Culture Magazine Monday  19/01/2009 G Issue 267
فضاءات
الأثنين 22 ,محرم 1430   العدد  267
حكي مكتوب
السجين الدائم
زكريا تامر

 

قال لي ممثل تهواه السجون ومخافر الشرطة: عندما كنت شاباً، عرفت الكثير من السجون، دخلتها وخرجت منها بسبب عشقي للملاكمة والمصارعة.

قلت: هل سجنت قبل الاكتشاف العلمي الخطير الذي توصل إليه بعض الشعراء الجدد، وهو أن الشعر ليس سوى رسائل شخصية إلى الحبيبات أم بعده؟

قال: لقد سجنت أيام كان السجن مجرد دخول يعقبه خروج. أما اليوم، فمن يدخل السجون يُنسى فيها وينسج العنكبوت خيوطه على جسمه وعقله.

قلت: هذا تطوّر سيكّبد خزائن الدول نفقات طائلة، ولكن من يرغب في خدمة المجتمع وحمايته ينبغي له أن ينفق بسخاء وكرم.

قال: ومنذ سنوات، انطفأت ناري، وتخليت عن المشاكسة، وصرت هادئاً ورصيناً، ولكنّي ظللت أشعر بأنيّ سجين.

قلت: لكلّ تجربة حياتية آثارها الإيجابية والسلبية.

قال: أقرأ الجرائد والمجلات، فأشعر بأنيّ سجين، وسجاني لا رحمة لديه، يعذبني ويحتقرني ويبصق عليّ، ويطالبني بأن أمتدح ما يفعله بي.

قلت: هذا كلام حاقد على الصحافة، فهيّ ليست كأسنان المشط.

قال: أتفرج على ما تقدمه المحطات التلفزيونية، فأشعر بأنّي سجين في زنزانة ملأى بالتافهين الأدعياء الوقحين.

قلت: أنت الغلطان، فالتفرج على البرامج التلفزيونية له آدابه وأصوله التي تقضي أوّلاً بإغلاق العيون.

قال: وحين أنصت للإذاعات، أشعر بأني سجين ملقى في زنزانة عفنة لا يدخلها هواء أو ضوء.

قلت: لم تخلق الآذان إلا للإنصات للقصائد البليغة الركيكة.

قال: وعندما أتحادث مع زوجتي، أشعر بأني سجين سيتدلى بعد دقائق من أعواد المشنقة.

قلت: من الواضح أن زوجتك معجبة بكاظم الساهر.

قال: وحينما أمشي في الشوارع أو آكل في المطاعم أو أجلس في المقاهي، أشعر أيضاً بأني سجين.

قلت: ما تشعر به هو أمر طبيعي لأن السجون الحديثة نوعان، نوع صغير ونوع كبير.

لندن

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة