Culture Magazine Thursday  18/06/2009 G Issue 288
قراءات
الخميس 25 ,جمادى الآخر 1430   العدد  288
ديوانها السؤال (كيف الحال)
عبدالرحمن مجيد الربيعي

 

آخر إصدارات الشاعرة والباحثة الجزائرية د. ربيعة جلطي ديوان بعنوان (كيف الحال) وقد صدر لها قبله ديوانان هما: تضاريس لوجه غير باريسي (في طبعتين الأولى من دمشق والثانية من الجزائر) وشجر الكلام (وقد صدر في المغرب).

وتعد الشاعرة بين أهم الأسماء الشعرية التي ظهرت منذ الثمانينيات من القرن الماضي، ولكن جلّ أعمال هذا الجيل لم تصل إلى القارئ العربي نظراً لالتباسات الوضع الجزائري. وما وصل منها كان عن طريق العلاقات أو ما نشر خارج الجزائر. ويبدو أن الشاعرة ولهذا السبب ارتأت أن تهاجر بدواوينها إلى خارج الجزائر لتصل إلى القارئ العربي الذي تتوجه له (الشاعرة أكملت تعليمها العالي في سوريا رفقة قرينها الروائي (أمين الزاوي).

قصائد ربيعة جلطي منجزة بحرفية لغوية وشعرية دقيقة كل كلمة في مكانها، كأنها معادلة محسوبة لا فائض فيها.

وتكتب الشاعرة قصائدها بأناة واضحة، كما تحرص على تدوين المكان الذي أنجزتها فيه وهو توثيق مهم إذ إنه يحيلنا على المناخ الجغرافي والمكاني الذي كتبت فيه ليبحث القارئ عن أي علاقة انصاغت من وحي المان ومن فيه.

قصيدتها الأولى (كتبت على بحر المانش). و(دردارة الأمير) كتبت بين دمشق ووهران (مسقط رأسها ومدينتها الأثيرة التي كتبت أغلب قصائد الديوان فيها) و(فراشة) كتبت في (بترا الأردنية).

و(اقتدار) في (كان الفرنسية)، و(فتنة) في (أمستردام) و(نشيد نوح) في (كان الفرنسية أيضاً) و(للمنامة) كتبت في (البحرين). وهكذا.

ولم أشر إلى قصائدها الوهرانية فهي قصائد الديوان الأكثر عدداً كما ذكرت. وهي قصائد فيها أسئلة الأمان وأسئلة الخوف أيضاً. أسئلة العتاب وأسئلة الحنين كذلك.

عدد قصائد الديوان (29) قصيدة. جلها قصائد مكثفة إلى أبعد حد. وفي هذا دليل على أن الشاعرة لا تفرج عن قصيدتها إلا بعد أن تشتغل عليها كثيراً بدليل أنها لم تنشر إلا ثلاثة دواوين فقط.

في الديوان قصيدة تحمل عنوان (بلاد ضيعت ظلها). هذا العنوان الواضح ليس مجانباً بل هو من نسيج ما ورد في القصيدة التي هي قصيدة ألم وعتاب وحب أيضاً للبلد - بلدها الجزائر في سنوات محنته:

تقول:

(آه يا بلد

إلام نداوي شمسك بالبرد

ينبغي أن تردّ

ما عاد في القلب جلد

سلمت خصور نهاراتنا للرماد

وسلمنا متسع العين للرمد).

وعندما ذكرت بأن كتابتها للمكان الذي أنجزت فيه قصيدتها مهم بالنسبة لها ولمتلقيها فذلك لأن هذا المكان يدخل في القصيدة كقصيدة (دردارة الأمير) الدمشقية والأمير هنا هو عبدالقادر الجزائري الرمز الكبير وتخاطبه الشاعرة:

(أينك أيها الأمير؟

من أسرى بك؟

قل للشعر أن يبايعك

قل لحدائق الشام.

لشاماتها

لبروج الذهب

لاشتقاق النار والماء ب(غوطتها).

قل لفاتنات الشام

أن يطلقن سراحك).

والشاعرة متآلفة ومتعاطفة دائماً مع المكان العربي فكأنها تجد فيه امتدادها، تجد هويتها، لنقرأ أيضاً قصيدتها (للمنامة) وهي العاصمة البحرينية.. ومن خلالها تتحدث عن البحرين تقول:

(للبحرين طعم الطيب

وجنون الرغبة في اقتراف الخيال

(بحرين) من عسل ولؤلؤ

وقلب مخضر - يا ربي -

يذرف الجمر

ويضيء البلاد).

وعلى العكس من احتفائها بالمكان العربي عندما تجد نفسها في مكان غريب مثل القصيدة المدخل التي تهديها (باللغة الفرنسية) إلى أصدقاء غربيين والتي كتبتها وهي تطل على بحر المانش حيث تقول:

(شرفة في آخر الدنيا

تطل على موج دخاني

قبالتها

يمر الشقر على دراجاتهم

عيونهم تلقي السلام الأزرق

فهل يرد القلب العنيد

حيث أبي البعيد

تضمه الشموع

والتراب الأحمر بوهران؟).

والشاعرة في ديوانها هذا تتوقف عند رمزين من رموز الثقافة الجزائرية فهناك قصيدة تحمل اسم الروائي والباحث الجامعي الحبيب السائح إذ تخاطبه قائلة:

(لك البعد

والوعد ومادشت مطارفه.

ولك الجمر

ما أنت بسائح

وإن توزعتك البيضاء

والخضراء

والصحراء

انه الميته يا صديقي

والوابل من الألم

لا غرو انه نفق

كاذبة مباسمه

فشرط الشمس الوضوح

وشرط الصخر الهادية).

وفي المسار نفسه تهدي قصيدة (قابيل) إلى الكاتب بختي بن عودة الذي أنهى حياته وصاحب التطرف والانغلاق في تسعينيات القرن الماضي 1995تحديدا ولاختيار اسم (قابيل) دون غيره من الأسماء لأن قابيل قتل أخاه (هابيل) في القصة القرآنية المعروفة، وليت الشاعرة سمت قصيدتها (هابيل) فنجتي بن عودة هو هابيل من (هابيلات) زماننا العربي.

تقول غله:

هوذا السيد الجميل

رصاصات باغتت خيوله

لم تعد تورق الروح فيه

واخضرت في قلبنا فصوله)

هذا الديوان يضم تخطيطات للفنانين الفلسطينيين الراحلين ناجي العلي ومصطفى الحلاج (الغلاف لمصطفى الحلاج)، وهو دليل على نضج القصيدة العربية الجزائرية الحديثة التي يتواصل إثراؤها من الرواد حتى التجارب الشابة الجديدة التي بدأنا نقرأ لها أواخر الألفية الثانية وبداية الألفية الثالثة.

جاء الديوان في 152 صفحة من القطع المتوسط - منشورات دار حوران للطباعة والنشر. دمشق.

- تونس

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة