Culture Magazine Thursday  19/03/2009 G Issue 275
فضاءات
الخميس 22 ,ربيع الاول 1430   العدد  275
من الأدب الذاتي الساخر
رأس حاسر.. وصلعة محترمة؟!
علي محمد العُمير

 

أثار نشر صورتي الحديثة، وأنا حاسر الرأس الذي توسّعت فيه صلعتي ما شاءت من توسّع مستمر متزايد.. أثار ذلك شهية التعليق، والسخرية عند أهلي، وأصدقائي، ومعارفي!! وقد كنت أتوقع ذلك، أو نحوه من هؤلاء الخبثاء.. فهذه فرصة لانتقامهم مني لكثرة ما عانوه من سخريتي بهم، وهزلي معهم!!

ولكن ما لم أتوقعه قط هو أن تصلني رسالة من أخ كريم لم أسعد بالتعرف عليه.. فهو من قرية صغيرة كما يقول في الشمال الشرقي من بلادنا، وهي ناحية لم أسعد بزيارتها، أو المرور بها، ولا ضرورة لذكرها!! كما لا يمكن ذكر إسم صاحب الرسالة حيث كان عبارة عن ثلاثة أصفار بين قوسين!!

وأنا لا أعرف معنى للأصفار الثلاثة غير كونها في علم الترقيم علامة حذف!! فهل يقصد أخي الكريم حذف اسمي، أم حذف وجودي من أساسه، وبخاصة كونه قد وصفني بأوصاف متنوعة شتى.. كان أدناها أنني لا أحترم نفسي لظهوري في الصورة إياها بشكل غير لائق.. بل هو يدل على استهتار شديد بالمجتمع، وعاداته، وتقاليده المحترمة!!

وأما من ناحية عدم احترامي لنفسي فهو يقول إن نشر صورتي بالرأس الحاسر لا تليق بشهرتي الأدبية على حد زعمه، ولا تليق كذلك بطعني في السن على حد زعمه أيضا، وإن كان زعمه الثاني صحيحا!!

بيد أنه لم يلحظ مسألة مهمة جدا.. جدا، وهي أن صبغة ما تبقى من شعر راسي باللون الأسود بينما صبغت لحيتي المتواضعة باللون البني، وفي ذلك ما فيه عند أمثال صاحبنا من المتزمّتين!!

والأدهى، والأنكى أنه يعتبر حسر رأسي تشبّها بالكفار.. يقصد أهل الغرب من أمريكيين، وأوروبيين، وغيرهم!!

ولحسن حظي أن الصورة لم تظهر ما أفعله بين حين، وآخر من لبس للبنطال، والقميص نصف كم في الداخل على سبيل التحرر من الثوب الفضفاض، والغترة، والعقال!!

وأما في الخارج فألبس البذلة العالمية الكاملة بما في ذلك -أحياناً- ربطة العنق اللعينة!!

ولحسن حظي أنني كنت في الصورة صاحب (لحية) أرجو أنها محترمة!! بيد أنها أي الصورة لم تظهر كوني كنت إلى عهد قريب حليق الذقن، وإلا كنت عند صاحبنا غير متشبه بالكفار فحسب.. بل ربما جعلني أحدهم!!

وهنا لا بد من اعتراف عن كون الرسالة قد استفزّتني فعلا، وإن كنت قد حمدت الله على أن صاحبنا قد فاته ملاحظة كوني في الصورة أزهو بنظارة بنية اللون.. لا هي بيضاء، ولا سوداء، وإن كان الكفر بسائره ملّة واحدة!!

وأقصد هنا، أن حكم النظارات حكما واحدا مهما تعددت الألوان، وهي -أي النظارات- من صنع واستعمال الكفار أيضاً.. فأما استعمالنا لها نحن غير الكفار فهو يعتبر -على أدنى تقدير- تشبّها بهم من ناحية القياس طبعا رغم كونهم قد أبطلوه!!

وعلى كل حال، لم تخل الرسالة من إيجابية واحدة يتيمة، وهي أنها قد أعادتني إلى ذكريات حميمة عمرها أكثر من نصف قرن كنت فيها طالب علم في حلقة الشيخ الجليل العلامة المشهود له بسعة العلم، والتعمق فيه بمؤلفات في علوم الشريعة ما تزال تطبع إلى الآن، وستظل تطبع مرة بعد أخرى في عدد من الأقطار العربية، والإسلامية، وفي بلادنا بالطبع.. بل إن بعضها قد طبع أول ما طبع على نفقة جلالة الملك (سعود بن عبدالعزيز) رحمه الله.. فضلا عما طبع منها في الداخل أيضا على نفقة بعض محبي نشر العلم. والتماس أجره.. إنه الشيخ (حافظ بن أحمد الحكمي) رحمه الله.. رحمه الله وهو الذي كنت أحد تلامذته في أوائل السبعينيات الهجرية من القرن الماضي.

وأما الذي ذكرني بذلك من خلال الرسالة.. فهو أنني كنت -حينذاك- قد طلبت خياطة ثلاثة أثواب دفعة واحدة، ولكن نسيت.. نسيت حقا أن أطلب من الخياط جعل مقاس الطول على مستوى نصف الساق، أو أعلى بعض الشيء!!

ولكن الخياط اجتهد من ذات نفسه فجعل المقاس فوق الكعبين بمسافة شاسعة، إلا أنه لم يصل إلى نصف الساقين، أو على مقربة من الركبتين.. فلم أر في ذلك شديد بأس!!

بل كنت على يقين من صواب رأيي.. فكان أن لبست أحد تلك الأثواب في الوقت الذي ابتلينا فيه ببعض الأدعياء من المتنطّعين -رغم علمهم بما هم عليه من جهل فادح، وضيق أفق بالغ الشناعة، ورغم ذلك يتسترون عليه بالادعاء، والمزاعم لأنفسهم، بينما غاية الدين عندهم تقصير ثوب، وإطالة لحية.. أي اصطناع مظاهر لا شأن له في جوهر ما يزعموه لأنفسهم زورا، وبهتانا!!

وهكذا بينما كنت خارجا من المسجد لاحظ أحد هؤلاء أن ثوبي ليس بالمقاس المطلوب وفقا لجهالته الفاحشة.. فبادرني مستنكرا بطريقة استفزازية فجّة حمقاء نابية!!

ولكن رغم كون تربيتي لا تسمح لي بالرد على كبير سن بينما كنت مازلت في مرحلة الصّبا إلا أن ما تلقيته من ذلك الرجل الدّعيّ الوقح اضطرني إلى الرد عليه بعنفوان شديد.. فتجمع الناس حولنا حيث انضم إليه ثلاثة أشخاص من مثله.. بل أكثر جهلا، وحمقا، ووقاحة.. فأنساني كل ذلك صغر سني من حيث اشتبكت معهم في ملاسنة شديد لا تليق بي كطالب علم، وصغير سن!!

وقد استمرت الملاسنة إلى أن قام الناس بفض الاشتباك بيننا. ومن ثم توجهت من فوري إلى شيخي الجليل (حافظ بن أحمد الحكمي) حتى وقفت بإزائه، وأنا في حالة غضبة قصوى.. قائلا له: أرجوك يا شيخ.. أن تنظر إلى ثوبي، هل ترى فيه من بأس؟!

قال -رحمه الله- لا أرى فيه شيئا مخلاً.. ولكن ما الأمر؟! فما كاد ينهي تساؤله حتى وصل القوم، وهم أيضا في حالة غضب ليس قبلها، ولا بعدها.. فأمرني بلزوم الصمت حتى أستمع إليهم، وعرف حكايتهم معي، أو هي حكايتي معهم.. ثم قال لهم: إن تلميذي (علي) أعرف منكم بعلوم دينه، وإنني أعلم تماما بما يعانيه الناس من أوامركم، ونواهيكم على غير صواب قط، غير أنكم قد وقعتم مع (علي) في أسوأ ما تستحقونه، وإنني لا ألومه على ذلك رغم كل شيء.. يقصد رغم تلمذتي، وصغر سني، وما إلى ذلك.. فانصرفوا على أسوأ حال!!

ولكن بعد أن انصرفوا سمعت منه أيضاً ما يجب أن أسمعه من نصح وتوجيه.. ولكن دون لوم، أو تقريع أو ما إلى ذلك من نحوه.. بل أمرني بالجلوس مع زملائي فحسب!!

ولا شك أن أخي صاحب الرسالة لا يعدو كونه من ذلك الطراز من الادعاء، والحمق، والجهالة.

فاكس 026208571 جدة

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة