Culture Magazine Thursday  12/03/2009 G Issue 274
الملف
الخميس 15 ,ربيع الاول 1430   العدد  274
النصّ المسرحي والمتلقي العربي
د. عبدالجليل غزالة

 

أنتج الكاتب السعودي غازي عبدالرحمن القصيبي عملاً مسرحياً مكتنزاً، يحمل عنوان (هما). صدر هذا الإنتاج الأدبي عن دار الساقي بلبنان عام 1997م. يقع في (157) صفحة من الحجم المتوسط.

يدور موضوع المسرحية حول رجل وامرأة، يناقشان عدة قضايا ساخنة ومتنوعة، تحدث باستمرار بين الجنسين. تطرح الشخصيتان آراءهما، من خلال جمهرة من التصورات والرؤى وأنماط من الوعي المتميز، المستوحاة من نظريات معرفية أصيلة وفلسفات مسيطرة واتجاهات نفسية -تربوية واجتماعية- ثقافية هائلة. لذلك فإن الاتجاهات المسرحية تتداخل عند المؤلف ضمن سيل من الحوارات المتراصة، مما يبرز لنا وجهة نظره وتصوره الموسوعي. يبلور الجدل القائم بين الشخصيتين هذا التوجه التكاملي؛ حيث نجد بعضاً من الواقعية والتراجيدية والكوميدية والرمزية والعبثية ABSURDITY وغيرها من المذاهب، البانية ل(سلطة) النص المسرحي عند هذا المبدع.

قضايا المسرحية

تطرح مسرحية (هما) قضايا THEMES مهمة تحاكي الأحداث الإنسانية الكبيرة، التي تقع بين الجنسين: نسيان المرأة وتذكيرها أثناء الحكم والشهادة.. الموت، الطلاق، صعوبة الوداع بين العاشقين. بعض الرجال القوامون على النساء. حقيقة دموع المرأة، ضعفها وانكساراتها، خوفها.. تهريج الرجل وسفسطته بالنسبة لبعض المواقف، ادعاؤه المعرفة والذكورة. المرأة تكمل الرجل. غرور الذكور، عناد المرأة المعرفي، علاقتها بالجنس. الصورة الوهمية للرجل عند المرأة، احتماؤه بها عند الحاجة والعوز، ذكرياته معها. قانون الحب عند الرجل وسلطانه. كره المرأة للرجل الدموي المتجبر، نظرتها التزامنية الوصفية المحايثة للتاريخ. اعتداد الرجل بنسبه وسلطة ذويه. المرأة رمز الخصب والهوية والوجود. سهولة تصديق بعض الرجال للإشاعات. احتراس المرأة من الرجل الغادر اللئيم. نكرانها صدق حب قيس لحبيبته ليلى.. عدم اعتراف بعض الرجال بالمنطق في الحب، ربطهم تبرج المرأة بالخطيئة. ربط المرأة الحب بالقلب والشفتين، تصنيفها للرجل العاشق بأن حبه أفلاطوني؛ أي عذري.. تمييز الرجل بين الأجناس الأدبية وعدم حبه خلط الأوراق في هذا المنحى. النماذج النسوية الملهمة عند المرأة نابعة من الواقع، مما يصنع عبقرية الأنثى المبدعة. حب الرجل دخول التاريخ، ولو على حساب غيره، وحب المرأة دخوله عن طريق موهبتها وفنها وشخصيتها، وعدم التعلق بأذيال الآخرين. يعد الرجل بعض الزيجات والارتباطات ذات أسباب نفسية فرويدية جنونية. كره المرأة تشبه بنات جنسها بالرجال وكونهن نامصات ومنمصات لديهن خواء فكري. سخرية الرجل من بعض العباقرة والموهوبين الرافضين للجماهير. اعتبار المرأة بعض التأويلات الجنسية الفرويدية للإبداعات الأدبية تافهة وسخيفة. وسمها الرجل بالنخبوية القصوى المخيفة. حكم الرجل على المرأة بأنها ضعيفة في معرفة الحقيقة ومنسابة بقوة في مجال الخيال. احترام المرأة لنماذج تاريخية مضيئة من بنات جنسها.. موازاة الرجل بين الغيرة والقتل. اعتبار المرأة إباحة دماء بعض المحبين في قصص العشق التاريخية من الأسرار الصوفية. تمييز الرجل بين الغرائز على الطريقة الفرويدية. اعتبار المرأة بعض الموهوبين نرجسيين مفضوحين واستعلائيين بغيضين. اعتراف الرجل بالفوبيا التي لا تشعره بالاطمئنان، وخجله من اطلاع الآخرين على ملابسه الداخلية. التباهي والتحدي بين الشخصيتين (هو+ هي) بشأن كثرة القراءات للكتب وعمق الفهم والتأويل والإسقاطات المتنوعة والتبجح بمعرفة النظريات المختلفة. وجود بعض جوانب صدمة الحداثة عند البطلين .. ترى المرأة أن عادات الرجل المعاصرة (حمل المنديل في الجيب، التدخين، القداحة، النوم، تجنب المصاعد، الارتباط بخوف دفين كإفساد الملابس الداخلية في دورة المياه، الفقر والقهر، بعض العادات السادية) هي عادات غريبة آسرة. احترام الرجل للمرأة عن طريق التحية الحسنة والانحناء لها وتحريك الرأس والقبعة تبجيلاً وتقديم القداحة والمنديل والمرور بعدها عبر الباب وفتحه لها للإعراب عن إيثارها وأولويتها.. ذكريات الرجل في طفولته كانت تربط بين المطر والعيد لتجانس طقوسهما البدائية، حبه كطفل لفصل الخريف وتنوع أحوال الطقس والطبيعة في كتب المحفوظات. عشقه لقصة طرزان، وتمثيل عدة جوانب منها. يعرض الرجل على المرأة ذكرياته مع شخصيات مسرحية وروائية وطبية وفكرية عالمية ويقدم بعض العادات الخاصة بالأمراض الموسمية. طلبه من المرأة تسجيل عاداته الغريبة بعد موته في كتاب ينشر للذكرى والعبرة. تقييمه للجنس وعادات بعض مشاهير الروائيين والمغنيين العرب (نجيب محفوظ + محمد عبد الوهاب). خلطه أحياناً بين الجد والهزل بالنسبة لبعض العادات الشخصية الغريبة (الملابس الداخلية + المناديل + الكبريت، مزيل العرق...). تميز عادات الأكل والأناقة والعطور عند الرجل. جهله بألم وعقدة فقد المرأة لعذريتها. الأنثى تصنف معرفة الرجل المتعلقة بالإنجاب مجرد أساطير سخيفة وحكايات ألف ليلة وليلة النسوية. حبها لآخر صيحات عالم العطور، تصنعها في بعض المواقف، تقمصها لعدة مظاهر مسرحية في الحياة وتباهيها بها. تقييمها للرجال الذين يبيعون أجسادهم للرجال وللنساء نتيجة للظلم. الرجل يؤكد أحياناً على وجود بعض التنميق والعجائبية في كلام المرأة. كثرة تجارب الاغتصاب في حياة المرأة - البطلة. عشق الرجل سماع قصص المغامرات النسوية للتلذذ والنشوة الفرويدية. تفلسفه وإكثاره من ضرب الأمثلة المبهمة أمام المرأة بالنسبة للمواقف المخجلة والخادشة للحياء. حمله لعدة أوهام ترتبط بصورة الأنثى.. شيوع ظواهر اليأس في حياة المرأة (خطوبة، زواج، طلاق، اغتصاب، عنوسة، بطالة، مخدرات، انتحار، فقر، إجهاض، عقم، تشرد، تفكك أسري، سرقة، انحراف، سحر، دعارة، نعي وعزاء ومراسيمهما...). تصنيف الرجل لذكريات المرأة عن الاغتصاب بأنها حالات سادية وماسوشية مفرطة. نحت البطلين لمفاهيم وعبارات تقييمية غريبة ومدهشة عن الحياة والفكر والنفس. تعدد آلام النساء بتعدد الضحايا بينهن. المبدع السارد يرهب بأس رجال السلطة، مما يجعله يتستر على فضائحهم ويداريهم. العمل الفكري يخضع لرقابة صارمة. التصنيف النقدي اللاذع عند المرأة بالنسبة للرقباء. اعتراف الرجل بأن الممنوع يصبح مرغوبا. فلسفة الاغتصاب والخوف عند الشخصيتين (هو + هي). مقت المرأة لزميلاتها المتسخات الملوثات. تحديدها لمواصفات الأنثى التي يحبها الرجل الشرقي: أنثى ناضجة، مغرية، شقراء، أصيلة.. وجود أحلام جنسية متنوعة الصور عند البطلين. بروز معلومات موسوعية عندهما تتعلق بالحيوانات والطيور والحشرات والأنعام وعاداتها وغرائزها.. حلول وتناسخ العقول بين الرجال العظماء. تبرم المرأة بتحاليل الرجل الفرويدية. حب بعض النساء هدايا المعجبين، انعدام المعارك الفكرية والمناظرات بين المفكرين والمفكرات في هذا العصر. اختلاف الشخصيتين حول آراء الزملاء والزميلات بشأن معاشرة الرجل للمرأة بالليل. مناقشة موضوع الحساسية عند الآخرين. موازاة المرأة بين نرجسية وأنانية الذكر والأنثى. كره الرجل للنظام المفرط والصارم عند شريكته، حبه إغاظة المرأة المتسلطة. تمييز المرأة بين الحب من طرف واحد والحب المتبادل، وجود دور سياسي هادف لها في المجتمع العربي. اعتبار قتل النساء جريمة. رأي المرأة في الانقلابات الحكومية. تقييم الرجل لبعض الساسة بأنهم أغبياء وبلهاء وأبالسة. ترى المرأة أن السلطة تدمر نفسية المبدع والبطل. رفضها آراء الذكر عن الأنثى (حشرة غريبة، نبتة تحتاج إلى وصف، تافهة في السياسة...). حبها لأراء نوال السعداوي التحررية. تغير عواطف الرجل إزاء بعض النساء واعتباره الحب حقيقة رئيسية في حياة المحرومين. تصنيف المرأة حب الزوجة لزوجها بأنه قيد وإذلال وتدخل وحلول كالنعجة (دولي) والخروف (جوني)... إنه رق وعبودية. ضيق الرجل بجدل المرأة ومناظراتها في نهاية هذه المسرحية وعزمه على الذهاب، حلمه بمدينة فاضلة متواضعة. اعتراف المرأة في هذه المسرحية بأنها هي التي نسجت من وحي خيالها شخصية الرجل الذي جادلها على امتداد نصوص هذا العمل، وانسلاخها عن (سلطة) الكاتب غازي عبدالرحمن محرجة.

يقدم المؤلف عدة وظائف مسرحية، من خلال حواراته المكتنزة:

1- المنفعة الفكرية.

2- الانفعال والتأثر.

3- التسلية المسرحية.

4- الإيهام المسرحي المحبوك.

5- ترابط زوايا المثلث المسرحي (المؤلف، المسرحية، المتلقي).

النص المسرحي والكاتب: يتأسس نص مسرحية (هما) على اتجاه تراجيدي واقعي، يجسد ما يحدث يومياً بين الجنسين، حيث تبرز سلوكيات الشخصيتين (هي + هو) جلية المعالم، من خلال الموضوعات والأفكار التي تناقشانها ضمن حواراتهما وسجالاتهما.

يقدم المؤلف عدة عناصر ومكونات لتبئير FOCUS موضوعات نصوصه، بناء على:

أ- خصائص السياق المسرحي: تقوم على الباث والمتلقي لهذا العمل والموضوعات المطروحة بين الشخصيتين، الموجهة للحوار والمناظرة وقناة الاتصال وشفرة الديباجة اللغوية العربية والصيغة الرمزية المقصودة وطبيعة الأحداث الرائجة بين الرجل والمرأة والطابع التقييمي للعمل الإبداعي برمته.

ب- وظائف اللغة العربية المستعملة: تعتمد على الكاتب غازي عبدالرحمن القصيبي ومحتوى (الرسالة) المسرحية المبثوثة والمتلقي- المتفرج العربي وظروف إنتاج النص وقناة الاتصال بين المبدع ومتلقيه والنظام اللساني العربي الموظف.

ج- الأبعاد السيميائية للعمل: دلالات الرموز والعلامات اللغوية المسرحية في الحياة اليومية للشخصيتين المتجادلتين.

يعرض الكاتب، على لسان الشخصيتين (الرجل + المرأة)، المحركتين لنصه جمهرة من المواقف والرؤى والتصورات وأنماط من الوعي العربي الحالي. لذلك فإن البطلين المتحاورين داخل هذا الإنتاج يمثلان قناة اتصال تبث و(تمرر) أفكار المبدع وتعرب بعمق وصدق عن توجهه وانتمائه. إنه يخلق ببنائه لعدة مناظر ومشاهد مسرحية ديكوراً يساعد لاحقاً المخرج والناقد في عملهما الخاص. يعد الاتجاه التراجيدي هنا واقعياً لأنه يعانق موضوعات تواجه الجنسين، في حياتهما. كما يلعب الزمن عند المؤلف دوراً كبيراً؛ إذ إنه يرصد أحداثا، تجسد حياة فعلية تداولية PRAGMATICS.

يتجلى الاتجاه التراجيدي الواقعي في نص غازي عبدالرحمن القصيبي بانتقال الرجل والمرأة بين عدة قضايا فيها نصيب من التعاسة والسعادة والمعرفة والجهل والحب والكراهية والتحدي والاستسلام والقوة والضعف والغرور والتواضع والخفاء والتجلي والوضوح والغموض.. يرصد المبدع، في هذا الاتجاه، سلوك الشخصيتين بعمق نفسي محترف، مما يبلور كل دواخل نفسيتيهما. كما أنه يبلور، على لسانهما، عدة قيم إنسانية، تطلع المتلقي- المتفرج العربي على بعض السمات النفسية، القابعة في دواخلهما:

1- قيمة الخير الفطرية الموجودة عندهما.

2- خضوعهما لثنائية: التسيير- التخيير.

3- تنوع مواقفهما وسلوكياتهما بين الرعب والرأفة والسخرية والضعف والتماهي، تبعاً للنفسية وطبيعة الموضوعات.

4- الجرأة والعمق في مناقشة قضايا الجنس ومشكلاته ومخلفاته ومعتقداته عند الطرفين.

تطرح الحوارات الدائرة بين الشخصيتين في هذا النص المسرحي عدة جوانب أخلاقية، تهم (الشخصية العربية) المعاصرة المنهكة والمستنزفة، على عدة مستويات، كما أبرزنا ذلك عند تعرضنا لقضايا هذا النص. فأخلاق الرجل تتميز عن أخلاق المرأة، فهي (عند الصغيرة غيرها عند الكبيرة، ومن الأخلاق ما هو فطري وما هو مكتسب ونزوع الشخص إلى خصائص بعينها يصبح طابعاً يميزه عن غيره في المسرحية، وهو يحدد أن شخصية البطل يجب أن تتوافر بها أربع صفات أهمها النبل الذي يجعلنا نرثي له ونعجب به، ثم انسجام صفاته المكتسبة مع أخلاقه الفطرية، والتشابه بينه وبين ما ترويه المأساة عنه، ثم التماسك والإصرار) (1).

تتبلور قواعد إنتاج نص مسرحية (هما)، بناء على عدة مستويات:

أولاً: مستوى اللسان العربي المسرحي: يستعمل المؤلف (معجماً مسرحياً) لطيفاً ورقيقاً ليس به مساس أو محظورات تخدش الحياء وآداب اللياقة والسلوك العام. فالشخصيتان تطرحان موضوعات تراجيدية وكوميدية وواقعية وعبثية بلسان عربي سلس، يؤلف بين عناصره بكل علاقاتها ووظائفها أسلوب شخصي واضح ومتميز، حيث يخاطب أذهان المتلقين- المشاهدين العرب قبل أن يتوجه إلى عواطفهم. لا يوظف المبدع في ديباجته المسرحية كثرة المحسنات والزخرفة في القول. فالحوارات الدائرة بين البطلين تظهر بسيطة وملائمة لمقتضى الحال والسياقات الموضوعية، نائية عن الركاكة والحذلقة اللغوية المجعجعة، كما يجسد ذلك هذا النموذج:

- هي: لم تنته القصة بالانتحار.

- هو: ماذا تقصدين؟

- هي: أقصد أنه تركني حاملاً.

- هو: أنت تمزحين!

- هي: في موضوع كهذا ؟ طلقني زوجي الأول لأني لم أحمل. وطلقني الثاني لأني لم أحمل وجاء هذا الحمل...

- هو: متى كان زواجك الثاني؟

- هي: في الفترة الانتقالية بين الاغتصاب الثالث ولقائي بك.

يشد هذا النسق اللغوي العربي؛ الواضح العلاقات والوظائف المتلقي إليه، حيث يفهم ويؤول موضوعاته وقضياه بكل عمق ويسر.

ثانياً: مستوى القضايا والأحداث المسرحية: يتبادل البطلان مختلف المشاعر النفسية والتجارب الذهنية والرؤى والتصورات وأنماط الوعي، فتتغير (الأدوار) والمواقع. يبرز البعد التراجيدي هنا بأشباحه وانكساراتها وصراعاتها، مما يبلور مظاهر الرأفة والاشفاق. كما نصادف في بعض الحوارات البعد الكوميدي الساخر أو المضحك الوظيفي، يشبه أطروحات يوجين يونسكو، حينما يتلاعب باللغة بشكل هزلي عميق، وهو ما ينفس عن أعصاب المتلقي- المشاهد العربي. لذلك فإن القضايا المسرحية التي تثيرها هذه الحوارات، الدائرة بين الرجل والمرأة، تتخذ عدة مسارات عقلية جميلة ومدهشة:

1- الحرب سجال بين الطرفين بالنسبة لسمات وفضائل الذكورة والأنوثة.

2- غرور وتبجح الشخصيتين بعدة معارف ونظريات كلاسيكية وحديثة مستنزف ة ومهترئة وإسقاطاتها على عدة جوانب من حياتهما.

3- وجود فوبيا مستفحلة ومركبات نقص مستدامة عند البطلين بالنسبة لعدة عادات غريبة وممارسات سلوكية، تأصلت فيهما منذ الطفولة وتجلي قضايا اجتماعية مزمنة.

4- التقييم لعدة موضوعات وقضايا من منظور التحليل النفسي الفرويدي المسيطر وبعض أفكار صادق جلال العظم ونوال السعداوي وفاطمة المرنيسي وتوظيف معجم جنسي لافت للنظر بين الطرفين.

5- التكامل والتداخل بين الاتجاه التراجيدي والكوميدي والواقعي والعبثي بالنسبة للموضوعات المطروحة.

6- انسياب وجنوح الخيال أحياناً عند معالجة بعض القضايا.

7- التناص INTERTEXTUALITY والتضمين أوالتجاذب GRAVITATION واستلهام عدة ثقافات ومعارف بغية العبرة وخلق رمزية مسرحية عميقة.

ثالثا: مستوى تجلي سمات البطلين المتحاورتين: يمثل نموذجهما نمطين من المحاكاة الحياتية بالنسبة للجنسين. إنهما يتقمصان أدواراً مهمة، تحيل على (نمطين من الأسوة والاقتداء) في الديار العربية. يبث المتجادلان (رسائل) مسرحية هادفة ؛إذ أنها تجسد:

أ- حسن الخلافة في الأرض وحمل الأمانة بوعي وتبصر.

ب- القيام بالعمل الصالح ونشر العلم والمعرفة وتوزيع السلط.

ج- الإصلاح والتغيير والتنمية للمجتمع العربي.

د - إحياء زمن المناظرات والمعارك الفكرية، البانية للحضارة والاختلافات الصحية.

هـ- سياسة الناس وتقييم سلوكهم وإعادة التوازن إليه وخدمتهم ورعايتهم.

و- مثاقفة الآخر بكل موسوعية ونقده بموضوعية.

ي- تسطير معالم نوع متميز من الأنتلجنسيا العربية بالنسبة للجنسين.

رابعاً: مستوى الوحدة العضوية: يقدم إلينا غازي عبدالرحمن القصيبي عدة سلوكيات وأفعال إنسانية، عن طريق البطلين المتناظرتين. يبرز هذا المستوى وحدة الزمان والمكان: غرفة خاصة، البيت، المطارات، مكتبتي، الفندق، الهند، ضريح، الساعات اللؤلؤية، الواحة، الصحراء، الليالي القمرية، الصيدلية، لحظة، أحداث السنين، نوفمبر 1947. هونولولو، دورة المياه، المدرسة، الحمام،، الدرج، أسبوع، الباب، في الثالثة، السنة الأولى، مصعد، قبل الموعد بوقت طويل، ناطحة سحاب، الطريق إلى الجحيم، في الخامسة، في تلك الأيام، المرحلة الابتدائية، الأماكن العامة، السماء، السحب، الشمس طالعة، الزقاق، بيت طرزان، العهد الصحي الذهبي، وحدات العناية المركزة، الآن، ألف ليلة وليلة، المعهد، كنت وقتها في الخامسة والعشرين، سبعة أيام، قسم داخلي، الأيام الغابرة، السرير، بريطانيا، في شهره الثاني، تلك الليلة، المدينة، أمام الفيلا، الكوكب، الصالون، فترة طويلة، بلدك، المحاكم، لحظة الصفر، النوافذ، الكلية، عواصم الأمة العربية، العهد البائد، وقضيت في السجن أسبوعاً أو أسبوعين، القمة الشاهقة، ياباني...

خامساً: مستوى البناء: تطرح مسرحية (هما) حوادث أزلية يتكرر وقوعها باستمرار بين الرجل والمرأة ؛ إذ تطالعنا ثنائية: التسيير- التخيير بالنسبة لعدة موضوعات تصنع حياة الجنسين. يتحرك البطلان أحياناً بمحض إرادتهما، وأحياناً أخرى يخضعان لمشيئة ربانية ويد خفية، تصنع أفعالهما. لذلك فإن بعض الجوانب التراجيدية، في هذه المسرحية، ترسم جزءاً من حياتهما دون أن يشعراً بها، (وذلك كما هو واضح في أوديب، وهيبوليت، وميديا، وأفيجينيا) (2).

تعالج المسرحية عدة قضايا تراجيدية تهم البطلين، متجاوزة بعض الجوانب الفرعية السطحية. فالشخصيتان تطرحان بعض المشكلات الإنسانية النفسية والاجتماعية والعقلية والثقافية والاعتقادية:

1- سعي الجنسين وراء المآرب الشخصية.

2- الدفاع عن الشرف والملاذ ومقاومة الخصم.

3- تعرية العلاقات بين الجنسين وتقييم مشاكلها.

يجسد مستوى البناء، الذي ينسج (الكون المسرحي) THEATRICAL UNIVERSE لهذا العمل توجهاً كوميدياً نقياً، يعالج بعض الظواهر والمشكلات الاجتماعية والأخلاقية والفلسفية والسياسية، القائمة بين الجنسين بروح مرحة وخفيفة. يتنوع أسلوب الكاتب عند انتقاله من مستوى البناء التراجيدي إلى مستوى البناء الكوميدي أو العبثي، نظراً لتغير العلاقات والوظائف والمقاصد في كل بناء.

المتلقي والنص المسرحي: إن دورنا النقدي هنا يشبه دور المخرج المسرحي للعمل نفسه، من حيث تأويل ومناقشة الأفكار التي يتضمنها، وبلورة طرق استخداماته النصية. لذلك فإن منهجيتنا التأويلية تتطلب النظر إلى بعض العناصر المهمة:

أ- بنية الحوارات الدائرة بين البطلين.

ب- جماليات المسرحية.

ج- موضوعاتها THEMES.

د- الحركات والسلوكيات.

هـ- العوامل الفرعية، القابعة داخل النص.

و- أثرها على المتلقي- المتفرج العربي.

ترتكز مسرحية (هما) على عدة جوانب عاطفية وفكرية واجتماعية، تهز كيان الرجل والمرأة في بلداننا العربية وتغير أحيانا صلب تفكيرهما ونمط عيشهما، بناء على عدة مواقف متداخلة. يقدم المؤلف، في هذا الصدد، قيما عقلية وفكرية نافعة ومفهومة عند المتلقين العرب. إنه يعرضها بأسلوب و(لغة مسرحية) عربية متطورة وبسيطة وواضحة، فيها كثير من الجرأة والتعرية للواقع والإحاطة بالأفكار والمعارف والأسرار والطقوس والعادات الجنسية والشخصية الغريبة.

نطرح قضايا المسرحية ثلاثة أنماط من الفكر العملي:

1- فكر مسرحي فلسفي يكثر من التساؤلات المطلقة حول قضايا الجنس والاغتصاب وبعض القيم والمعارف والثقافات والعادات الغريبة بين الجنسين. يعرضه المبدع بأسلوب عربي رائق يحوي جمهرة من المغريات والمحفزات، التي تقصي كل نفور وجفاف وسطحية ومجانية.

2- فكر مسرحي نفسي: يدرس فيه الكاتب بعمق شخصية البطلين من جل النواحي؛ حيث يرصد تأثرهما وتأثيرهما، من خلال عدة حوارات، فيرى (كيف يتأثر هذا النوع من الأشخاص إذا وضع في موقف اختبار لمميزاته الأصلية؟) (3).

3- فكر مسرحي مشارك: يقوم على عدة جوانب، تبرز مشاركة المتلقي - المشاهد العربي في هذا العمل؛ إذ إنه يتدخل بمخيلته فيضع نفسه مكان البطلين، مما يحرك المشاعر ويؤججها ويخلف أثراً كبيراً للمسرحية بين الناس.

تضم هذه المسرحية عدة أفكار وقيم إنسانية أخرى، تفصل المتلقي - المشاهد عن الشخصيتين ؛ إذ إنها تثير الضحك وتوزع أنواعاً من التسلية، عن طريق طرح موضوعات وقضايا رائقة في مجال الكوميديا.

يبني غازي عبدالرحمن القصيبي أيضاً مسرحيته على أفكار وقيم مسرحية مجردة متنوعة، مثل:

أ- المشهدية الجذابة: جمال بعض الشخصيات التاريخية الموصوفة و بعض الفضاءات والمأكولات والحيوانات والعادات.

ب- الارتباط بالحس الراقي: بروز بعض الأصوات والموسيقى والمقولات والأمثال والعبارات المسكوكة والأشعار والقصائد العربية المذكورة.

ج- التجليات الذهنية: تعتمد عند المؤلف على الجانب الفني والإيقاع المتميز وبعض المظاهر الجمالية المتناغمة.

إن موضوع المسرحية يقوم على قضايا جنسية فلسفية مؤسسة للعمل برمته، تخلق مضامينها القائمة بين البطلين وحدة عضوية بالنسبة للنص المدروس. والملاحظ أن هذا الإبداع الأدبي يحتوي على عدد من القضايا والأفكار الأخرى، لكن قضية الجنس ومثيراته وتبعاته بالنسبة للبطلين تعد لدينا جوهرية لأن نقدنا المسرحي لا يجب أن ينصرف إلى أكثر من موضوع لكي نجمل وجهة نظرنا ونبرز محوريتها ونحدد سعينا نحو هدف واحد، دون أي تشتيت لأفكارنا النقدية.

يسلك موضوع المسرحية منحى واقعياً طبيعياً نظراً لطرحه المنطقي لعدة قضايا معاصرة ومثيرة يعيشها الجنسان. كما أنه يرسم آفاق تراث وفنون بيئة الكاتب غازي عبدالرحمن القصيبي. يركز هذا المبدع على موضوع الجنس والعلاقات والاختلافات بين الرجل والمرأة لأنها جديدة وقريبة إلى أذهان المتلقين العرب.

إنه ينتقي الأحداث والوقائع من خضم المشكلات والظواهر الاجتماعية اليومية، التي تواجه الجنسين في مجتمعنا العربي، فيعرض كل مفيد وهادف وطريف في مسرحيته ليحرك العقول والضمائر وينفض الغبار عما يوجع الصدور من هموم ومنغصات وحواجز، توهم بالديموقراطية وحرية التعبير والتصنع والتكلف وإثارة الشفقة والرحمة والمعاضدة.

يتعرض الكاتب في مسرحيته إلى عدة اتجاهات ومنهجيات وأطر وعناصر ومكونات تؤسس (سلطة المبدع) و(سلطة النص) و (سلطة المتلقي العربي)، مما يخلق أنماطاً من الوعي والمقاصد:

1- محاولة رأب التصدع الحاصل في بعض الطباع والفعال والسلوك عند البطلين.

2- بروز ثورة نسبية عند الشخصيتين، تتعلق ببعض القوانين الوضعية والآداب الموروثة.

3- ارتباط البطلين بالظروف الاجتماعية والبيئية والصحية والوراثية للحياة اليومية.

4- تداخل النظرات والقيم في حياتهما: التفاؤل، التشاؤم، الحاضر، المستقبل، الإقدام، الإدبار، الشجاعة، الجبن، العمق، السطحية، التبجح، التواضع.

4- حمل الكاتب لفلسفة مسرحية مذهبية إصلاحية: تصوير واستنطاق أفكار الجنسين المرتبطين بالطبقات الراقية المثقفة، الحاملة لنمط من الوعي والمعرفة المتميزة في عدة مجالات.

5- اختيار موضوع المسرحية وأفكارها الأساسية المتنوعة من خضم الحياة ودراستها من الناحية الروحية والمادية والنفسية والتربوية الاجتماعية والثقافية، مما يخلق منابع للصراع الباني للأبعاد الفنية في هذه المسرحية.

6- معالجة عدة مشكلات اجتماعية تقع بين الرجل والمرأة ونقد بعض مظاهرها الخرافية البالية.

7- طرح كوميدي ساخر لبعض ألوان من السلوك والأخلاق والعادات الغريبة والمشكلات الجنسية المعقدة.

8- تجليات الجانب الواقعي المسرحي: يظهر من خلال معالجة قضايا جنسية وثقافية تتعلق بجمهور عريض، يقع ضمن الطبقة المثقفة. يبني الكاتب بهذا الطرح (دراما جادة) في عالمنا العربي المعاصر.

9- إعادة النظر في بعض نظم المجتمع العربي وأوضاع الحياة بين الجنسين، من خلال التفكير الجاد النقدي والهادف بالنسبة لبعض الموروثات.

10- اتباع خط إبسن وشو في مجال المسرح الواقعي لمعالجة المشاكل المادية والروحية والتربوية والسياسية والصراع بين القديم والحديث عند الجنسين.

يقدم غازي عبدالرحمن القصيبي الحياة الواقعية عند البطلين بعرضه لعدة ملخصات عنها ورصد جانب جوهرية مهمة منها. إنه (يهذبها ويتناولها تناولاً فنياً كفيلاً بأن يؤدي رسالته الفنية في المسرحية التي يقدمها.. والمسرحية الواقعية لا يشترط أن تكون تعليمية، أي موضوعة لغرض تعليمي أو للتبشير بفكرة معينة، وإن كان من المستحسن أن تكون كذلك، حتى لا تكون مجرد ترف ذهني أو موظفة لقتل الفراغ كما هو الشأن في أكثر المسرحية الرمزية والسريالية.. ولكن المكروه أن تكون المسرحية الواقعية بوقاً من أبواق الدعاية لنظام معين لأنها بذلك تجافي الفن وتدجل على الذهن وتمسخ حرية الفكر...) (4).

يقوم الخطاب المسرحي THEATRICAL DISCOURSEفي هذا الإنتاج المدروس على أفكار إنسانية سامية، تبني عشرة الحياة الدنيا بين الرجل والمرأة، حيث تعود بالخير على عقليهما وقلبيهما ومختلف أذواقهما وسعيهما في الحياة الدنيا.. إنها تعمق إنسانيتهما وتزيدها رفعة ونقاء وتجعل مشاعرهما الفنية مرهفة وتنمي فيهما الإحساس بالجمال والحق والخير.

تعد مسرحية (هما) من المسرحيات العربية الناجحة فنيا لأنها تقارب عدة مشكلات من مشاكل الحياة العملية عند الجنسين. كما أنها ترقى، في هذا المستوى، إلى نقد بعض الأوضاع والأفكار والنظريات والمعارف والشخصيات.. إنها تجرب عدة أطروحات للبناء والتغيير وتعميق الوعي واستبداله، نظراً لإخفاق أغلب المثل العليا والخطط الخيالية المثالية العربية، مما فرض على الكاتب ولوج هذا الاتجاه الملتزم بالوقائع، مهما كان نوعها وخطورتها.

سمات البطلين: يلعب الرجل والمرأة دورين أساسيين في مسرحية (هما)؛ إذ إنهما يبلوران أحداثها المتنوعة، من خلال أفعالهما وتصوراتهما ووعيهما. ولا وجود لهاتين الشخصيتين من دون أحداث والعكس صحيح.

يظهر عمق وأصالة جهدنا النقدي بناء على تجليات (سلطة) النص المسرحي وأفعال وسلوكيات البطلين - الممثلين، فهذان العنصران يجعلاننا ننقل إلى المتلقي- المشاهد العربي كل الإيجابيات والسلبيات في العمل، حيث نسطر عدة إضافات تأويلية، تخلق روابط روحية بين الجوانب الفنية في المسرحية والمتلقين.

تساعدنا أيضاً سلوكيات البطلين على إثارة مشاعر وأفكار المتلقين العرب لأنهما مسؤولان عن التأثير عليهم، بصورة تدرج في الحسبان تصورنا وتصور المؤلف. إنهما يستطيعان بمواهبهما تقديم عدة جوانب إضافية إلى قيمة النص المسرحي وإلى جهدنا النقدي ليشكلا من المعجم المسرحي تفسيراً للنص المحلل. كما أنهما يحققان ترابطاً طبيعياً بين قضايا المسرحية وتسلسلها.. يصنعان من خلال كل هذا شحنة وجدانية تمنح عناصر الموضوع إشعاعاً وتجعلهما مشدودين ومعلقي الأنفاس، مما يحقق للمتلقي العربي نصيباً كبيراً من التأمل والإحساس الرقيق العميق، الذي يعانق صلب المعارف والمشاعر التي خطط لها غازي عبد الرحمن القصيبي وجعلناها في جوهر اهتماماتنا النقدية.

يحقق البطلان هذه الجوانب المذكورة باعتمادهما على طرح مسرحي تكاملي، ينبع من نظريات واتجاهات ومدارس مسرحية ومعرفية وفكرية كبيرة، فلا يحاكيان الطبيعة حرفيا؛ إنهما يستخدمان أساليب شخصية ومثاقفات وأنواع من التناص المسرحي THEATRICAL INTERTEXTUALITY غير الممسوخ، فيقدمان للمتلقي العربي فضاءات زمكانية واضحة ومتواضع عليها، دون إيهامه بأحداث خيالية.. إنهما بطلان محوريان يسلمان بالأمر الواقع بالنسبة لقضايا الجنس والعادات الشخصية الغريبة وتداخل المعارف وكثرة الإسقاطات وبعض التأويلات الفرويدية السخيفة.

تتميز شخصية الرجل والمرأة في هذه المسرحية بعدة سمات ومعتقدات وتصورات نموذجية:

1- مرونتهما في التعبير ونجاح الأسلوب المسرحي الذي يوظفانه؛ إذ إنه يحدث أبلغ الأثر عند المتلقي العربي، مما يبرز قوة ملكاتهما وجهدهما الكبير في هذا العمل.

2- استخلاص مادتهما النصية المسرحية من الحياة اليومية للناس وقدرتهما على التحوير والتنوير والتوفيق والتأويل والمقاربة والانتقاء والبناء والاستشراف.

3- بناؤهما لموسيقى عذبة تخص كلمات المعجم المسرحي المستعمل.

4- ابتعادهما عن التكلف والمبالغة المأساوية، التي تدخل الملل إلى نفس المتلقي العربي.

5- التزامهم ا بالإنجاز المسرحي THEATRICAL PERFORMANCE الطبيعي، المنهجي بدقة وبلورتهما الجيدة للجانب المعقول فيه.

6- اعتمادهما على ثقافتهما وخبرتهما ووعيهما.

7- اندماجهما وانسياقهما مع المواقف، التي تجعلهما يتجاوزان الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال، بحيث يسقطان عدة أقنعة ويلفظان جل الماديات الرخيصة.

يحرك المبدع شخصيتي مسرحيته (هو + هي) بطريقة لا تجعلهما تفقدان صحبة المتلقي العربي الوعي بالزمان والمكان، مما يبرز سيطرته على فنه وموهبته وتأثيره عليهما وعلى أي مستقبل لعمله.

يلعب الرجل والمرأة أدواراً متنوعة في هذه المسرحية، تتعلق بالجنس وقضايا معرفية وفكرية وثقافية شائكة؛ حيث يوهمان المتلقي العربي بأنها قد وقعت لهما فعلاً. إنه إيهام افتراضي يقع حوله تواضع أوتواطؤ غير مفرط بينهما وبين المتلقي لأن كل طرف يحتفظ بوعيه الخاص، الذي يبقي لحواسه وظائفها الطبيعية. لذلك فإن الكاتب يخلق توازناً سحرياً بين بطلي مسرحيته ومتلقيه في البلاد العربية. فهو يقدم الشخصيتين بفنية عالية، تجعله يتحكم في عناصر (كونه المسرحي) ويداعب بمهارة مشاعر وعقول المستقبلين لعمله. لقد منح المؤلف لبطليه قوة الشخصية والإرادة والقدرة على إبهار المتلقين، مما يبرز براعة رسمه لسماتهما الخاصة CHARISMA ونجاح العمل.

تحدد الشخصيتان الرئيسيتان في هذه المسرحية موقفهما من الأحداث، سواء بشكل تقدمي أو رجعي. كما أنهما تنتقدان بعض العيوب والسلوكيات المرفوضة داخل المجتمع العربي، وتعرضان الحقيقة في صورتها الصادقة والأصيلة، من خلال التعمق في تحليل الأشياء، مما يولد المعاني في ذهن المتلقي العربي ويمنح المسرحية رمزية متميزة. يعبر البطلان، في هذا المستوى،عن عدة مكنونات عاطفية وفلسفية ونفسية عميقة.

يقدم لنا غازي عبدالرحمن القصيبي شخصية الرجل والمرأة بطريقة متكاملة وعميقة، مبرزاً من خلال ترددهما حيرة روحية مفرطة، تبلور قوة المشاعر حول الجنس وتأججها وصلابة بعض المعارف والنظريات والثورة على العادات الشخصية الغريبة والخلق لآفاق إنسانية فسيحة والانعتاق من الكبت.. يروج الكاتب مواقف معقدة تخص البطلين، حيث ينزع أحياناً إلى استخدام بعض المقولات الكونية والدعاية العامة لتصوير علاقات الشخصيتين بالناس والعالم. فهما يمثلان ناراً معرفية تكاد تحرق كل ما حولها. يرسم المبدع سمات بطليه بإحكام، عن طريق ضبط قضايا مسرحيته.

إن استعمال الكاتب لعدة تقنيات رمزية وواقعية في عمله تجعله ناجحاً ومؤثراً، فهو يملك منهجية خاصة في الكتابة المسرحية العربية المعاصرة باستخدام ماضي الشخصيتين بشكل مثير، يجعلهما يواجهان مصيرهما بإيمان عميق بالقدر، لكن قد تغيب عنه أحياناً بعض التحديدات لجوانب حتمية بالنسبة لحياتهما، مما يخلق تراجعاً في رصد كل سماتهما الشخصية الخاصة.

والحقيقة أن مسرحية (هما) لا تتجه اتجاهاً منهجياً أو مذهبياً مسرحياً واحداً ؛ إنها تمزج بين التراجيديا والكوميدية والعبثية والمدارس الواقعية والرمزية والطبيعية والتعبيرية لأن البطلين يجسدان مجتمعين عربيين متمايزين:

أ- مجتمع عربي تكاد تتلاشى قيمه أو تمسخ مسخاً.

ب- مجتمع عربي: تتجذر قيمه وتتأصل، حيث يرسم معالمه الخاصة بوضوح وصدق.

المغرب

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة