Culture Magazine Monday  12/01/2009 G Issue 266
مداخلات
الأثنين 15 ,محرم 1430   العدد  266
يا أبا الطيب.. ما أروعك

 

لا يستغرب ممن تابع تلك الملاسنات والمناوشات التي دارت بين كل من الدكتور الغذامي والشاعر العلي أن يصرخ بملء فيه: لله درك أيها الشاعر العظيم المتنبي يا شاعر كل عصر ويا فخر كل شعر ويا مغرد عبر فكر، أيها المبدع الذي يتجدد - كلما تقادم الوقت - ليبقى شاهداً عظيماً على عبقرية ندر مثيلها حتى وإن ألحقت به التهم من كل حدب وصوب.

فالمتنبي الذي اتهم بالتسول هو ذاته الشاعر الذي يستدعى في كل موقف يراد به إبراز سمو النفس وعلو الهمة، وسموق الغايات.

وعودة لأستاذينا الغذامي والعلي. ففي الوقت الذي يحفظ فيه للغذامي حراكه الثقافي المتنوع وخطابه الفكري المتجدد وللشاعر العلي شاعريته المتجاوزة المختلفة، فإن ما حدث من مشاحنة بينهما تكشف عن عللنا الثقافية، وغلبة الشخصنة على الخطاب الفكري وإلا بماذا نفسر عودة الغذامي إلى المتنبي وهو الشاعر المتسول من وجهة نظره؟ هل كان ذلك ارتكاساً وعودة عن هذا الانطلاق الفكري؟ أم هو اعتراف متأخر بحداثة المتنبي؟ أو أنه انتقال بالخلاف لاستثارة الذائقة المجتمعية التي تشربت آراء ورؤى المتنبي عبر شاعريته الفذة.

أم أن هذا الاستشهاد هو رسالة صريحة للشاعر الحداثي الآخر بعجز الحداثة الأدبية عن تحقيق أي أثر إزاء آثار أدبية خالدة كالشاعر المتنبي.

أم أن خطاب المتنبي الشعري هو الخطاب الأنسب لممارسة القهر والاستعلاء والاعتداد بالذات أمام الآخر؟ بل وسحقه إن لزم الأمر!

وشر ما قنصته راحتي قنصٌ

شهب البزاة سواء فيه والرخم

ولئن أرهقتنا التساؤلات إزاء استشهاد الغذامي، فإن التساؤل لا ينتهي إزاء عودة العلي للرد على الغذامي مستشهداً ببيت المتنبي:

إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه

وصدق ما يعتاده من توهم

فهل كان هذا من باب المعاملة بالمثل؟ وهل أعيا المعنى (الشاعر) الحداثي العلي حتى يعود إلى المتنبي مستنجداً؟ أم أنه منهج الاستعداء المجتمعي - أيضاً - عبر نجومية المتنبي المتجددة وجذوة شعره التي لم تخب يوماً؟.

ولئن وافقنا الشاعر العلي في أن الحداثة لا يمكن أن تتم إلا عبر حراك اجتماعي فإننا نخالفه في كونه أحد رموزها المحركين لها أو الباعثين لها ذلك أن الحداثة الفكرية قيادة وتأثير عبر مشروع وطرح مستنير فأي مشروع نلمسه لرجل لا زال يرفض توثيق (شعره) عبر ديوان مطبوع تتلقاه العقول دراسة وتمحيصاً، أثراً وتأثيراً، وإن مما يسجل للدكتور الغذامي - مهما كان الاختلاف معه - سعيه الدائم لتقريب أفكاره وأطروحاته لتكون بين يدي القارئ والمثقف وهو بذلك صاحب مشروع بغض النظر عن مدى اكتماله أو نضوجه أو بروزه للعيان بوضوح أم لا.

بقي أن تسجلوا براءة الاكتشاف الساذج لكاتب السطور في فك شفرة حرف (الشين) المتمثل في (شعر) الشاعر المتنبي.

ويا أبا الطيب نم هادئاً، فلا زلت المجدد الخالد بشعرك، الثر منبعك، فالحداثة منك.. لك.. معك.. فلله يا أبا الطيب ما أروعك!!!

سعد بن سعيد الرفاعي abo60mar@hotmail.com

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة