Culture Magazine Monday  12/01/2009 G Issue 266
فضاءات
الأثنين 15 ,محرم 1430   العدد  266
من الأدب الذاتي الساخر
قصتي مع النشر.. حرمان من دعاء أمّي!!

 

كانت عندي، منذ ما قبل ثلث قرن، فكرة جيدة.. بل متكاملة تقريباً عن صناعة الكتاب، ومقاساته، وأنواع طباعته، وتوزيعه، حيث قرأت الكثير جداً من أهم الكتب الممتازة، المختصة في هذا المجال (عربية، وعالمية مترجمة)، ولا أظن أنه قد فاتني كتاب على هذا المستوى، وإن كان لا بد من نادر لم يضم إلى مكتبتي المتواضعة.. أقول: متواضعة، وهي في الحقيقة، عامرة، شامخة، بيد أنه لا بد من بعض التواضع، أو عدم المباهاة، وبخاصة جداً في هذا المجال!

أما الكتب المتوسطة المستوى، أو حتى ما هي دون المتوسطة في المجال نفسه.. فقد قرأت منها أكثر بكثير مما أحتاج إليه!!

وأما غير الكتب مما هو في حكم الأبحاث، أو المحاضرات، أو المقالات، أو حتى الموضوعات، والمعلومات الصحفية، واللوحات، والكاريكاتير، والجرافيك، فإن من أغرب، عجائبي أو هواي، قيامي، مع من يساعدني، بانتزاع أو اقتطاع كل ما يهمني، أو أتوقع أنني سأحتاج إليه في يوم ما من بين كل ما يقع تحت يدي من مجلات، أو صحف، أو نشرات.. إلخ.

وأقوم، بعد كل فترة، بفرز ما عندي، وتصنيفه، وفقاً لنظام معين، عبارة عن مجموعة عناوين ثابتة، وذات موضوعات متعددة متنوعة، ولكن بتحديد دقيق، شديد الوضوح عندي وعند من يساعدني من أبنائي، وبناتي، وبعض فاعلي الخير وأهله، فضلاً عن وجود من يساعدني في ذلك، وكل من يمكنني استخدامه بالحياء، أو المروءة، أو النخوة، أو ما إلى ذلك من تعسّفات لا تنقصني أصلاً!!

وبالطبع يأتي من بين أهم مختاراتي أو تجميعاتي كل ما يتعلق بتصنيع الكتاب، وطباعته، ونشره، وتوزيعه.. بل كل ما يتعلق بالطباعة والنشر بصفة عامة، بما في ذلك الصحف والمجلات وما إليها، رغم ما عندي من خبرة وممارسة مهنية صحفية بمختلف نواحيها على مدى زمني يقترب من نصف قرن.. ولكن هذه المسألة وحدها مختلفة، ولو إلى حد ما عن موضوعنا هذا.. فلندعها وشأنها!

ولكوني، من قديم الزمان وسالف الأوان، أعتبر عند الجميع كاتباً محترفاً، أعزكم الله، فإني أكتب يومياً، وأسبوعياً، وحسب التساهيل؛ فلا بد أن ينعكس اهتمامي الواسع أو غير المعقول بشؤون وشجون الكتاب، كما أسلفنا، على اهتماماتي الكتابية، حيث كتبت ونشرت الكثير جداً جداً عن ذلك ونحوه.

وأذكر أن أول مقال نشر لي في هذا الصدد كان عام 1382هـ في جريدة (الندوة) بالتحديد، إلا أنني أُنسيت عنوانه الآن!!

وأما آخر مقال نشر لي أيضاً فهو منذ أشهر قليلة من تاريخ يومنا هذا (25-6-1429هـ) وكان بعنوان (الثقافة والكتاب وغياب الدور الحكومي) نشرته (الثقافية) على مدى صفحتين كاملتين متقابلتين.

وما بين هذين التاريخين (48 عاماً) كتبت ونشرت خلالها من المقالات المطولة ما أصبح مجموعة مادة كتاب بكامله قوامه أكثر من مئتي صفحة من القطع المتوسط بعنوان (الثقافة والكتاب.. سلبيات وإحباطات وغياب مسؤولية) عسى أن يرى النور قريباً إن شاء الله.

ورغم كل هذا وغير مما أسلفناه لم يكن قد خطر لي قط أن أكون ناشراً أو صاحب (مهنة نشر).. بل كان كل ما صنعته، خلال 43 عاماً، من كثرة قراءة أو كتابة، أو تجميع معلومات، أو ما إلى ذلك.. إنما كان من ضمن ما يعتريني دائماً من هوايات أو غوايات في الاطلاع وشحن المعلومات في ذهني لسبب أو لآخر.. ولكن لم يكن من بين هذه الأسباب مجرد التفكير في الاستفادة العملية من كل هذه المعلومات أو الاهتمامات.. اللهم إلا ما يمكن أن يتعلق بمهنتي الصحفية التي كنت أرتزق منها راتبي أو ما تيسر لقوت عائلتي التي كانت تتنامى باستمرار.. فيجبرني ذلك على التمسك بوظيفتي في مهنة الصحافة التي لا أظن وجود مهنة أسوأ منها إطلاقاً.. إطلاقاً!!

ويكفي أن رزقها من ِشقّ قصبة - كما يقول عمنا الشاعر القديم -، وأما الآن فرزقها من رأس قلم فلومستر قد لا تزيد قيمته على ريال واحد؛ أي أنه ليس أغلى على كل حال من شق القصبة تلك! ولست أشك أن من كان قدره العنت أو الشقاء وقلة الرزق وسوء المعيشة، فلا بد له من مهنة الصحافة بالضرورة؛ إذ ليس هناك ما هو أسوأ منها!

بلى.. بلى، لقد نسيت؛ فعفواً ومعذرة، هناك فعلاً مهنة أخرى شبيهة بها، وهي مهنة النشر التي ليس هناك أو هنالك ما هو أكثر مقتاً منها، ولا بد لمن لم يحظ بدعاء أمّه وطيبة خاطر والده أن يخوض مستنقعها!!

ومن المؤسف جداً، بل كثيراً، أن أمّي قد ذهبت إلى رحمة الله تعالى منذ كنت طفلاً؛ فلم أحصل - كما يبدو - على ما يكفي من دعائها.. رحمها الله. وربما لهذا السبب أو غيره من الأسباب التي لا يعلمها غير الله - جل شأنه - ما إن كدت أتخلص من العمل المباشر في مهنة الصحافة، وإن لم أترك علاقتي بها، ولكن كتابياً من منازلهم فحسب، حتى وقعت من جرفها في دحديرة أكثر مقتاً عند كل مبتلى من أمثالي! أقصد مهنة النشر، وبخاصة في بلادنا، وبالتحديد الأكيد غير القابل لأدنى جدل كما هو المعروف لدى الجميع.. وإلى لقاء بعد.

جده

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة