أفضل كجيلي الجلوس إلى خير جليس في كل زمان ومكان.. الكتاب الذي يضيف إلى معرفتك بالقراءة والدراسة وما تجهله في هذه الدنيا الكثير من الأمور في الحياة.. التي لا تكفي دراستنا النظامية لنصل إلى كل أهدافنا الإنسانية .. ولا تقتصر القراءة في الكتب الأدبية والفنية بحكم التخصص والرغبة.. بل في الكتب التاريخية العربية التي تحمل لنا بين طياتها أخبار الأولين وما حققوه من إنجازات علمية وأدبية وفنية ورياضية وحتى الحربية والغزوات والفتوحات التي استطاعوا من خلالها نشر الدين الإسلامي وإعلاء كلمة الله.. والتعريف بالحضارة الإسلامية والعربية.. التي اعتمد عليها الغرب حتى استطاع أن يظهر ويخرج من عصور الظلام إلى النور.. وقد استطعت أن أطلع مؤخراً على كتاب قيم صدر من فترة في طبعته الثانية عن دار الكلمة بالعاصمة اليمنية (صنعاء) بعنوان (مشرق اليمن السعيد) من تأليف العقيد محمد عبدالرحمن البصراوي- رحمه الله-.. قدم له صديقنا الأديب الشارع الكبير عبدالعزيز المقالح أطال الله في عمره.

ويعتبر من الكتب التاريخية التي كانت لسنوات خلت مخطوطة تتوارثها الأجيال وعمرها يفوق الخمسين عاماً.

ومن المخطوطات الأثرية النادرة ذات الأهمية العربية والعالمية.. والكتاب رغم أهميته إلا أنه كما أشار (المقالح) في مقدمته الجميلة عنه.. أغفل أن يذكر أن مشرق اليمن لا يقتصر على المناطق المحدودة فيه بل يمتد من المحافظة الخامسة جنوباً إلى ظفار وعمان شرقاً كما يؤكد ذلك قدامى المؤرخين.

ويسجل للمؤلف في تلك الحقبة التاريخية البعيدة سبق استطاعته رغم الانحطاط الأدبي والعلمي في عصور التخلف والظلام السابقة لليمن.. أنه استطاع كضابط في الجيش المتوكلي الموكل إليه سوق الزكاة وجمع الواجبات ومعاقبة الرعايا بحثاً عن الدجاج السمين والخراف المعمرة.. استطاع أن يتجاوز هموم جيله الذاتية.. ويتجه إلى ما هو أبقى وأنفع.. من خلال الكتابة لمثل هذا المؤلف الذي أرخ من خلاله لمشرق اليمن السعيد وتضاريسه.

والكتاب من الحجم المتوسط يقع في (92) صفحة كل شيء فيه بالأبيض والأسود من الغلاف البسيط التعبير إلى أسلوب الكتابة والحروف والجداول.. وكأنه مازال مخطوطاً.

يتحدث في البداية عن الربع الخالي ومساحته وارتفاعه ورماله، ويقدم للقارئ كخبير جغرافي رغم أنه عسكري تضاريس المنطقة في تلك الفترة البعيدة من الناس ومعرفتهم بمثل هذه الأمور.. ويعرفنا بجدول الأبعاد من صنعاء إلى الحزم إلى الصبر ومن مأرب هذه المدينة التاريخية التي اشتهر بالسد الشهير وكان من عجائب الدنيا السبع إلى شبوة قبل أن تصبح مدينة الذهب الأسود اليمنية حيث الخير الجديد للسعيدة.

ومن مأرب إلى بئر الطررة، ومن نجران إلى شبوة ويدخل بنا بكل سهولة في وديان وجبال وسهول اليمن ويمر في وعورة الطرق.. ويتحمل الأمرين من أجل أن ينقل بصدق مشاهداته والأطوال والمسافات بأساليب ذلك العصر وإمكانياته البسيطة.. وينتقل من قرية وقبيلة إلى الهجر والمدن الصغيرة الموجودة ومناطق لم يصلها أحد بعد أقرب إلى الصحراء القاحلة والأرض الجرداء الموحشة الغريبة.

وينقلنا في القسم السادس والأخير.. من الكرب إلى بريك من جبان ثم لحام سلم وكلها قبائل عربية يمنية تعيش في اليمن على امتداد جغرافية أراضيه التاريخية مع افتقاده لوسائل المواصلات الحديثة التي كانت كفيلة بالتواصل بينها ولكنه عصركله ظلام وفقر ومع هذا استطاعوا رغم المعاناة التي عاشوه.. الصبر والصمود وإثبات الذات.

وفي تعريف العقيد محمد البصراوي لمنطقة صيعر يقول:

(أرض واقعة ما بين درجتي العرض الشمالي إلى 16.40 و18.50 درجة، ودرجة الطول الشرقي 48.47 و50.49 درجة، يحدها من الشمال الربع الخالي ومن الجنوب الكرب ونهد وحضرموت وعدد نفوس الصيعر 6000 نسمة والمشهور من قراها -الريدة- وتزرع في الصيف ذرة ضعيفة وقليلة جداً وبعض التمر، وصادراتها الجلود وقليل من الماشية، ووارداتها الحبوب والبر والسكر والحوائج من حضرموت والسمك من سواحل أم مشقاص.

ويستعرض المؤلف في التعريف بصفة الصيعر وسكانها.. ويصفها بالأرض القاسية نادرة المياه وسكانها موغلون في الهمجية متحملون شظف العيش ومتاعب الحياة.. أجلهم يرحل إلى البلاد الأخرى لتأمين معيشته، والديانة في الصيعر أضعف حالاً من الكرب، واللغة كذلك.. ومع فقرهم والغباوة قل أن يوجد فيهم من يحمل السلاح أي يملكه).

ويحدثنا العقيد محمد البصراوي في كتابه عن مشرق اليمن السعيد وأهله في بانوراما إنسانية عن ذلك التاريخ القديم.. إلى أن الصيعر ينقسم إلى قسمين كبيرين.. آل حاتم، وآل علي بن الليث.

وأكثر ما يميز الكتاب وقيمته التاريخية.. جداول الأبعاد، والخرائط الدقيقة المرسومة بأسلوب زمان وإمكانياته المتواضعة والبسيطة للجبال والوديان والطرق وتفاصيل دقيقة عن عادات القبائل والعشائر وأحوالهم بحلولها ومرها وخرائط أكثر دقة توضح معاناة الناس والرفاهية التي يعيش فيها الجيل الحاضر متى ما تمت المقارنة.

وتأكيدا لما سبق وقاله أستاذنا الأديب الشاعر عبدالعزيز المقالح في مقدمته للكتاب بأن اليمن بلد الكنوز المخطوطة.. ويستحق من احتفظ بهذا الكتاب ومن أمر بطبعه وإصداره بعد ذلك كوثيقة تاريخية للأجيال العربية.. الشكر والتقدير ودعوة لكل من يملك من الأسر اليمنية والعربية بصفة عامة أي مخطوط تاريخي أن يسارعوا بالإفراج عنه وطبعه.


 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة