Culture Magazine Thursday  18/06/2009 G Issue 288
أقواس
الخميس 25 ,جمادى الآخر 1430   العدد  288
ليلة ثقافية على ضفاف البحر الأحمر

 

ما إن ارتفع صوت المؤذن عاليا في آفاق السماء، معلنا دخول وقت صلاة العشاء، حتى أفقت من حالة التماهي الوجداني والمعرفي التي كنت أعيش فيها لحظة سكوني إلى حديث راعي الثقافة في عروس البحر الأحمر معالي الوجيه عبدالمقصود خوجة، الذي يشدك بقامته السامقة إلى حديثه الرقراق العالي الذرى، كان ذلك خلال مراسم الاحتفائية البسيطة التي نظمها مركز التجديد الثقافي بجدة برئاسة المستشار الشيخ محمد الدحيم للمحتفي به الوجيه خوجة، أفقت لأسكن إلى موعد ثقافي آخر، تعبق بشذى عطره الوجداني والعقلي أماسي مدينة جدة، المكتنزة بكل حس جميل.

دلفت مختلسا ذاتي من بين ذلك الجمع الزكي، مسرعا بخطواتي، عابرا تلك المسارات المزهوة بذلك الوهج الممدود على طول الطريق، باحثا عن أقصرها وأسرعها للوصول إلى غايتي الأخرى، حيث ينتظرني جمع آخر من مكتنزي تلك الثقافة وذلك الفكر، وحيث يخوض المرء عباب تفكيره الجاد في سياقات فكرية متنوعة، وقضايا اقتصادية واجتماعية متعددة، يهتم بها مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية برئاسة المفكر الدكتور أنور عشقي، الذي خصص تلك الأمسية في أحديته الأسبوعية للحديث حول الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر، الذي يعيش منذ إغلاق باب المندب من قبل اليمن في وجه الإمدادات النفطية لدولة الكيان الإسرائلي خلال حرب سنة 1973م، حالة من الصراع والتوتر، جراء محاولات العدو الإسرائيلي المستمرة لتفتيت وإضعاف قوى الدول العربية المطلة على البحر الأحمر، بتأجيجها لمنابت الصراع بين بعض الدول في المنطقة كما هو الحال بين إرتريا المدعومة إسرائيليا واليمن حول جزيرة حنيش وغيرها، وعملها الدؤوب بعد ذلك لإيجاد موطن قدم عسكري لها على مضيق باب المندب، وحرصها الأكيد على تدويل ممر البحر الأحمر، ليصبح ممرا دوليا مفتوحا من قناة السويس إلى خليج عدن، ودون أن يكون لأي دولة مطلة عليه حق السيطرة، أو حتى فرض سلطاتها السيادية بشكل أو بآخر، جاء ذلك وغيره في حديث ضيف الملتقى الأسبوعي المشرف على وحدة دراسات البحر الأحمر بجامعة الملك عبد العزيز بجدة الدكتور هاني المهنا، الذي أشار إلى خلو المنطقة الإقليمية العربية من مراكز متخصصة في دراسات البحر الأحمر، ووجود ذلك بشكل ملحوظ في عدد من الدول الأوربية المهتمة بالمنطقة وبخاصة بريطانيا، مع إقراره بوجود العديد من الدراسات البحثية الفردية في ذلك.

وواقع الحال فإن إشارة الدكتور المهنا وحديثه قد أثار الكثير من الشجون في ذهني وذهن غيري من الباحثين الغيورين، ذلك أن أكثر ما لفت نظري من خلال متابعة بعض الدراسات الغربية لمنطقة حوض البحر الأحمر، هو وجود الحس المتقدم في ذهنيات أولئك الباحثين الغربيين لأهمية بحرنا الأحمر بوصفه ممرا ملاحيا استراتيجيا يجب اكتشاف خباياه أولا، ومن ثم تعزيز التواجد فيه عبر مختلف السبل، الذي يأتي الجانب العسكري أحدها، على الرغم من أسبقيته في ترتيب أولوياتهم في المنطقة، وهو ما يفسر ظهور العديد من مراكز الدراسات المتخصصة في البحر الأحمر، وتعدد عقد ورش العمل حول مختلف المجالات العلمية والسياسية والعسكرية والاقتصادية المتعلقة بدول حوض ذلك البحر، بغية استكشاف المزيد من نقاط القوة والضعف، واستباق معرفة مكامن الخطر المستقبلية، للتعامل معها بشكل سليم، بما يخدم مصالحهم في المنطقة.

ما يدعوني إلى القول بذلك راجع إلى ما لمسته من بعد استراتيجي وضح في حديث الأميرال هنري لابروس عضو الأكاديمية البحرية وأكاديمية علوم ما وراء البحار، عن المخاطر التي يمكن أن تهدد حوض البحر الأحمر وتجعله عرضة للتدخل الدولي، وذلك في ورقته المقدمة لندوة البحر الأحمر التي نظمها معهد دراسات الجغرافيا السياسية ومعهد العلاقات الدولية وتنمية الفرانكوفونية في جامعة رينيه ديكارت السوربون بباريس في مطلع سنة 2004م، حيث تحدث وبوضوح عن أثر ما يمكن أن ينتج عن المخاطر الصومالية - نتيجة للانفلات الأمني - من أعمال إرهابية وقرصنة بحرية في منطقة خليج عدن، مشددا على أهمية انتباه اليمن والدول المطلة على البحر الأحمر لذلك، والعمل على تلافيه تفاديا لتدخل العديد من الدول العظمى عسكريا بهدف حماية مصالحها على النطاق الاستراتيجي؛ والمهم في هذا الأمر هنا أن ذلك كان واضحا له منذ فترة مبكرة نسبيا، في حين أننا لم نلتفت إلى ذلك إلا بعد وقوع الحدث وجلجلته إعلاميا كما أتصور.

إن أمرا كهذا يدعو إلى إثارة سؤالنا الاستفهامي الكبير المسكون في ذهن كل باحث وطني غيور وهو: ألم يئن الأوان لأن تتشكل العديد من مراكز البحث العلمي المتخصصة، بعيدا عن بيروقراطية البحث العلمي في الإطار الجامعي؟ كما ألسنا ونحن في هذا السباق المعرفي المحموم حول بحرنا الأحمر، في حاجة إلى مركز دراسات متخصص ذو صل احيات واسعة، وليس إلى وحدة دراسات محدودة؟ أسئلة كثيرة أتركها لمخيال قارئنا الفطن، لكوني لا أملك لها أية إجابة، حتى أعود للاستئناس بليلتي الثقافية على ضفاف بحرنا الأحمر.

د. زيد بن علي الفضيل

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة