Culture Magazine Thursday  16/04/2009 G Issue 279
منابر
الخميس 20 ,ربيع الثاني 1430   العدد  279
المسرح السعودي
خطوات النجاح ومغامرة الطموح
نورة القحطاني

 

نعيش هذه الأيام نهضة ثقافية مختلفة، تسجل تحولات تاريخية في مشهدنا الثقافي، تقودها وزارة الثقافة والإعلام بجهود حثيثة تسعى إلى تأسيس رؤية مستقبلية مغايرة تدفعنا إلى انتظار ثمارها بشغف.

ولكن السؤال الأهم هنا: هل سيكون للمسرح السعودي نصيب من الاهتمام في هذه المرحلة الهامة في مشهدنا الثقافي؟ ومتى يعي المجتمع دور المسرح كفن راقٍ يؤدي رسالة يسعى من خلالها لطرح بعض قضايا المجتمع ومعالجة أخطائه؟ فالمسرح هو مرآة الواقع، يقدم لنا الحياة بنظرة مختلفة تتسم بالشمول والتنوع، يعرض فيها مواقف حياتية يركبها في بناء درامي يشكّل الصراع عموده الفقري الذي يعطيه قيمته، ويغري الجمهور بمتابعته، فهو يخاطب العقل والعواطف معًا، مما يضمن تفاعل المتلقي وتأثره بما يشاهد، وبذلك يعد المسرح وسيلةً مثالية للاتصال بالناس وإقناعهم، وبالتالي القدرة على معالجة ظاهرة اجتماعية معينة، وعلى الرغم من الدور الكبير الذي يلعبه المسرح في تغيير بعض السلبيات والمفاهيم الخاطئة، التي كرسها العرف الاجتماعي حيال بعض القضايا الحياتية إلا أن هناك من يحارب وجوده في ثقافتنا، لأسباب غير مقنعة.

فتفعيل دور المسرح في حياة الشباب كوسيلة من وسائل الترفيه وقضاء أوقات الفراغ فيما يعود عليهم بالنفع سيمتص كثيرًا من طاقاتهم، ويصقل مواهبهم الفنية والأدبية، ويصبح وسيلة لتثقيفهم وتربيتهم. لذا علينا العمل جديا على إعادة إنشاء مسرح سعودي مختلف قادر على أن يجد سبيله إلى المشاهد المحلي والعربي. وإنّ حل مسألة بناء مسرح جديد لابد أن يقوم على تحديد أهدافه ومهماته المستقبلية، ثم تحديد كيفية تنفيذ هذه الأهداف.

ونحن في اللحظة الراهنة لا نشكو من نقص في الإمكانات المادية أو الشكلية إنّما التحدي الحقيقي هو في تأهيل طاقات بشرية متمكنة من فنها كالممثلين والمخرجين ومهندسي الديكور وكتّاب النص المسرحي، وأهمها جميعًا تربية الممثل الجديد القادر على أداء دوره ببراعة تجذب المشاهد و تجسد الصراع بأسلوب يسعى من خلاله إلى تعميق رسالة المسرح في معالجة التحولات الاجتماعية المختلفة، لذا فإن الاكتفاء بإنشاء جمعية المسرحيين لن يعطِ نتائجه المرجوة من دون إنشاء معهدٍ لفن التمثيل مع مراعاة الظروف المحلية، انطلاقًا من ضرورة تربية الممثل القادر على تحقيق الأهداف المرجوة من المسرح السعودي في المرحلة القادمة، كل ذلك يجب أن يكون محل اهتمام القائمين على الثقافة في بلادنا لإحياء الإبداع المسرحي والنهوض به نحو العالمية.

وفي الأيام القريبة الماضية شاهدنا مسرحية (اللعب على خيوط الموت) التي شاركت بها جمعية الثقافة والفنون بنجران ضمن فعاليات الأيام الثقافية السعودية في اليمن، وقد أذهلني حقيقة فريق العمل المسرحي الذي بدا متمكنًا من أدائه وعرضه بطريقة نالت إعجاب الجمهور اليمني، وكانت محل تقدير من الجميع، فالجمهور عادة يميل إلى تفسير المسرحية دراميًا من خلال ألفاظ المعنى الحرفي للشخصيات والفعل، لكن مع هذه المسرحية ثمة مستوى آخر أعمق وهو (الرمزي) لأنها مسرحية صامتة، ولهذا فالقراءة الرمزية للمسرحية جوهر لا غنى عنه، حيث إنها تعد رمزية ككيان قائم بذاته في بنائها كله، اعتمد فيها المخرج على الحركة والمؤثرات الصوتية المختلفة والإضاءة مما أضفى عليها عمقًا جماليًا جذب الجمهور، فالأسلوب المسرحي الحديث الذي يحيد عن الأسلوب التقليدي الواقعي يجعل الجمهور الحقيقي للمسرح ممتنًا فعلاً لعبقرية المخرج، الذي استطاع أن يكون جريئًا في كل ما فعل رغم شعوره بقيود فنه وقوانينه، وهذه الجرأة استشعرها الجمهور لا شعوريًا، فولدت نوعًا من الإثارة أحاطت بالمسرحية حتى نهايتها، وهذا ما عبّر عنه فريق العمل بإبداعه الخاص الذي منح النص حرية تعبير جيدة حققت الإثارة الضرورية لجذب الجمهور وتحقيق المتعة، وقبل الدخول إلى عالم النص يثيرك ذلك العنوان الذي يعد مفتاحًا لإدراك معناها وإثارة حب الاستطلاع لدى الجمهور، حيث جمع ثنائية الحياة والموت في بعد رمزي عميق، يحيل إلى المضمون الفعلي للنص وماذا يقول؟ ولذا يجب تفسير المسرحية بالإحالة إلى الرمزية المتخفية خلف الفعل المسرحي إذا ما أريد لها أن تفهم بأبعادها الكاملة، فعلى حد قول كثير من النقاد فإنّ الرموز تستخدم لرفع الدراما المسرحية إلى مستوى جمالي أعلى يحفز الفنان على الأداء بفاعلية وحساسية خاصة، وهذا ما لمسناه في أداء الممثلين البارع على خشبة المسرح، فكل شخصية كانت تمثل رمزًا للإنسان المقهور في عالم الواقع، وجاء الفعل رامزًا إلى طغيان قوى الشر الظالمة على الإنسان الضعيف، بقوة التحايل على الصدق والإخلاص في عا لم ملأته الانتهازية والوصولية، وما القناع الذي يرتديه الممثلون إلا رمز لزيف الإنسان الذي يحاول أن يصل إلى ما يريد بطرق ملتوية تجعله يرتدي أقنعة كثيرة تشير إلى أفكاره السوداء الخادعة، ويظهر مغزى المسرحية في موت تلك الشخصية الماكرة التي رسمت نفسها داخل إطار وارتدت قناعًا زائفًا، فكان مشهد موتها وحملها مع إطارها إشارة إلى انتصار الخير في النهاية وسقوط تلك الشخصية، التي حولت نفسها إلى دمية تحركها خيوط لعبة خفية لقوى أعلى منها جعلت منها أداة لتنفيذ مخططاتها ثم قررت في لحظة الانقلاب عليها وقتلها. والقيمة الأساسية للمسرحية هي في ثرائها الرمزي الغزير، الذي يزيد من تعدد شكل التعبير الأدبي وطبيعة التلقي عند الجمهور، فهي لم تحدد مكانًا معينًا أو زمنًا معينًا، بل إنها تحيلنا إلى قضية الإنسان في العالم بشكل عام، وهذا ما يشير إليه استخدام المخرج لأنواع مختلفة من الموسيقى الشرقية والغربية، كم أيد ذلك لباس الشخصيات غير المحكوم بزي معين، فالفن هو انعكاس للحياة وتصوير لوضع الإنسان فيها، مما يضمن تفاعل الجمهور معها وتوقع ردة فعل معينة تكشف قدرتهم على فهم المسرحية وفك شفرات رموزها، فالأحداث تنطوي على صفات مراوغة تثير حيرة الجمهور المتابع لها، فنظن أنّ بعضهم لم يفهم موضوع المسرحية لغموضها، ولكن عند سؤالهم ومحاورتهم تكتشف إدراكًا عاطفيًا لمشهد معين من مشاهد المسرحية، ولا يستطيع المخرج بطبيعة الحال أن يتحدث مع كل فرد من الجمهور لكي يعرف ردة فعله، وليس مطالبًا أيضًا بتفسير رموز نصه وإلا قتل تعددية التأويل التي يكمن فيها جمال النص.

وأخيرًا فإنّ نجاح أيّ مشروع مسرحي هو نجاح تعاوني بين مجموعة الممثلين والمخرج ومعاونيه، فكان مخرج العمل (سلطان الغامدي) قائدًا بارعًا يتميز بموهبة عالية حيث كانت المسرحية فكرة وإخراجًا وسنوقرافًا من إبداعه، كما كان فريق العمل - المكون من الممثلين (عبدالرحيم شيبان، والحسن أحمد صالح، وناصر الربيعي، وعبدالله ذيبان، ويحي علي غانم، وثامر علي شيبان، صقر صالح آل سعد) والفريق الفني (محمد المنصور، علي الغامدي، ظافر القحطاني، يحي الحارثي، سلطان القرعاوي، سعيد آل مرضمة ) إضافة إلى جهود مدير الجمعية (محمد آل مردف) - فريقًا مترابطًا يتمتع بقدرات فنية جيدة هيأته لتنفيذ عمله باحتراف أثنى عليه الجميع، واستحق منّا الإشادة بمستقبل المسرح لدينا إن نحن شجعنا مثل هذه الفرق المسرحية الجادة التي تسعى لفرض إبداعها بثقة وإصرار، ونشيد هنا بجهود جمعية المسرحيين التي ننتظر منها دعمًا وتشجيعًا للمواهب الشابة، فالعمل على استغلال تلك الطاقات الفنية من خلال تكثيف الدورات الخارجية لهؤلاء حتى تصقل موهبتهم ونستفيد من قدراتهم و حماسهم سيبشر بتأسيس مسرح جاد يثبت نجاحه داخليًا و خارجيًا.

- جدة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة