Culture Magazine Thursday  12/03/2009 G Issue 274
فضاءات
الخميس 15 ,ربيع الاول 1430   العدد  274
المجلات الحكومية وصاحب الكلب الأول
أين مجلس الشورى وديوان المراقبة؟!
عبد الرحمن المعمر

 

يدور بخلدي ويشغل بالي وبال الكثير من أمثالي أمر هذه المجلات التي تُصدرها بعض الجهات الرسمية في بلادنا بشكل أصبح موضع ذعر ومصدر تندّر, كل ذلك إذا عرفنا كيف تبدأ قصّة الغزل أو التمهيد و جسِّ النبض, لتهيئة الجو، وإعداد المسؤول لتقبّل ما يطرح عليه أو يستدرج إليه .

كل الأعمال الكبيرة تبدأ بكلمة، والطريق الطويلة تبدأ بخطوة، لكن شتّان.. تلك تنتهي إلى أعمال كبيرة حقاً تصل إلى نهاية الطريق وغاية القصد ومنتهى السبيل. والأخرى تفضي بك إلى نفق مظلم معتم مخيف..!!

كم أتمنى أن يتصدى أحد الباحثين من المكتبيين والاختصاصيين وهم كثر لدينا..!

أقول: ليته يتصدى لإخراج كشّاف بما صدر ويصدر الآن من صحف يومية وأسبوعية ودوريات ونشرات أي كل ما يدخل تحت قائمة المطبوع، أو ما يندرج في سِمْط هذا العِقد.

ما علينا من الوسيلة، إنما يعنينا ما نعاني من هذا الزخم والركام الضخم وأطنان الورق الذي يسوَّد كل يوم وأسبوع، وشهر، وفصل، نُغرق به المكاتب والدواوين ثم يُقذف به في سلات المهملات أو زوايا الدور القصيّات، فقد رأيت أعداداً من المجلات بأغلفتها لم تفضّ ترقد في ركن مطمئن في منزل صديق تُهدى له كل المطبوعات الحكومية مجاملة وزلفى!

أقول إننا نسوِّد الورق ثم نعجز عن تبييضه مرة أخرى!! فليتنا أبقيناه أبيض لنستفيد منه فيما ينفع الناس ويمكث في (الراس).

أعود إلى قصة فكرة المجلات التي أضحت مجال تنافس وتفاخر وتكاثر بين الأجهزة الرسمية في بلادنا..!

تحضرني قصة من كتاب المستطرف أكتبها من الذاكرة عكس ما يفعل شيخنا عبد العزيز الخويطر في موسوعته الرائعة (إطلالة على التراث) برواية القصص من عدّة وجوه وذكر المصادر وأرقام الصفحات والمراجع والتدقيق والتوثيق كسِمَةِ خيار المحققين والعلماء الباحثين.

فقد طلب أعرابي من أحد الولاة (كلباً) هكذا كلب فقط!! فاستسهل الوالي الأمر، وأمر له به، وبعد مدّة جاء فقال للوالي: الكلب بحاجة إلى أنثى ليأنس بها, فأمر له بذلك، وبعد أشهر جاء وقال: لقد وَلَدت الكلبة وأصبح لديّ فصيل من الكلاب لا عمل لها، فلو أعطاني الوالي - أصلحه الله - قطيعاً من الماشية لتحرسها الكلاب تغدو بها وتروح، فأمر له بذلك، ثم راجعه الأعرابي طالباً ضيعة فيها زرع وماء لتأكل منها الماشية وتستظل تحتها الكلاب وتقيل ظهراً، فاستهول الوالي الأمر وقال: بدأ بكلب وانتهى إلى مزارع وضياع غامرة وعامرة..!!

هكذا بالضبط أمر المجلات التي تصدرها بعض الجهات الحكومية في بلادنا..!!

يبدأ صاحب الفكرة بتسهيل الأمر على المسؤول وأن القضية لا تعدو غرفة صغيرة في زاوية، وعدداً من الموظفين لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة.

لا حاجة إلى جهاز فني ومطابع، فجميع مطابع البلد مستعدة للتعاون بأسعار زهيدة جداً، وجميع الكتّاب مستعدون للتعضيد والكتابة بدون مكافأة، والناس ينتظرون صدورها بشوق عارم ولهفة ما بعدها لهفة... (هكذا يوضع المسؤول في منطقة الوهم وما أكثرهم!!) وتصدر المجلة وتنتشر - بشكل ضيّق ومحدود - وتنشق الصدور ويخرج المذخور, ويبان المطمور، غرفة واحدة لا تكفي!! لا بد من شقة صغيرة ثم تتحول بقدرة قادر إلى دارة مستقلة وأجهزة استقبال، ورافعات ضخمة في المستودعات، ومعارج عليها يظهرون إلى المكاتب والإدارات، وجسور تصل بعضهم ببعض، وبنود للإنفاق للتوسّع بالمصروفات وسراديب تقيهم الحرّ وتصدّ القرّ، وسرابيل تقيهم بأسهم....!

يا للهول لا تقولوا كفى..!! بل قد يكتشفون أخيراً أنهم بحاجة إلى التوسّع لإنشاء صالات للمحررين وصوالين للمشرفين وملحقات للخدم والحراس المساندين، وبعد ذلك يتدرج الأمر إلى طلب شراء أراض في مواقع محددة - لاحظوا -!! لبناء مطابع بمئات الملايين ثم إنشاء إدارات لإدارة المطابع، وأخرى لإدارة التحرير وثالثة ورابعة وخامسة..

فلو كان سهماً واحداً لا تقيته

ولكنه سهم وثان وثالث

ثم تتوالى الأجهزة البيروقاطية... ظلمات بعضها فوق بعض.. ياللهول بدأتْ بغرفة صغيرة وانتهت بسرايا وميزانيات ومستودعات، وأطنان من الأجهزة والمعدات ومشاريع إسكان لمئات العاملين وعوائلهم..!! يا أمان الخائفين..!!

رحم الله صاحب الكلب الأول، ولا رحم صاحب الكلب الثاني.. لأن الأول كان يربي الماشية ليأكل الناس الشواء ويستمتعوا والثاني يخرج مجلات ونشرات تُرمى دون قراءة في سلات المهملات.. فليت الجهات الرقابية المتخصصة تسأل سؤالاً واحداً فقط: لمصلحة من يصدر هذا الزخم في بلادنا؟! أليس من تنسيق وإعادة نظر وترتيب للأولويات والضروريات واللزوميات؟! أين ديوان المراقبة العامّة؟ أين مجلس الشورى؟ أين هم عن تبديد المال العام؟!

لقد صدر حسب ما أذكر قرار من مجلس الوزراء بإعادة النظر في المجلات الرسمية وأصدر مجلس الغرف السعودية توصية أخرى بالنسبة لمجلات الغرف الصغيرة،

ولكن.. من لهم منافع ومغانم ومصالح ظاهرة وخفيّة سيتحايلون ويقفون في وجه الحلول الجادة بالحيل والأحابيل المضادّة، وقديماً كان في الناس التحايل..

خطير جهل ما يجري

وأخطر منه أنْ تدري

الطائف - عصبة الأدباء

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة