Culture Magazine Thursday  19/03/2009 G Issue 275
قراءات
الخميس 22 ,ربيع الاول 1430   العدد  275
الإلحاد حالةٌ من الكسل الذهني
محمد عبدالله الهويمل

 

كثيراً ما ينقدح في ذهني سؤال حُرّ ذو صلة بموضوع الشك وقيمته الإنتاجية وانتهى إلى إجابة قلقة تستطبن أسئلة لا تقل قلقاً عن سابقاتها.. (هل الشك نشاط؟) أم أنه خروج عن نشاط بمعنى أنه كسل حيوي أو كسل من نوع آخر. وهل هكذا تصنيف يتجلى في الوعي أم أن استحضاره من اللاوعي هو الآخر مظهر للكسل؟

كل ما سبق يدعونا للخوض مجدداً في التجاذبات الحادة داخل مساحة الإشكال في العقل وتحديداً التدافع بين السؤال والإجابة بمدّه وجزره والذي يؤول في نهاية أمره إلى تفوق حاسم لأحدهما على الآخر.

والشك هنا يقوم بدور راعٍ ومدير لهذا التدافع وينتهي بظفر أحدهما على الآخر وعندها يفتر النشاط إمّا بانتصار السؤال أو الإجابة وعليه فيكون الشك حالة من الانتقال من خانة كسل إلى خانة كسل وبالتالي فهو يمثل مرحلة وممارسة غبّية بين قناعتين فاترتين.

السؤال عندما ينتصر ويطمئن إلى انتصاره ويكتسب تدريجياً صفة الدَّعة وأنوثة الإجابة تعوزه حالة جديدة من الشك تحركه وتبعث فيه النشاط القلق ولكن حتى يبقى النشاط سيّداً لحلبة الإشكال يشترط أن يبقى الشك حيوياً صاخباً وهذا ما لا يكون.

أخلص مما سبق إلى أن الإيمان بحسبانه ممثلاً للإجابة والإلحاد أو الشك ممثلين للسؤال يعبران عن الوضعين الوحيدين للإنسان الذي ينطوي وعيه ومخليته على درجة مرضية من التأمل في الغيبيات والتأمل هو طاقة الحسم والمفاصلة بين السؤال والإجابة وعليه فإن آلة التأمل تتعرض للخلل أو العطب فور إنجاز هذا الحسم الذي من تمظهراته الإلحاد الذي يغرز نوعاً من مشاعر الطمأنينة الصناعية تتفاعل مع مباهج الحياة تكسبها بعداً نشيطاً كالإفراط في التنظير لثقافة اللذة بوصفها محاولة طموحة لإضفاء طمأنينته على الحالة الجديدة وتذويب للأسئلة المتحرشة بالقناعات الإلحادية بمزيد من الاحتماء بالحضوري إزاء الغيبي أي باللذة إزاء الأسئلة التي تفسد صفاء الإلحاد وطمأنينة المشرع الإنساني القادم وتثير شغباً له تداعياته الكثيفة على آلية العقل ومنظومة الشعور والجهاز العصبي لاسيما إذا اعتمدت اللذة بوصفها طمأنينة صناعية والطمأنينة بوصفها تعبيراً مرادفاً للكسل العصبي إذ ليس بوسع الإنسان أياّ كان أن يعيش ويستمتع دون أن يؤمّن أعلى درجات التحصين لجهازه العصبي وإلاّ سيكون كتلة من الهستيريا تجهز عليه كما أجهزت على كثير ممن سبقوه ممن لم يوفقوا بين التبشير بثقافة اللذة وكآبة الأسئلة. فالمؤمنون بالفلسفة كمحضن للأسئلة انغمسوا في كسل غير واع لأن الفلسفة تبحث عن الإجابة ولا تقدمها ولأن الفلسفة لا تطرح السؤال لتجيب عليه، بل هي طريقة في التفكير والبحث عن الإجابة وكل هذا يعزز من صخب الفلسفة ويجعل منها عُرساً ضاجّا لا يتيح فرصة التداخل والتفاعل والرّد عليها وما لاحظته من بعض المعتمدين هذا انهم حذرون كل الحذر من القراءة في الكتب التي تتصادم مع الفلسفة لا لعجزها عن تفكيك الفلسفة واختراقها بل لكي لا يعودوا إلى مربع الشك الأول الذي سيفقدهم التعاطي المطمئن مع اللذة وثقافتها واستقرار الشخصية المنتجة بل سيدمجهم كرهاً في ثقافة الكم والرقم والإجابة الجاهزة وكل هذا سيضعهم في عمق التوتر المَرَضيّ المتصادم مع مشروع وثقافة اللذة. الذي تأسس على اعتماد أدوات غير جاهزة أو مجانية في التلقي والتأويل في حين أنها جاهزة ومجانية في غير المحضن الديني وبلوغها لا يتطلب عبقرية الابتكار بل إرادة الاختيار والاختيار بحد ذاته حالة من الكسل الذهني فلو تناولنا عبدالله القصيمي وتحوله المفاجئ بين خانة الإجابة إلى السؤال مروراً بالشك لوجدنا أنه دخل في مرحلته في التفكير والحكم والحسم وتعاطى معها على نحو غير واعٍ على أنها من ابتكاره فأشبعها استخداماً لأنها لم تمر عليه من قبل فحضر الكسل الذهني ليلعب دوره التمثيلي المراوغ في تصنيفها ابتكاراً في حين أنها اختيار طفوليّ أمعن في تحطيم العبقرية وربما هذا ما يفسر كثافة إنتاج علامات الاستفهام ونقاط الحذف وتصدير مقاطع كتبه ب(أنّ) الناصبة إذ تتجه هذه الاستثمارات إلى حالة الانفعال المصاحب للمفاجأة والخدعة التي اتكلت عليه لا سيما الاحتفاء به ووصفه بالمفكر فظن أن عبقريته اكتملت بإحداث انتفاضة في الانساق ولا يدري أنها لا تحتاج عصا نبي أو معجزة بل التقاط حصيات وقذفها في وجه التاريخ والإنساق والتقاط الحصى اختيار وليس ابتكارا.. انتهى إلى أن الإلحاد سكون وماء راكد، يحتاج إلى تحريك بنفس النوعية من الحجارة التي قذفت بها الثقافة النسقية السائدة.

Hm32@hotmail.com - الرياض

 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

البحث

أرشيف الأعداد الأسبوعية

ابحث في هذا العدد

صفحات العدد

خدمات الجزيرة

اصدارات الجزيرة